أعلنت هيئة الدفاع عن المناضل الأممي أليتش راميريز شانسيز، الشهير بلقب «كارلوس»، أنها تلقت، أول أمس، ردا رسميا من محكمة حقوق الإنسان الأوروبية بقبول الدعوى التي رفعها كارلوس ضد الدولة الفرنسية بتهمة خرق المادة السادسة من معاهدة حقوق الإنسان الأوروبية التي تحدد الشروط والمواصفات المكفولة لأي متهم من أجل تمكينه من الدفاع عن نفسه ضمن محاكمة منصفة. وجاء قرار كارلوس بالتوجه إلى المحكمة الأوروبية إثر تلقي محاميه قرارا من المدعي العام الفرنسي، بتاريخ 16 ماي الماضي، يقضي برفض العريضة التي رفعها كارلوس إلى «المحكمة الخاصة» الفرنسية مطالبا بإلغاء حكم المؤبد الذي أُصدر بحقه في 15 ديسمبر الماضي، بعد أن تبين أن أحد القضاة من أعضاء هيئة المحلفين التي أصدرت الحكم أدين بتهمة سرقة قطعة أثاث أثرية نادرة من قاعة المحكمة أثناء المداولات! وكان كارلوس قد أعلن في مرافعته الختامية أمام المحكمة أنه سيقوم باستئناف الحكم الصادر ضده، من منطلق عدم أهلية «محكمة الجنايات الخاصة»، التي تم تأسيسها عام 1982، إثر حل «محكمة أمن الدولة» مع وصول اليسار إلى الحكم في فرنسا، ويُفترض أن صلاحياتها تقتصر على «القضايا ذات الطابع العسكري، بشرط أن تكون قد حدثت في أوقات السلم لا الحرب، وأن تكون مرتبطة بتهديد خارجي للأمن الفرنسي». من هذا المنطلق، اعتبرت هيئة الدفاع عن كارلوس أن إحالة التفجيرات المنسوبة إليه على «المحكمة الخاصة»، بالرغم من أنها حدثت فوق التراب الفرنسي وليس في الخارج، يعدّ بمثابة «إعادة تشكيل غير معلنة لمحكمة أمن الدولة التي تم حلّها منذ 30 عاما!». لكن انكشاف قضية القاضي السارق، جعلت كارلوس لا يكتفي باستئناف الحكم، بل رفع محاموه عريضة عاجلة تطالب بإلغاء الحكم وإعادة المحاكمة، لعدم توفر شروط المحاكمة المنصفة المنصوص عليها في القانون الجنائي الفرنسي وفي معاهدة حقوق الإنسان الأوروبية. تقول محامية كارلوس، إيزابيل كوتان باير «لقد حاول رئيس المحكمة أن يخفي عن هيئة الدفاع واقعة ضبط أحد القضاة في هيئة المحلفين متلبسا بالسرقة الموصوفة. وذلك لأن رئيس المحكمة يدرك جيدا أن ذلك يشكل خرقا سافرا ل »قَسَم القضاة« ول »قانون واجبات أعضاء هيئات المحلّفين«. وكان المفروض، لو كان رئيس المحكمة غير متحيز، أن يأمر بحل هيئة المحلفين وإبطال الحكم الصادر عنها فور إبلاغه بواقعة السرقة..». وتجدر الإشارة إلى أن «هيئات المحلفين» تتشكل عادة من مواطنين يتم اختيارهم بالقرعة من القوائم الانتخابية. لكن رئيس «المحكمة الخاصة» التي تم تشكيلها خصيصا لمحاكمة كارلوس، جاك ديغرانديه، قرّر أن يكون جميع أعضاء هيئة المحلفين من القضاة المحترفين، مبررا ذلك ب «الطابع الاستثنائي لشخصية كارلوس وخصوصية التهم الموجهة إليه». بناء عليه، تعتبر هيئة الدفاع عن كارلوس أن أعضاء هيئة المحلفين المذكورة تنطبق عليهم التزامات سلوكية مزدوجة. فمن جهة هم ملزمون ب «قسَم القضاة»، الذي يتعهد بموجبه كل قاض بأن «أؤدي وظيفتي بأمانة وأتّسم في كل ما أفعله بسلوك مشرّف وأمين»، من جهة أخرى هناك «قانون واجبات أعضاء هيئات المحلفين»، الذي ينص بأن المحلفين يجب أن «يتصرّفوا بما يتوافق مع الضمير الأخلاقي لإنسان حرّ ومستقيم». وترى محامية كارلوس أن ضبط أحد قضاة هيئة المحلفين أثناء المداولات متلبسا بالسرقة يعد «تصرفا شائنا يتنافى مع السلوك المشرّف والأمين المطلوب من القضاة، ومع واجب الاستقامة المشترط في أعضاء هيئات المحلفين»، وبالتالي، تعتبر أن «رئيس المحكمة كان يجب أن يكشف على تلك الواقعة فورا، وأن يعلن عن إبطال الحكم لعدم أهلية هيئة المحلفين، وفقا لما تنص عليه المادة 253 من قانون الإجراءات الجنائية». قرار المدعي العام برفض طلب الإلغاء الذي تقدّم به محامو كارلوس جاء منافيا للإجراءات القضائية الفرنسية، وخاصة أن التهمة ثبتت على القاضي الذي تورط في سرقة قطعة الأثاث المذكورة، حيث أُدين في أفريل الماضي بالسجن 6 أشهر نافذة وبغرامة قدرها ألفي يورو! حيال هذا الوضع، تقول محامية كارلوس أن الملاذ الوحيد المتبقي كان التوجه إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية. وتضيف «إن الخرق القانوني واضح ودامغ. وليست هذه هي المرة الأولى التي يتورط فيها القضاء الفرنسي في خروقات قانونية سافرة بحق كارلوس. ويجب ألا ننسى أن وصوله إلى فرنسا جاء بشكل مخالف تماما للإجراءات القضائية، حيث تم خطفه بشكل سري في الخرطوم من قبل المخابرات الفرنسية. ثم استمر مسلسل الخروقات والاستفزازات، من خلال التضييقات المستمرة التي يتعرض لها في السجن، فضلا عن إخضاعه للعزلة التامة طيلة سبع سنوات».