في مقالة له نشرت مؤخرا، وجه دينيس روس المساعد السابق للرئيس أوباما في شؤون الشرق الأوسط، والمستشار حاليا لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، تحذيرات واضحة للإخوان المسلمين في مصر، وأن المؤشرات الأولية حول حقوق الأقباط والمرأة والحريات الإعلامية لا تبشر بخير، كما أن سلوك الإدارة الحالية المراوغ -حسب وجهة نظر دينيس- إزاء العلاقة مع إسرائيل، التي ترتبط معها مصر باتفاقية سلام، أيضا لا يبعث برسائل مطمئنة، نتحدث هنا عن موقف السياسة الأمريكية. أهمية كلام شخص مثل دينيس روس، فضلا عن كونه مؤثرا في توجيه الرأي في النخب السياسية بواشنطن فيما يخص السياسات المتخذة في الشرق الأوسط، هي في أن موقف الإدارة الأمريكية مع الرئيس باراك أوباما كان “مباركة" الربيع العربي بقيادة الإخوان المسلمين، ومد يد الصداقة لهم، بل والضغط على خصومهم من أجلهم، وكان آخر ذلك التحذيرات المتتالية للمجلس العسكري المصري من أجل عدم “إعاقة" التقدم الإخواني في الاستيلاء على الدولة المصرية بشكل “عميق". وكان من مظاهر السخط من التدخل الأمريكي في مصر لصالح الإخوان، رشق وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون من قبل بعض المتظاهرين المصريين أثناء زيارتها الأخيرة إلى مصر. روس وجه عتابا مزدوجا للحكم الإخواني في مصر وإدارة الرئيس أوباما “اللينة" تجاه السياسات الإخوانية، فقال في مقالته التي نشرت في الصحف الأمريكية وفي جريدة “الشرق الأوسط" أيضا قبل أيام: “يجب أن يكون موقف الإدارة الأمريكية واضحا، إذا استمر هذا السلوك سيتوقف دعم الولاياتالمتحدة (...) والليونة في رد فعلنا في هذه المرحلة قد يكون جيدا بالنسبة لجماعة الإخوان، لكنها ليست كذلك بالنسبة لمصر". «التجريب" الأمريكي في هذه المرحلة بدعم التيارات الحركية الإسلامية للحكم، شبيه بالتجريب الأمريكي سابقا، بعيد 11 سبتمبر بدعم التيارات الشيعية الحركية، بحجة قابلية التشيع للديمقراطية والتحاور، على عكس التسنن، كما هي نظريات المفكر الأمريكي من أصل إيراني ولي نصر.. وهكذا يستمر التجريب هذه المرة بحجة أن وصول الإخوان للحكم “عربيا" سيحقق عدة مكاسب للغرب وأمريكا، فهم سيحاربون التيارات الجهادية هذه المرة باسم الدين نفسه وليس باسم الوطنية “العلمانية"، وهم سيحافظون على سلامة الحدود والعلاقات مع إسرائيل، هذه المرة باسم “الجهاد" نفسه، ولن يغيروا كثيرا إلا في بعض “الرتوش"، ويبقى المهم هو الحفاظ على المصالح الكبرى، ولم لا؟ بغطاء شرعي جماهيري. هل يلام الأمريكيون؟ الأكيد أنهم يبحثون عن مصالحهم، سواء بالعمامة أو الطربوش أو القبعة.. لكن كم هو العمر الافتراضي لهذه التجربة الأمريكية هذه المرة؟ وكم ستدفع الشعوب ثمنا لها من العمر؟ يبقى سؤال أخير حتى لو جارينا التفكير “البراغماتي" الأمريكي، وهو: هل وصول الإخوان للحكم في العالم الإسلامي، سيكبح عنفوان وتزمت الجماعات الدينية، أم سيطلقه من عقاله في سباق خطير نحو “التسلح" الأصولي على غرار التسلح النووي؟ مجرد سؤال على خلفية ما يجري في تونس وغزة ومصر هذه الأيام.