تحتل السيدات الأولى، أي زوجات الرؤساء أو شريكات حياتهم مكانة مرموقة في بلادهن، هذه قاعدة عامة ولكنها تكتسب قدرا من الخصوصية عندما يتعلق الأمر بالولاياتالمتحدةالأمريكية، فما هو الدور الحقيقي للسيدة الأولى في البيت الأبيض وما هي حقيقة نفوذها؟ ندعوكم في هذه الحلقات للغوص في كواليس البيت الأبيض عبر دور زوجات الرؤساء الأمريكيين وذلك انطلاقا من «مارتا واشنطن» زوجة الرئيس جورج واشنطن وحتى ميشيل أوباما، زوجة الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما. بذكائها الحاد وحنكتها الشديدة وقوة شخصيتها ونظرتها السياسية الثاقبة ساهمت «سارة بولك» في رسم طريق جيّد لزوجها «جيمس بولك» ليكون الرئيس الحادي عشر للولايات المتحدةالأمريكية. في خريف 1803 انضمت إلى عائلة الكولونيل «جويل شيلدرس» طفلة جميلة اختير لها اسم «سارة» وانضمت إلى باقي أشقائها وشقيقاتها الثلاث وجاء من بعدها أربعة آخرون. كان «جويل شيلدرس» ثريا جدا ولم يبخل على أبنائه بشيء، إذ كان ينفق بسخاء شديد عليهم. تلقت «سارة» إلى جانب شقيقاتها تعليما في أفضل مدرسة، حيث درسن اللغة الإنجليزية وقواعدها والجغرافيا والحياكة والتاريخ والموسيقى والرسم إضافة إلى الإنجيل والكتاب المقدس. أنهت وفاة الكولونيل «شيلدرس» في عام 1819 تعليم بناته اللواتي عدن إلى «مارفريسبور» لمساعدة والدتهن، وفي السنوات التي تلت وفاته عانت سارة وعائلتها من نكسات مالية بسبب سوء إدارة أحد أخوتها للتركة، مما أدى إلى تضاؤل الدخل، لكن لم يغيّر هذا الوضع من نمط معيشة آل «شيلدرس». في هذا الوقت التقت «سارة» بالشاب «جيمس بولك»، وكان زميل دراسة لأحد أشقائها، حيث شجعته «سارة» على الترشح لمجلس الولاية التشريعي وتمكن من الفوز. وبعد وقت قصير من انتخابه أعلن كل من «جيمس بولك» و«سارة شيلدرس» في الفاتح من جانفي عام 1824 زوج وزوجة. سكرتيرة شخصية لزوجها لم يرزق الثنائي «بولك» بأطفال، الأمر الذي جعل سارة تسخر نفسها لزوجها وخدمة مساره السياسي بدرجة غير عادية. كان لها ذكاء حاد وخفة ظل وإطلالة ساحرة وقوة شخصية أثارت إعجاب العديد من السياسيين ك«هنري كلاي» و«أندرو جاكسون» و«فرانكلين بيرس»، بل إن هذا الأخير صرح بأنه يفضل مناقشة أمور السياسة مع «سارة» بدلا عن زوجها «جيمس». استمتعت «سارة» كثيرا بواجباتها الاجتماعية فبالإضافة إلى كونها ربة بيت ممتازة، عملت سكرتيرة شخصية لزوجها والرد على المراسلات بل وساعدته في صياغة خطبه السياسية وتقديم النصح. ترشح «بولك» لمنصب الحاكم وتولت زوجته «سارة» حملته الانتخابية من الكواليس لكنه فشل في الظفر بها. دفعت «سارة» زوجها إلى خوض انتخابات الرئاسة عام 1844 وقادت حملة منظمة واعتمدت فيها على إرسال بيانات صحفية في سابقة من نوعها في تاريخ الانتخابات وفازت بها ليصبح الرئيس الحادي عشر في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية وتحمل هي لقب السيدة الأولى ويبدأ مشوارهما معا دخل البيت الأبيض من عام 1845 إلى 1849. كانت أول هدية منها لزوجها بعد حفل التنصيب مروحة يدوية عليها صورته وصور الرؤساء العشرة السابقين. حظر الرقص والخمور لم يتجاوز عمر «سارة بولك» واحدا وأربعين سنة وبالرغم من أن حفلات الاستقبال اتسمت بالأناقة إلا أنها كانت دون موسيقى لأن السيدة الأولى حظرت الرقص والخمور في الاستقبالات الرسمية، كما رفضت حضور سباق الخيل أو المسرح احتراما لمعتقداتها الدينية القوية، وبالرغم من هذا كانت محط إعجاب بسبب خفة دمها ومهاراتها الاجتماعية وفتحها باب البيت الأبيض مرتين في الأسبوع في وجه العموم. كانت «سارة بولك» أول سيدة أولى يتم تصويرها مع زوجها داخل البيت الأبيض وأول من استضافا عشاء عيد الشكر السنوي. عرفت «سارة» أيضا بعدم الإنفاق حتى إنها ادخرت نصف الميزانية المخصصة لتجديد البيت الأبيض خلال مدة ولاية زوجها، ثم تقاعد الرئيس وعاد إلى «ناشفيل» بولاية «تينيسي» في مارس 1849، وبعد شهرين توفي بعد إصابته بالحمى وكانت آخر كلمة ينطق بها: «أحبك سارة.. أحبك إلى الأبد». لم تنزع «سارة بولك» السواد عنها بعد وفاة زوجها وعاشت في المنزل لمدة 42 سنة وقامت بتبني فتاة أنشأتها على نفس مبادئها. حضرت السيدة الأولى السابقة حفل تنصيب كل من الرئيسين ريدفورد هايز وغروفر كليفلاند. وتوفيت عام 1891 عن عمر يناهز ال 87 سنة، ودفنت بجوار زوجها في منزلهما في «ناشفيل» قبل أن يتم نقل رفاتهما معا على العاصمة في وقت لاحق.