تحتل السيدات الأولى، أي زوجات الرؤساء أو شريكات حياتهم مكانة مرموقة في بلادهن، هذه قاعدة عامة ولكنها تكتسب قدرا من الخصوصية عندما يتعلق الأمر بالولاياتالمتحدةالأمريكية، فما هو الدور الحقيقي للسيدة الأولى في البيت الأبيض وما هي حقيقة نفوذها؟ ندعوكم في هذه الحلقات للغوص في كواليس البيت الأبيض عبر دور زوجات الرؤساء الأمريكيين وذلك انطلاقا من «مارتا واشنطن» زوجة الرئيس جورج واشنطن وحتى ميشيل أوباما، زوجة الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما. تحتل سيدات البيت الأبيض، أي زوجات الرؤساء الأمريكيين وشريكات حياتهم مكانة مرموقة، فما هو الدور الحقيقي للسيدة الأولى في البيت الأبيض وما هي حقيقة نفوذها؟ ندعوكم في هذه الحلقات للغوص في كواليس البيت الأبيض عبر دور زوجات الرؤساء الأمريكيين وذلك انطلاقا من «مارتا واشنطن» زوجة الرئيس جورج واشنطن وحتى ميشيل أوباما، زوجة الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما. لم تستوعب جين بيرس طموح زوجها السياسي ولم تستسغ ترشحه لمنصب الرئاسة، إذ كانت تتمنى خسارته حتى لا تغادر صوب واشنطن. وخلال مقامها بالبيت الأبيض لم تنزل من غرفتها إلاّ نادرا جدا. ففي عام 1806 بهامبتون بنيوهامشر، ولدت طفلة للقس جيس أبلتون الذي كان يعمل رئيسا لباودوان كوليج، فاختار لها اسم «جين». تلقت جين تعليما منزليا محدودا في القراءة والكتابة، وهو ما جعل مستوى كتاباتها في اللغة الإنجليزية الكلاسيكية ضعيفا جدا. وبالمقابل، كانت جين بيرس تستهويها الموسيقى، وخاصة آلة البيانو، لدرجة أنها كانت تتمنى احترافها. لا يعرف اللقاء الأول الذي جمع جين بفرانكين بيرس، المحامي الشاب ذي الطموح السياسي، لكن الزواج تمّ في ال19 من نوفمبر عام 1834 بمنزل جديها. العزلة عن الناس لم تستسغ جين المقام بواشنطن وعانت من الوحدة الشديدة زادت منها وفاة طفلها الرضيع «فرانكلين بيرس جونيور» عام 1836 بعد 3 أيام من ولادته. لم تلب السيدة بيرس أي دعوة عشاء أو «استقبال»، وظلت منعزلة كلية عن الناس، لكنها لم تستطع أن تحد من طموح زوجها السياسي الذي أصبح عام 1837 سيناتورا. وفي عام 1839، عادت البسمة إلى وجه جين حين رزقت بطفل أطلقت عليه اسم روبرت فرانك، ثم طفل آخر حمل اسم بنيامين عام 1841. لم تكن لجين القدرة على تقبل الحياة السياسية لزوجها أو الاندماج بسهولة مع المجتمع بواشنطن، والتي كانت تمقتها كثيرا حسبما توضحه الرسائل التي كانت تتبادلها مع أفراد عائلتها، الأمر الذي دفعها إلى حث زوجها على الاستقالة من منصبه والعودة إلى نيوهامشر. وفي العام 1852، اتخذ الحزب الديمقراطي قرارا بترشيح فرانكلين بيرس للسباق الرئاسي، وهو القرار الذي عارضته جين بشدة، بل حتى ابنه بيني كتب لها «أتمنى ألا يفوز في الانتخابات، لا أرغب في المغادرة صوب واشنطن»، لكن فرانكلين لم يذعن لمعارضتهما ومضى قدما في الحملة الانتخابية وفاز بثقة الناخبين. حياة درامية بالبيت الأبيض أشهرا قليلة على أدائه اليمين الدستورية كرئيس، وقع حادث مأساوي لآل بيرس. كانوا يركبون عربة قطار للذهاب لأداء واجب العزاء لقريب لهم، لكن بعد دقائق فقط على تحركها انقلبت العربة لينجو فرانكلين وجين ويموت الصغير بيني. لم تستطع جين مواجهة الفاجعة وظلت محطمة ودخلت في نوبة هستيرية حتى أنها لم تحضر مراسيم تولي زوجها منصب الرئيس الرابع عشر للولايات المتحدةالأمريكية. أصيبت جين باكتئاب حاد جعلها تحتجب عن الظهور كسيدة أولى لمدة سنتين كاملتين، وفضلت البقاء بالطابق الثاني بالبيت الأبيض، ولم تظهر في أي حفل عشاء أو استقبال، وكانت تمضي وقتها يوميا في كتابة رسائل إلى ابنها بيني. غياب السيدة الأولى دفع الكاتب الأمريكي ناهنتيل هوتورن إلى وصف ما يقع في البيت الأبيض ب«الموت في البيت الأبيض»، لكن بدعم من شقيقتها ماري وزوجة خالها آبي وصديقتها فارينا خرجت جين من عزلتها نوعا ما وظهرت في حفل نهاية رأس السنة عام 1855 بفستان أبيض مزين بدانتيل أسود. عرف عن جين خلال مقامها بالبيت الأبيض لطفها الكبير مع جميع موظفي البيت الأبيض وحرصها الشديد على زيارة الكنيسة للصلاة كل يوم أحد. كما شاركت زوجها في إحداث بعض التغييرات على البيت الأبيض، ومنها تزويد الحمام بماء ساخن وبارد، وشراء أطقم من البورسلين للمائدة (لا زال يستعمل لحد الآن بالبيت الأبيض) من المعرض الدولي بنيويورك. بعد انتخابات 1856 وانتخاب جيمس بيوكانان رئيسا، غادر آل بيرس البيت الأبيض، فيما مكثت جين عند أختها ماري منذ 1860 ولم تخرج من غرفتها قط ولم يفارقها زوجها، غير أن اندلاع الحرب الأهلية جعلته يذهب إلى واشنطن من أجل الدفاع عن وحدة الولاياتالمتحدةالأمريكية. وفي عام 1863، توفيت جين لتستريح من العذاب، وجاء فرانكلين على وجه السرعة وحمل زوجته إلى منزلهما في كونكورد بنيوهامشر ودفنها حيث يرقد أبناؤها. طيلة ست سنوات كان فرانكلين يزور قبر زوجته وأولاده بانتظام حاملا إليهم الزهور ليعثر عليه ميتا عام 1869 بالقرب من قبر زوجته، حيث سيدفن بجانبها.