إفتكت فرقة المسرح الجهوي لأم البواقي، سهرة الخميس الماضي، الجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للمسرح المحترف في طبعته السابعة، عن عملها المتكامل “افتراض ما حدث فعلا". عمل أقنع لجنة التحكيم التي فاجأت الحضور بتتويجات “موضوعية" في مجملها، فيما تجاهلت أعمال أخرى كانت تستحق لقبا. ولم تخل الكواليس التي أعقبت الحفل من تعاليق جانبية ومشادات كلامية. قال أحمد خوذي رئيس لجنة تحكيم الدورة السابعة، في تقريره المقروء على مسامع الحاضرين في القاعة، إن الأعمال المشاركة هذه السنة تمتاز بالمسؤولية والجدية والجودة أيضا، إلا أنه طالب إدارة المهرجان أن تفكر في عملية تصفية أكثر دقة من سابقتها حتى تفضي إلى أقل أعمال، إذ عرفت هذه السنة 17 عرضا بمعدل عرضين في اليوم، الأمر الذي أنهك اللجنة، ووضعها أمام حالات ضغط كبيرة: “لا بد من تقليص عددها إلى عشرة" يوصي خوذي قبل أن يضيف إن العروض: “امتازت بالانفتاح على المسرح العالمي من خلال الترجمة والاقتباس وإعادة البناء الدرامي لبعض المسرحيات العالمية". هذا، وتضمنت التوصيات: إضافة جائزة الجمهور إلى لائحة الجوائز، اقتراح إمكانية حصول صاحب الجائزة الكبرى على جوائز أخرى وإعادة النظر في القانون الذي قد يحرّم الفرقة من تتويج ثاني. جدير بالذكر أن اللجنة تكونت من نادية طالبي وجمال بن صابر وجهيد الدين الهناني (الجزائر)، هشام كفرنة (سوريا)، إيفون روموف (فرنسا)، عبد المجيد فنيش (المغرب)، علي عواد (العراق) وشادية زيتون (لبنان). وقد تميز حفل الافتتاح بطابع وطني حماسي، بثته فرقة “فريك لان" الشبابية التي أدت أشهر الأناشيد الوطنية الجزائرية مثل “موطني"، “من جبالنا" و«عليك مني سلام"، بطريقة معاصرة جميلة وبأصوات ساحرة حالمة، نالت إعجاب الجمهور، فبادلها التحية بالتصفيق والهتاف. أم البواقي تتربع على العرش عندما عرض المخرج لطفي بن سبع مسرحيته “افتراض ما حدث فعلا"، بهر الجمهور بشكل ملفت، ونجح يومها في ترجمة نص العراقي عبد النبي الزيدي، ولكن بتوابل خاصة بالمخرج الجزائري، منحها بعدا عربيا ودوليا. سبق ل “الجزائر نيوز" أن كتبت عن المسرحية عقب عرضها وقالت: “الجميل في مسرحية أم البواقي أن لطفي بن سبع اعتمد على كل عناصر فرقته، كل واحد كان قطعة رئيسة في التركيبة الركحية، سواء تكلموا أم التزموا الصمت، كانت أجسادهم البارعة كافية لتشكل لنا لوحات سينوغرافية أشرف عليها رزيق بن نصيب، يتحوّلون إلى كراسٍ ومقاعد وأرائك، ويحوّلون ظهورها إلى سلم يعتليه المارشال، وإلى أسوار عالية أو أبواب مقفلة... كل هذه في لحظة غير متوقعة من قبل الجمهور، الذي كان يصفق طويلا كلما فاجأه بن سبع بتحويل ممثليه إلى أشياء امتلأت بها الخشبة". وهي الملامح الجميلة التي أقنعت لجنة التحكيم بمنح مسرح أم البواقي لقب أحسن عمل متكامل. صرخة الممثل المفاجئة هشام قرجاج قطعتها دموعه الصادقة، عندما نودي باسمه كأحسن ممثل في هذه الدورة. وقد أدى هشام في مسرحية أم البواقي دور “المارشال" وكان “ممثلا خفيف الظل والحركة، سريع الانتقال من نقطة إلى نقطة، بنية قوية رغم قصر قامته، استطاع بصوته المتحوّل وحسه الفكاهي أن ينقل لنا صورة كاريكاتورية للحاكم المستبد". سيدي بلعباس “المشتلة" أعلنت لجنة التحكيم بداية عن اسم مرسي موسى لاكروت، الذي تقمص دور الصبي الباحث عن الحقيقة في مسرحية “ماذا ستفعل الآن" المنتجة عن المسرح الجهوي لسيدي بلعباس وأخرجها هارون الكيلاني. وقد تميز لاكروت بأداء ملفت للانتباه، سلسل اللغة، عميق في تقمصه للشخصية، لا يظهر عليه التعب عندما يطالبه الكيلاني ببذل جهد ذهني وجسدي في آن واحد. فضل واسيني ولعريني على مسرح عنابة أقنعت الممثلة نادية لعريني مجمل أعضاء لجنة التحكيم، بعد أن قدمت دورها في “امراة من ورق" لمسرح عنابة الجهوي. ليديا أو نادية كانت أمام رهان كبير، أن تجسد نصا أدبيا عميقا لواسيني الأعرج واقتباس مراد سنوسي، وأن تجعل من لحظات التفكير والتيه فوق الخشبة، دقائق ملموسة من الحس والشعور. كما تقرر سهرة الخميس منح سكيكدة جائزة أحسن نص أصلي لمحمد بورحلة عن نص مسرحية “الملك يلعب" حيث سلط الضوء على هوس الحكام بالكرسي مستشهدا بالأحداث العربية الأخيرة. أحمد رزاق يعلن “ربيعه" كأفضل مخرج ظل أحمد رزاق يرفض صفة “الانتقام" على نفسه، كلما التقى به أحد يذكره بما حدث له العام الفارط، عقب عرض مسرحيته الناجحة “زوبعة في فنجان" التي صنفتها لجنة التحكيم برئاسة أحمد منور حينذاك، في خانة المسرحيات التي استعملت ألفاظا سوقية تقترب نحو المسرح التجاري لا غير. هذه المرة عاد رزاق ب “ربيع روما" ليعلن “ثورته" على طريقته، بعمل جدي وجديد، إلا أنه عندما سألناه أكد أنه كان يفضّل تتويج أحد ممثليه، لأنهم اجتهدوا في تقمص الأدوار. ورفض أن يقال له إنه عاد ليثأر لنفسه، علما أن نفس المسرحية نالت جائزة أحسن موسيقى لصالح سبيعي. لجنة التحكيم تجيز “هاملت" إعلان غير متوقع خص به المسرح الجهوي للعلمة، الذي تديره حاليا فوزية آيت الحاج، بعد أن قررت وزيرة الثقافة “نقلها" من تيزي وزو إلى مسرح جديد على كل المستويات. المسرحية أخرجها ربيع قشي، أعيد سرد ما وقع لهاملت ولكن بشكل جديد، ليس في القصور ولا البساتين الجميلة، بل في مستودع مليء بصناديق فارغة شكل منها الممثلون أطراف قصر وهمي. وهي السينوغرافيا التي نال حمزة جاب الله جائزة. لم ترق المسرحية الى عمل يستحق التفاتة اللجنة، خاصة وأن أداء الممثلين كان “هاويا" جدا، ولم يفهم الحضور هل الاعتراف كان للمخرج أم مجاملة لآيت الحاج التي ظهرت واثقة من نفسها قبيل بداية الحفل. تجاهل تام ل “مرآة" معسكر كل من شاهد “المرآة" للمسرح الجهوي لمعسكر، خرج بقناعة أكيدة أن هذا العمل يحمل الكثير من توابل النجاح والاحتراف. قناعة يزرعها في النفس الممثلون الأربعة: عبد القادر جريو، حمزة بن ابراهيم، اسماعيل بن واري وفتحي كافي، الذين قال عنهم المخرج محمد فريمهدي: “ استجاب بروفيل كل واحد منهم إلى الشخصية التي أردتها". وقبلها اعترف المخرج في تصريح سابق لنا أنه يتمنى لو تحظى “المرأة" بنصيبها من التتويج في المهرجان المحترف، وهو أمر لم يكن بتاتا، أمام دهشة الجميع،وانسحاب فوري لمدير المسرح الجهوي لمعسكر رشيد جرور، وكل الطاقم من محيط مسرح بشطارزي. مسرحيات جرفها الطوفان إستهلكت من عمر المهرجان ساعات وساعات، وأخذت من تركيز لجنة التحكيم زمنا ثمينا من التفكير والتمحيص في جدواها وسلامة بنائها. مسرحيات تابعناها وأخرى وصلنا صداها المؤلم، لم يبق منها أثر بعد نهاية المهرجان. وأول ضحايا “الطوفان" كانت “الحصلة" التي وضع المسرح الجهوي لوهران نفسه فيها منذ اليوم الأول للفعالية، عمل اختير ليعرض في الحفل الرسمي، لكنه وضع الجميع في ورطة. أعمال أخرى صدق عليها قول تقرير لجنة التحكيم، تؤكد أن مستوى المنافسة متفاوت بين عمل وعمل آخر. كما كانت هناك أعمال مقبولة بامتيازات متعددة، إلا أنها لم تنل شيئا مثل “القفطان" لقسنطينة، “ناس مشرية" لتيزي وزو، “جرعة الحقيقة" لباتنة، “لالة والسلطان" لبجاية، “نساء بلا ملامح" للبليدة. قالوا... الخامسة مباركية (أحسن أداء نسوي واعد): التتويج إنجاز تاريخي في حياتي قالت الخامسة مباركية صاحبة جائزة أحسن دور نسائي عن دورها في مسرحية “هاملت" لمسرح العلمة الجهوي: “سأعمل جاهدة للحفاظ على ما وصلت إليه، وأعتبر تتويجي إنجازا تاريخيا في حياتي"، وعن توقعها قالت: “كان الفوز أملي دائما" مضيفة: “ومن لا يتمنى اعتلاء الخشبة في مثل هذه المناسبة.. مع أنني لم أكن أتوقع الجائزة في ظل التنافس الكبير على هذا اللقب". موسى لكروت (أحسن دور رجالي واعد): توقعت الفوز أبدى الممثل الشاب موسى لكروت ارتياحه إزاء حصوله على جائزة أحسن دور رجالي واعد من خلال مشاركته في مسرحية “ماذا ستفعل الآن" للمسرح الجهوي لسيدي بلعباس: “توقعت التتويج وانتظرته كونه سيمثل نقطة فاصلة في حياتي الفنية"، كما أثنى الشاب على المبادرات التي حملها أساتذته للوصول للظفر بهذا الفوز خاصا بذكره عبد القادر لجريو وهارون الكيلاني، منوّها بجهود كل فريق المسرحية. هشام قرقاح (أفضل ممثل): خطوة أولى نحو الاحتراف إعتبر الممثل الشاب هشام قرقاح تتويجه بجائزة أحسن أداء رجالي بمثابة الخطوة الأولى نحو الاحترافية: “ينتظرني الكثير بعد هذا الفوز الذي سيفتح لي العديد من أبواب العمل، خاصة وأني تعبت للوصول إلى هذه النتيجة". وأضاف:« تمنيت الفوز بالجائزة الكبرى، لأن الفريق كله سعى لتقديم أحسن عرض، وتشريف مسرحنا إلا أنني أؤمن أن عدم الفوز لا يعني الخسارة “. أحمد خوذي (رئيس لجنة التحكيم): الجمهور سيد الدورة واستعمال العربية كان مبالغا فيه أعتقد أن هذه الطبعة كانت غنية للغاية، بدليل 17 عرضا متنافسا على أفضل الألقاب، إلا أنه يبقى العدد كبير جدا، ثقيل بالنسبة لمسؤولية لجنة التحكيم. وعليه رأينا أن نطلب من الإدارة أن تفكر مليا في الطبعات المقبلة بتقليص العدد إلى عشرة، حتى يتسنى للجنة العمل بروية وثبات. صحيح، إن الأعمال اتسمت بالمسؤولية والجدية، وأظهرت جيلا صاعدا من الممثلين والممثلات، وهذا مؤشر إيجابي للخشبة الجزائرية، التي كثيرا ما اشتكت من غياب الخلف. أعتقد أن معهد برج الكيفان أظهر ثماره في الطلبة الذين برعوا في أعمالهم اليوم. كما أود الإشادة بالجمهور الذي لم يغادر القاعة طيلة المهرجان، وأريد أن تمنح له فرصة لقول كلمته في العروض، وأن تستحدث جائزة خاصة به. من جهة أخرى، سجلت شخصيا استعمال مبالغ فيه للغة العربية، أرجو أن يفكر أصحابها في الأمر حتى لا يدفعوا بالجمهور بعيدا عن المسرح. هشام كفرنة (عضو اللجنة): مساهمة المسارح الجهوية كبيرة في المهرجان "لأول مرة أحضر فيها مهرجان المحترف في الجزائر، وسمحت الفرصة لي الاطلاع على ما ينجز من مسرحيات في بلدكم، وأعتقد أنها أعمال ملفتة ومثيرة. خلال أدائي في اللجنة لاحظت عروضا مختلفة ومتنوعة، منها الكوميدي والتجريبي ومنها أعمال حاولت خرق المألوف، وأخرى كلاسيكية تقليدية. إلا أنها كانت جادة في ملامستها لقراءة عناصر العرض المسرحي. مشاركتي هذه المرة أيضا عرفتني بنشاط المسارح الجهوية الجزائرية، ومدى مساهمتها في الحركية المسرحية الوطنية".