طبعت تسعينيات القرن الماضي على /جدارية/ الرواية الجزائرية أثرا لن ينسى سواء عند كتابها أو حتى لدى جمهور القراء و يبدو أن الأثر /التسعيني/ لم ينحصر عند حدود الرواية على ما أعتقد بل كانت فترة مهدت لظهور أسماء أدبية شابة صعدت بصورة مفاجئة على ركح الكتابة في مرحلة إنحصر فيها المد /السبعيني/ بفعل التغييرات الإجتماعية و السياسية التي كان أغلب سماتها إفتتاح عهد التعددية السياسية و ما رافقتها من تعددية إعلامية نتج عنها بروز أكثر من منبر إعلامي مكتوب و هكذا وجدت النخبة الشابة المثقفة نفسها تتنفس هواء غير الذي تنفسه الثمانيني أو السبعيني زخم إنبهر بناره الكاتب الشاب جعل الكاتب السبعيني أو الثمانيني ينحصر بفعل الدهشة التي إنتابته و أرغمه على إعادة حساباته بعد إنكماش / الغيستابو الثقافي / الذي أرهق القوم منذ سنوات ·هذه البحبوحة المصبوغة بالفجاءة لم تدم طويلا و إنقلب الشريط البديع للوجه التسعيني ليؤول إلى أغنية حزينة كالتالي رددها لوركا قبل أن يغتاله الجمهوريين أثناء الحرب الأهلية الإسبانية ، إنكمش الوجه التسعيني و إكتسحه الألم كيف لا وهو الذي أصبح يرى وجه الموت كل صباح ، أصبح التسعيني مهزوزا و خائفا لم يعد يذيّل إبداعه بلقبه المكتوب على بطاقة التعريف أصبح مجرد حروف في مهب البارود و تشظي القنبلة لم يعد له بيت و لا عنوان مستقر لم يعد الطريق طريق و لا الهواء هواء و الوقت إنحصر فلا الليل ليل و لا النهار نهار، حظر التجوال على عقله فلم يعد يفكر إلا في شيء واحد فقط : كيف يبقى حيا يرزق···يظهر تمايز الكاتب التسعيني في تمترسه خلف الإسمنت عن الكاتب السبعيني أو الثمانيني الذي يفضل المقاهي الشعبية أو مقاهي المثقفين و أحيانا يتقاسم معه البارات ذات الإضاءة الخافتة و الكحول الذي يزيده إثارة و رومانسية كمحارب شرس خرج للتو غانما من معركة الإشتراكية في إحدى ثوراتها الثقافية المضفرة ، يخرج /التسعيني /لسانه للكاتب السبعيني و يهاجمه بعنف معلنا موت الأب و أنه بلا أستاذ لكنه ينهار على الطاولة و يحطمها صارخا /ليس لدي مشروع ، الموت يحاصرني ، لا أمل لا حياة لقد سقط الإتحاد السوفيتي و قامت حرب الخليج 3 أنا بلا مشروع/ و رغم هذا أعتقد أن الكاتب التسعيني في جوهره لا يختلف عن الكاتب السبعيني أو الستيني فقد كان وريث كل هؤلاء و يحمل جينات / الجزائري/ بشفافيته و اصالته و تأثره العميق بأزمة الوطن المفاجئة لقد جاءت كتابات التسعيني بسيطة هناك من أطلق عليها سمة / الإستعجالية/ بفعل التقنيات الروائية المستسهلة في تلقين الخطاب الروائي ، لكن شخصيا أظن أن الخطاب الروائي في تلك الفترة كاد ينهزم من الناحية التقنية لفرط هزاله من جهة و تكراره من جهة أخرى فقد أضحت سمة البطل / المثقف/ و المحيط / الدموي/ محور الأحداث حتى كادت الروايات تكون لا روايات فيها سوى هذين العاملين ، المثقف و الدم و تخندقت كل أشكال الحكي الممتع و الحبكة المتينة و المقاومة لمخيلتنا ليتأتي الدور على قتل / المخيال/ الجزائري فقد أصبحت الروايات تتكرر في موضة كرستها الحكاية الواحدة البطل فيها شخص نمطي / مثقف بالتأكيد، مثقف في مواجهة الموت كيف يدرأ عن نفسه الإغتيال حتى الشخصيات الثانوية غابت عن النص اللهم بعض الخيالات لشخصيات / لا ثانوية/ لا تسمن و لا تغني من حكي ·نفس الكلام ينطلي على التسعيني المهاجر،تسعيني الضفة الأخري الهارب، الذي كان ينتظر منه خطابا روائيا أكثر إستشرافية و أكثر أملا لكنه للأسف زاد الخطاب الروائي عتامة و بؤسا و تخاذل · الآن يواجه التسعيني أزمة من أصعب أزمات حياته فهو أولا ضاع قسط وفير من شبابه في درء الموت حتى ماتت نصوصه و لا يزال هو حي ، بدأ شعره يتساقط و اسنانه تسود بفعل نهمه للسيجار و القهوة و···و نما له كرش خفيف أصبح مذبذب بفعل المهدئات و لم يعد يستطيع المنافسة أمام أجيال جديدة تضع الجل على شعرها و لديها قائمة من المعجبين على الفيس بوك حتى أن فعل الكتابة خانه أمام غزراة ما يكتبه جيل اليوم ·بإختصار كل الظروف اصبحت في غير صالح التسعيني الذي يظل لحد اللحظة متماسكا و أصبح من الضروري أن يركن قليلا إلى الهدوء ليعيد ضبط حساباته و تصليح ساعته الطبيعية التي أفسدها الإرهاب أمام المد الروائي الجديد مد كان التسعيني بفعل تضحياته قد بدأه بإعلان شكل روائي جديد لا تهمنا تسميته /إستعجالي/ أو عاد لكنه أدب من صميم ما عاشه في زمن كان من المفروض أن يكون من أبهى مراحل شبيبته المفعمة التي أتى عليها الدم فجأة لكن ديدنه و لسان حاله يقول / إن ما عانيته و ما أحسست به /كتسعيني/ قد جدّد من كياني/ ·فالرواية الجزائرية اليوم في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى مقومات تنهض بالخطاب السردى إلى مستوى مرموق من الخطاب أمام إنحصار الطابع الإنهزامي و تراجع الإقتتال من ساحة الواقع و لغة الخطاب اليومي فالمعيش الجزائري عموما يكاد لا ينضب من وقائع تستحق أن تحكى و هو رهان الروائي الجزائري و دوره في تفجير مكنونات ما نعيشه و نحس به في زخم ما يحدث في هذا العالم الصغير·