الرئيس تبّون يشرف على مراسم أداء اليمين    اللواء سماعلي قائداً جديداً للقوات البريّة    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    تقليد المنتجات الصيدلانية مِحور ملتقى    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    أكثر من 500 مشاركاً في سباق الدرب 2024    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    فلاحة: التمور الجزائرية تصدر إلى أكثر من 90 دولة    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    عميد جامع الجزائر يستقبل رئيس جامعة شمال القوقاز الروسية    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الملفات التي تمس انشغالات المواطن أولوية    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    "صفعة قانونية وسياسية" للاحتلال المغربي وحلفائه    إحباط إدخال 4 قناطير من الكيف عبر الحدود مع المغرب    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرواية الجزائرية في مكابدتها للحادثة التاريخية من السبعينيات إلى التسعيني
نشر في الحوار يوم 07 - 10 - 2009

شاركت استراتيجية التغييب في صناعة الهوّة المفصلية التي عادةً ما كانت تفصل المثقف المُروَّض عن الوجه الآخر للجذور التاريخية التي يتشكل منها المجتمع الجزائري. و لذلك كانت كل القراءات التي حاولت أن تبرر هذه الهوّة قراءات ميكانيكية خاضعة لأيديولوجية المثقف و هو يذهب أبعد من السلطة في ممارسة سلطة تغييب هذا الوجه الآخر وعوض أن يحاول المثقف أن يجبر الكسر التاريخي بالعودة إلى القراءة الموضوعية للحادثة التاريخية المغيّبة، راح يشارك في إضافة المزيد من الغموض على التراكمات الاجتماعية الناجمة عن التطبيقات المستعجلة للنماذج الإيديولوجية المستوردة. سلطة السياسي على الثقافي
و لذلك ف''إننا نجد طوال فترة حكم الحزب الواحد تأطيرا للمجال الثقافي من طرف المجال السياسي، فالمثقف الجزائري عموما ظل تابعا للسياسي، و هو في أحسن الأحوال شريك غير متكافئ. ومن هنا كان لزاما على المثقف في مثل هذه الحالة أن ينتج خطابات تبرر وتعطي مشروعيّة لاختيارات رجل السياسة. فنحن نجد الكثير من الروايات التي كتبت في فترة السبعينات مثلا تناولت موضوع الثورة الزراعية و تأميم المحروقات، ليس بصفة نقدية أو انتقادية وإنما بطريقة تمجيدية تبريرية.
ولعل هذا ما نجده في رواية (الزلزال) التي كتبها الطاهر وطار أساسا ''للتعبير عن التحولات الزراعية التي حدثت في الجزائر خلال سنوات السبعينات، و لا تغفل في الوقت نفسه بوساطة ارتدادات بولرواح الإشارة إلى واقع العمل الفلاحي في الجزائر في الناحية التاريخية و السبل غير المشروعة التي استحوذ بها الإقطاعيون الجزائريون على الأراضي الفلاحية. و نجد الأمر نفسه في رواية ( ما تبقى من سيرة لخضر حمروش) للأعرج واسيني التي ''تصور هذه الإقطاعية و إلى جانبها البيروقراطية المعارضة، في وقوفها ضد الثورة الزراعية دفاعا عن مواقعها و مصالحها''(16).
صلة المثقف التوري بالاليات السلطة
و لا يهمّنا- نظرا لتقادم الإشكالية، و انتقال العديد من الروائيين من سلم المثقفين الثوريين إلى سلم مثقفي البورجوازية الصغيرة الذين أنتجتهم سلطة المرحلة- موقفُ الروائيين من الإقطاع و الاستغلال و البيروقراطية التي وَجدَتْ في غير اتجاهٍ أيديولوجيٍّ من يعبّر عن رفض قاطعٍ لأساساتها المصلحية المتحالفة مع المسارات التغريبية للمجتمع الجزائري. و هو رفض تسعيني يخالف الرؤية الأيديولوجية للمرحلة السبعينية الأحادية، و يستمد جذوره من مراحل أكثرَ قِدما في التاريخ المعاصر للدولة الوطنية. بل إن ما يهمّنا هو مدى الصّلة الجوهرية التي كانت تربط المثقف الثوري في جزائر ما بعد الاستقلال ، بالآليات الأيديولوجية التي كانت السلطة تنتجها في تلك المرحلة، . ف''كلتا الروايتين تنطلق من موقف السلطة و مؤيدة لها، فقرار الثورة الزراعية هو قرار السلطة، و بالذات قرار الرئيس الراحل هواري بومدين الذي كان يُتّهم أحياناً- و بسبب إخلاصه في الاتجاه الاشتراكي- حتى بالشيوعية''(17).
ومن هنا نجد أن الأيديولوجية المسيطرة على مستوى الفعل السياسي منذ تحقيق الاستقلال الوطني، كانت ساعيةً إلى بناء مصنع لصناعة البطل الروائي من خلال توظيف أدوات الإنتاج الثقافية (التي من ضمنها جموع الروائيين السبعينيين)، ينتجون المتخيل السردي وفق المقاسات الأيديولوجية التي تحتاجها سلطة المرحلة، يملئون الفراغات، و يصنعون أبطالا يتخفّون من ورائهم، و يحاولون بهم و من خلالهم جبر الكسر المتكرر في المسار العام للحادثة التاريخية، مع ضمان السلطة لمساحة النقد المقنّنة التي تعطي للمثقف حقّ الإدعاء بأنه كان سابقا في التنبؤ بالكسر، سبّاقا في محاولة التنبيه إلى إمكانية حدوث تبعاته الحتمية .
نقد المشروعية الأدبية
ولذلك،''فإن مدوّنة نصوص روائية جزائرية خصوصا بعد نشر(المؤذن) لمراد بوربون، و (التطليق) لبوجدرة و(اللاز) لوطار و (النهر المحوّل) لميموني، ابتداءا من 67 حتى الثمانين، تشير إلى نقد المشروعية الأدبية و الإيديولوجية من طرف النص، وكشف تناقضات هذه الإيديولوجية البطولية الوطنية البائدة أو التقليدية السلفية الماضوية.
غير أن هذا الكشف لتناقضات السلطة لم يكن كشفاً موجهاً لممارساتها فحسب، و إنما كان كشفاً لتناقضات الأبعاد الإيديولوجية و الثقافية التي شارك الروائي في تبرير وجودها و صيرورتها من خلال لعب دور الوسيط الضروري العابر لمسافة التناقضات الفاصلة بين طموحات السلطة السياسية المرحلية و هي تحاول أن تُطيل من عمر قناعاتها الأيديولوجية، وبين الزخم التاريخي المأسور في بوتقة الحراك الاجتماعي المستعد بصورة غير منتظمة للانقضاض على الحادثة التاريخية من أجل إعادة تشكيلها تشكيلا مغايرا. و لعل دور المثقف، و الروائي خاصة - لأنه أوكل لنفسه مهمة إعادة قراءة التاريخ من وجهة نظر ممتعة-، لم يتعدّ ،حتى في حالات التناقض الصارخة بينه و بين سلطة المرحلة ، الدور الموكل إليه، و هو دور الموظف الإيديولوجي الساعي إلى ملء الفراغات الفاصلة بين قراءتين متباينتين لتاريخ الدولة الوطنية: قراءة مغيبة بطريقة عمدية للرواية الحقيقية لهذا التاريخ، و قراءة حاضرة هي القراءة الرسمية المعروفة.
و لعل المثقف قد وجد ضالته في القراءة الثانية لأنها الأقرب إليه إيديولوجيا. وهي تساعده على لعب الدور المنوط به ضمن المشروع العام للدولة الوطنية من خلال تأخير البحث عن إجابات حقيقية لمجمل المساءلات الجوهرية المطروحة في الساحة، و التي أساسها إحداثيات القراءة المغيّبة.'' و لعل تأخر بلورة الإجابة عن هذه المساءلات الجوهرية، يكشف انتصار الديماغوجية كمشروعٍ وحيدٍ قادرٍ على التغطية النظرية للتلفيقية كممارسة واقعية من جهة، و على توحيد جميع أنواع الديماغوجيات تحت خطاب واحد (Discours unique) بحيث يلتقي الفلسفي بالسياسي و السلطوي بالأديب في إطار واحد تحمله المواثيق الرسمية.
المثقف السبعيني و القراءة المغيّبة:
ويتجلى دور المثقف وهو يقوم باعتماد القراءة الثانية في رؤيته المشيّئة للحادثة التاريخية - على الرغم من تأثير تمفصلاتها السياسية على تمظهرات المشروع الآني للدولة الوطنية-، في انزياح مجمل الأطروحات الفكرية التي يحملها عن هذه الحادثة في تقادم زمنيتها، و عن المصير الحتمي و المتسارع الذي كان يقودها إلى الاستيلاء على الفضاء التخييلي الآني على مستوى الواقع و على مستوى السرد. ذلك '' أن التطور الهادئ نسبيا و المتعادل الذي كان قد عرفه المجتمع البورجوازي في الماضي، أصبح متسارعا في القرن العشرين، بشكل فاجع و مُخيف، فقد شعرت جميع أشكال الأيديولوجية و جميع أشكال الوعي بصورة خاصة، بالصفة الفاجعة للتطور التاريخي''.
وسيجد الروائي المثقف فرصة لمحاولة السكن الأيديولوجي في الفارق الزمني بين تقادمية القراءة المغيّبة و استعجالية القراءة الآنية، لأن هذا الفارق هو المساحة الضرورية الوحيدة التي تتيحها سلطة الإيديولوجيا للروائي. و هي مساحة مُتعمّدة يعتقد المثقف أنها الكفيلة بضمان حضوره بوصفه فاعلا في المجتمع عن طريق النقاش السجالي بين أبناء الجيل الواحد ممن يعتمدون القراءتين السابقتين، أو من أبناء الجيلين ممن يعتمدون القراءة الواحدة و لكن بفروقات تفسيرية تعتمد على سياسة التموقع داخل الدور العام الذي كانت تحدده سلطة الإيديولوجيا للمثقف. و ذلك من خلال'' تحييد المثقف عن دوره الحقيقي من صلب المعركة الحقيقية للحداثة إلى وِجهة تهتم بمشاغل أخرى. وذلك عن طريق برمجة المعارك الجانبية التي تتيح للسلطة السياسية إخفاء إخفاقاتها على المستوى الاجتماعي من جهة، و تهيئ المثقف للمعارك المقبلة، و التي نتيجة لهذه الإخفاقات''
و يتجلّى ذلك من خلال النقاش السجالي الذي سرعان ما طفا على السطح لمجرد زيادة سلطة الإيديولوجيا لهامش النقد و حرية التعامل المتحفظ مع بعض الأفكار في القراءة المُغيّبة لدى المثقفين ابتداءا من منتصف الثمانينيات. و هذا ما نراه من خلال السجال الذي جرى في بداية التسعينيات بين الروائي رشيد بوجدرة من جهة،و بين الراوئي عمار بلحسن من جهة ثانية على صفحات الجرائد و الذي شارك فيه الإخوة الفرقاء في كل فريق، و عبروا من خلاله عن تموقعاتهم الخلافية المبنية على الحسابات السياسوية المصلحية. كما أن موضوع السجال لم يكن غير الحادثة التاريخية المتقادمة و محاولة تفسيرها وفق المتطلبات المرحلية.
وتتمثل هذه الحادثة في إعادة قراءة المواقف السياسية للأمير عبد القادر بالمنظور المرحلي الخاص بإيديولوجية كل روائي(**). كما تجلى ذلك كذلك، من خلال النقاش السجالي الذي جرى بين الطاهر وطار و واسيني الأعرج من جهة ، و بين الطاهر وطار و رشيد بوجدرة من جهة ثانية اثناء فترة التسعينيات و الذي لا يزال صداه مستمرا إلى الآن. و هو نقاش عادة ما يخفي مقدار الهّوة المصلحية التي أصبحت تفرق ليس بين جيلين يحملان المواقف الأيديولوجية نفسها فحسب، و لكن بين مثقفي جيل واحد يحمل المواقف الإيديولوجية نفسها و يريد كل منهما أن يجد له مكانا متميزا داخل المنظومة الثقافية التي تحاول قراءة التاريخ من وجهات نظر متباينة.
و لم يزل هذا الكسر التاريخي، منذ (الدار الكبيرة) (La Grande Maison) (22) لمحمد ديب يُعطّل النموَّ الطبيعي للبطل الروائي، مرورا ب(النهر المُحوّل لرشيد ميموني، و انتهاءً بتلاشي معالمه التكوينية من خلال العودة إلى البطل الجاهز المستعار من الحادثة التاريخية القديمة استعارةً تحاول إعادة قراءة ما تكتمت عنه الأزمنة قراءةً أُحادية التصوّر، كما هو الحال في رواية (كتاب الأمير) للأعرج واسيني، أو رواية (الرحيل إلى أروى) لمحمد حيدار. و لعل هذا ما حدا ب(محمد ديب) إلى الابتعاد عن ملامح الكتابة الواقعية التي كان يستمد منها قوته في (الثلاثية) بمجرد الدخول في مرحلة جديدة من الكتابة طبعت العديد من أعماله التي طبعها في فترة ما بعد الاستقلال (26).
و لعل المسافة الفاصلة بين (الدار الكبيرة ) و (كتاب الأمير)، هي نفسها المسافة التي يحاول فيها الروائي الجزائري أن يعيد الإحداثيات نفسها التي شكلت أساس الحراك الاجتماعي في الموروث السردي الجزائري. و لكنها شكلت قبل ذلك، و لا زالت تشكل العقدة الأساسية في مسار البناء الوطني.
وذلك، إما من خلال القراءة الاستشرافية للحادثة التاريخية عن طريق توظيف البطل ذي المسار المستقبلي كما هو الحال في العديد من الروايات، و من بينها (اللاز) للطاهر وطار أو (ريح الجنوب) لعبد الحميد بن هدوقة أو غيرهما كثير، في فترة تاريخية يسميها عبد القادر جغلول ب'' عصر الارتباك''و إما من خلال القراءة الاسترجاعية للحادثة التاريخية القديمة عن طريق توظيف الشخصيات الواقعية كما هو الحال عند الأعرج واسيني عندما يوظف شخصية الأمير عبد القادر الجزائري الغنية عن التعريف في روايته السالفة الذكر (كتاب الأمير)، أو عند محمد حيدار عندما يوظف شخصية أروى في رواية ( الرحيل إلى أروى) ، و هي كريمة الإمام عبد الرحمن بن رستم مؤسس الدولة الرستمية في تاهرت خلال النصف الأول من القرن الثاني الهجري، و التي امتدت إلى أواخر القرن الثالث الهجري.
ثمة مفارقة جوهرية بين القراءة الاستشرافية و بين القراءة الاسترجاعية، من حيث أنهما يحاولان معا الاستيلاء على الحادثة التاريخية: إما من خلال إعادة تشكيل التاريخ الآني تشكيلا سرديا ، يتخلّى فيه الروائي عن أهم مكوّنات التاريخ المستمدة من دينامية التناقض التي يفرزها المجتمع، و ذلك عن طريق الإلغاء القصري لكل الأبعاد المُشكِّلة لهذا التناقض نظرا لعدم اكتمال العناصر الجوهرية المتخفية للحادثة التاريخية في وعي الروائي المثقف، و إما عن طريق محاولة فهم الحادثة الآنية من خلال العودة إلى مكوناتها الموغلة في القدم، و التي عادة ما كانت محلاًّ لهذا الإلغاء.
و يبدو أن الروائي بدأ ينتبه إلى أن مجمل التوعكات و التشنّجات التي حاول توظيفها عن طريق القراءة الاستشرافية الآنية، تجد لها أبعاداً ضاربة في عمق التاريخ الوطني المطروح جانباً، و المُستغل بطريقة ميكانيكية في تعميق الكسر التاريخي الذي يريد الروائي جبره -من دون جدوى- في مجمل النصوص التي تشكل الموروث السردي لجزائر ما بعد الاستقلال.
ولعله لهذا السبب بدأ يدرك أن ما حاول تمريره عن طريق التلقيم الإيديولوجي الصارخ للنصوص السردية ، لم يكن في حقيقة الأمر سوى تلك الصورة التي يريد هو وحده فرضها على الخطاب السردي القائم مقام الخطاب التاريخي المملوء بالتشنّجات التي لا يمكن للروائي أن يجد تفسيرا مقنعا لها، إلا بالعودة إلى القراءة الاسترجاعية للتاريخ، أي البحث عن العناصر المتخفية في القراءة المغيّبة.
الإبداع وإعادة تشكيل الحادثة التاريخية
ومن هنا، فإن الخلط المبدئي بين إعادة تشكيل الحادثة التاريخية عن طريق الإبداع، والتأريخ لهذه الحادثة، يبدو ظاهراً ظهوراً جليًّا في العديد من الروايات، من دون أن يستطيع الروائي تحقيق شرط التجاوز الذي من المفروض أن تطرحه رؤية الكاتب أثناء تعامله مع الحادثة التاريخية. و ذلك أن'' التاريخ هو مستوى من مستويات الخطاب الروائي، أي أن النص هو نتاج جمالي لمرحلة متحققة واقعيا، و هذه العلاقة الترابطية بين نصيّة النص و تأريخية التاريخ، تتحدد ضمن إطار معرفي رؤيوي، أي أن الروائي في بناء الخطاب الروائي، يموضع التاريخ ضمن السياقات الجمالية المرتبطة أساسا بالرؤية/التاريخ، التي تخلق علائق جديدة بين الحدث التاريخي ورؤية النص'' وعلى الرغم من أن''الماضي الملحمي سمة مميزة للرواية''وهو''بدلا من أن يدلل على الزمن الحقيقي أو يصف المواقف و كأنها حدثت في الماضي فإنه يشير إليها كرواية، إلا أن العودة إلى التاريخ، بإمكانها أن تُفسّر على أنها محاولة للانفصال عن طرائق قراءةٍ ما لهذا التاريخ سادت لفترة طويلة، و لم تترك للروائي حتى السبب يشعر العديد من الروائيين بالتقصير تجاه الحادثة التاريخية -خاصة في قراءتها المغيبة-، لأنهم اقتنعوا في مرحلة متأخرة أن '' التاريخ الوطني المكتوب لا يوفر في الأغلب الأعم إلا صيغة سهلة و متداولة و ربما مستهلكة عن هذا التاريخ. و كان لابد من البحث في التاريخ الجانبي الذي كتبه الصديق و العدو معا لإيجاد اللحظة الروائية التي أدت إلى الانفجارات المتلاحقة و عصفت فيما بعد بإيجابيات الثورة''..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.