حين ترجمَ مارون النقاش نصوص عروضه المسرحية عن الفرنسية والإيطالية، هل قدمها بالفصحى أم.. بالعامية اللبنانية، ومثلُهُ.. يعقوب صنّوع في مصر؟! أمّا المسرح الغنائي الذي أرساه أبو خليل القباني في دمشق، وهاجر به إلى القاهرة بعد إحراقِ مسرحه، فكان مزيجا من الفُصحى في الحوار ومن العامية في الأغنيات، بينما كانت مسرح سيد درويش بالعامية المصرية في أغلب نصوصه. بعد الرواد لمسرحنا العربي هؤلاء، حاول بعض الشعراء الكتابة للمسرح شعرا.. ومنهم أحمد شوقي، فلم يُفلحوا كثيرا لأن الرطانة اللغوية باتت عبئا على الدراما المسرحية ذاتها، بالإضافة إلى الموضوعاتِ التي تنهلُ من التراث والتاريخ العربي عبر الخطابة ونوستالجيا التاريخ التليد، ثم وقعت الكتابة النثرية للمسرح العربي في الخطابية السردية ذاتها، أو.. في الذهنية التي تجلت عبر حوارات مسرحية للأفكار وليس للأرواح وأجسادها على الركح، كمسرح توفيق الحكيم الذي لم تُجسد أغلب نصوصه على الركح. ولأن اللغة ليست في القواميس فحَسبُ، وإنما هي لغة الحياة اليومية، بما.. فيها السياسي والاجتماعي، لم تتحرر اللغة المسرحية العربية من رطانتها سوى بعد صدمة كبرى مثل نكسة عام 1976، لكنها.. بقيت تحت عَبَاءة الفُصحى، حتى تهاوى المد القومي بأحزابه وانقلاباته العسكرية في العقل الجمعيِّ للناس، وانحسر كل بلد عربي داخل حدوده، فصرنا نشاهد مسرحا بلهجة كلِّ بلد، حتى صارت العاميات لغة مسرحية سائدة في عروضنا المسرحية. الاستثناء الوحيد في العاميَّات المُعَولَم عربيا.. هو العامية المصرية بفضل ريادة مصر في الغناء والسينما وفي الدراما التلفزيونية، ثمّ انتشرت لهجات غيرها.. بفضل القنوات الفضائية والمسلسلات الرمضانية ومنها اللهجة السورية، الدمشقية خصوصا، وانتقلت عدوى العاميات إلى العروض المسرحية. لست ضد استخدام اللهجات في المسرح، ولست مهووسا قوميا/ أو.. إسلاميا لأدعوا إلى الفُصحى وحدها في اللغة المسرحية، ولكني في كل المهرجانات المسرحية أعاني أشد المعاناة في التواصل كمشرقي مع عرض مغاربي، كما يعاني المغاربة مع العاميات في العروض المسرحية المشرقية. المسرح من أقدم فنون التواصل مع الناس، ولهذا أدعوا المسرحيين العرب.. جميعهُم إلى لغة ثالثة أقربَ قليلا إلى العربية الفصحى وأبعدَ قليلا عن الإغراق في اللهجات المحلية. بل.. لقد ذهبت اللغة المسرحية العربية الراهنة إلى الإغراق في لهجاتٍ مناطقية قد يحتاج ابنُ الوطنِ ذاتُهُ.. إلى مُترجم فوري لها، فكيف بي.. أنا الشامي حين يختلط ما تبقى من العربية الفصحى بالعامية الغارقة في عاميتها وبالفرنسية أيضا؛ أو بالإنجليزية.. كما لو أنك تخلط الماء بالزيت، ثم تحاول إقناعي بأن المزيج.. لغة مسرحية مليئة بالطاقة والحيوية، في الوقت الذي لا أستطيع فهمها أو التواصل معها، حتى لو استعنتُ بصديقٍ كما في برنامج: من يربح المليون.. في نسخته الصينية!!