ما يزال المسرح يشكل أهمية اجتماعية كبرى باعتباره ترجمانا لواقع المجتمعات ومرآتها التي تعكس خبراتها وتجاربها وموروثاتها، لأن المسرح كغيره من الأعمدة التي تتكئ عليها الأمم وتجعله مضخة لثقافتها، ومن خلاله تحدد موقع اقدامها لفحص الماضي وتمحيصه واستثمار ما يمكن استمثاره وتوظيفه من أجل اثرائه وتجديده حتى يتماشى ومتطلبات الراهن، ومن أهم ركائز المسرح اللغة التي من خلالها تنقل هذه المشاهد، لأن المسرح لغات تعبيرية وذات مستويات ومنها لغة الابداع. الترجمة، الاقتباس لأن المسرح هو المجتمع بكل طبقاته وشرائحه ومستوياته ولهذا خصص المجلس الأعلى للغة العربية مائدة مستديرة لمنبر حوار الأفكار وأصدر أهم ما جاء فيها في سلسلته "دفاترالمجلس".
المائدة المستديرة التي صدرت في سلسلته »دفاتر المجلس« تحت عنوان »لغة المسرح في الجزائر: الإبداع، الترجمة الإقتباس«، شارك فيها كل من الدكتور نور الدين عمرون من المعهد العالي لمهن العرض، برج الكيفان، بمداخلة عنوانها »اللغة العربية واستعمالاتها في المسرح الجزائري« متسائلا في موضوعه هذا هل اللغة العربية استطاعت ان تعبر بطريقة الحوار الدرامي ومتطالباته؟ من خلال »القوال، المداح والراوي«، وكانت المداخلة استعراض تاريخي في المسرح العربي بصفة شاملة قبل وبعد الاسلام ليرسو بها الى راهن المسرح الجزائري وكيف استثمر المسرح في المشرق العربي والابداعات المسرحية الفرنسية التي من خلالهما: »جعلت نخبة من المجتمع الجزائري تتحمل مسؤولياتها التاريخية وانطلقت في الابداع بالكتابة المسرحية باللغة العربية في الجزائر، حيث بدأها محمد العيد آل خليفة بمسرحيته الدرامية الشعرية »بلال« وتبعه المؤلف أحمد مدني بمسرحية »حنبعل« وعبد الرحمان ماضوي بمسرحية »يوغورطا« بلغة عربية فصيحة وعميقة..«، كما تناول المتدخل موضوع الترجمة المسرحية. أما المشارك الثاني في هذه المائدة المستديرة فهو الاستاذ ابراهيم جديدي مخرج بالإذاعة الوطنية وقد تطرق هو أيضا للمحطات التاريخية التي مرت عليها الدراما باعتبارها الفن الذي يترجم اعمال الانسان وينقله ولهذا كان المسرح الكتاب المفتوح الصائب المتحرك الذي تتماثل على خشبته الأطياف الإنسانية لاستحضار الماضي أولنقد الحاضر أولاستشفاف المستقبل وهكذا ركز المدخل همه على الكتابة الدرامية. المشارك الثالث وهو الأستاذ ميسوم لعروسي من المعهد العالي لتكوين اطارات الشباب بتقصراين الجزائر العاصمة، وانصب بحثه في »قراءة أولية للأعمال المسرحية المنجزة في تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007 من حيث اللغة« مستندا على استبيانات حول الأعمال المسرحية المقدمة واللغات التي توزعت عليها، فمن 47 مسريحة قدمت 11 مسريحة باللغة العربية الفصيحة وبالعامية 34 مسرحية، وباللغة الأمازيغية 2. أما من حيث الإبداع ف 27 مسرحية، والمترجمة 06 مسرحيات والمقتبسة 14 مسرحية. أما المتدخل الرابع في هذه المائدة المسرحية فهو الأستاذ بلقاسم نويشي من المعهد العالي لتكوين اطارات الشباب بتقصراين وكان موضوع مداخلته »المسرح وعلاقته بالترجمة والاقتباس«، وقد نشط هذه المائدة التي احتضنها المعهد العالي لتكوين اطارات الشباب بتقصراين الأستاذ عثمان بدري. وسجل الدفتر رقم 28 من سلسلة منشورات الجيب »منبر حوار الافكار« الخاص بلغة المسرح كلمة الدكتور محمد العربي ولد خليفة رئيس المجلس الأعلى للغة العربية والتي تناول فيها نشأة المسرح الحديث في أحضان الحركة الوطنية، استخدام اللغة العربية الفصحى في تلك الفترة، اقتباس بعض المسرحيات نصوصها من التراث العربي الاسلامي، المسرح أثناء الثورة، ثم قدم الدكتور ولد خليفة مقترحات من أجل توصيل الأفكار وبالخصوص المسرح عن طريق التلفزيون والإذاعة في تقديم مسرحيات وبثها. لغة المسرح في الجزائر الابداع، الترجمة، الاقتباس يعد من بين الدفاتر ذات الأهمية الكبيرة التي انجزها المجلس الأعلى للغة العربية في تسليطه الضوء على لغة المسرح، والمسرح الجزائري والراهن، فالدفتر يعد رافدا يستفيد منه الطالب لمعرفة المسرح الجزائري والمراحل التي عبر منها الى استكمال هيكلة الوطن الابداعي.