في أول حوار له مع صحيفة وطنية منذ عودته على رأس القطاع، يكشف عبد المجيد تبون في حوار ثري بالجديد، مع “الجزائر نيوز"، أهم ما سيعرفه القطاع من تحولات وأشياء أخرى بالغة الأهمية، اكتشفوها معنا.. سمعنا كثيرا عن القرارات الجديدة التي اتخذتها وزارة السكن، لكن تفاصيل الاستراتيجية المعتمدة لتقويض الأزمة تبقى غير معلومة بالنسبة للكثيرين، ففي ماذا تتلخص محاورها؟ الاستراتيجية تتلخص في جبهتين، الأولى تخص طبعا برنامج فخامة رئيس الجمهورية وهو البرنامج الأساس، كونه منبع الأمل بالنسبة لعموم الناس، ومقارنة بما تبقى من هذا الخماسي، فنحن حاليا في نصف الطريق. إمكانيات الجزائر وأدوات الإنجاز الوطنية لا تستجيب حاليا للأهداف المسطرة، فأغلبها لا تتجاوز طاقة إنجازها 80 ألف سكن سنويا، بينما حاجتنا من السكن للقضاء على الأزمة هو 200 ألف سكن سنويا، حتى نقضي على الأزمة في السنتين المقبلتين، ولهذا ركزنا في استراتيجيتنا على إدماج طاقات أخرى تعزز إمكانياتنا الوطنية، ومنها شركاء برتغاليين وإسبان، وهنا أود أن أشير إلى أن الأسعار التي سيتم اعتمادها حتى بخبرات أجنبية ستكون معقولة عكس ما يتم تصويره للرأي العام، والأسعار سيُعلن عنها لاحقا. فلتدارك العجز الحاصل عندنا على مستوى الإنجاز، لجأنا للخبرة الأجنبية. أما الجبهة الثانية فتتمثل في عصرنة السكن.. وهذا ما ورد مثلا في الاتفاق مع البرتغاليين الأسبوع الماضي، حيث تضمن نقلا فوريا للتكنولوجيا الجديدة المعتمد في إنجاز السكنات، إذ بمجرد خلق المؤسسات المختلطة ستشهد الشراكة تحويلا للمصانع التي تنجز السكنات، وهو المستوى الذي وصلت إليه دول أوربية، إذ لم يعد هناك مجال للحديث عن إنجاز بل صناعة السكنات، وهذا له علاقة بالتكنولوجيا المعتمدة، مقابل انعدامها بالجزائر لدى مؤسساتنا ماعدا مؤسسة أو مؤسستين وأقصاها أربعة، وحتى بتلك القدرات المتوفرة عند هذه المؤسسات، فطاقة الإنجاز رغم تطور الإمكانات لا تتجاوز ألف أو ألفي سكن على الأكثر. البلد - للأسف - تأخر كثيرا في تعزيز قدرات الإنجاز وتطوير الوسائل الوطنية، وسبق وأن تحدثت بصراحة مع المقاولين في اجتماع خصصته لهم، إذ لم يعد هناك اليوم أي مجال لإنجاز سكنات بوسائل بدائية، إذ يتم نقل مواد البناء إلى طوابق عالية بالدلاء والحبال، وهذه مضيعة حقيقية للوقت، بينما تستطيع المقاولات اقتناء مضخات للإسمنت المسلح وخلاطات توفر الجهد والزمن. أوربيا، هذه المسائل تم تجاوزها منذ 15 أو 20 سنة، ونحن لازلنا في مراحل بدائية. من الاستراتيجية أيضا إنشاء طاقات وكفاءات وطنية تستطيع إنجاز ما بين 100 و120 ألف سكن سنويا، نكون قد بدأنا نرى النور الذي ينبئ بقرب الخروج من نفق الأزمة. لكن عدديا سيدي الوزير، كم تعتقدون أنكم منجزون من سكنات في السنتين المقبلتين؟ نحن على استعداد لإنجاز أقصى ما أمكننا وفق الاتفاقيات التي ستبرم مع مؤسسات الإنجاز، إذ ستكون الإطار الوحيد الذي سيحدد العدد، فمثلا البرتغاليون سينجزون حدا أدنى يقدر ب 50 ألف مسكن، وقد يضاعف مرتين أو ثلاثة حسب وتيرة العمل في الميدان وإمكانيات الإنجاز، وأشير هنا إلى أن المؤسسات البرتغالية التي قدمت في وفد مع الوزير البرتغالي الأسبوع الماضي، لكل واحدة منها طاقة إنجاز تقدر ب 100 ألف سكن سنويا، بقي بالنسبة لنا اختبار مدى استعداد مؤسساتنا الوطنية والخاصة التي ستقيم شراكة معهم، لاستيعاب التكنولوجيا والاندماج في نسق ووتيرة عمل البرتغاليين. تتحدثون عن شراكة في إنجاز البرامج، بينما القطاع الخاص، حسب رئيس الكنفدرالية العامة للمتعاملين الاقتصاديين الجزائريين، يوسف يوسفي، مؤخرا، يطالب بحد أقصى من البرنامج الوطني للسكن يقدر بنسبة 25 بالمائة، هل يسمح لكم هذا التصريح بتكوين فكرة عن مدى استعداد المؤسسات الجزائرية لمجاراة الأوربيين في مجال الإنجاز؟ ربما المسألة هذه تحتاج إلى توضيح، فهنا المقصود ليس 25 بالمائة من البرنامج الوطني للسكن، وإنما الامتياز الذي يمكن أن تحصل عليه الشركات الوطنية والخاصة كزيادة في المشاريع. بالنسبة للسياسة القطاعية الأمر واضح، وكنت قد قسمت بأغلظ الإيمان أمام المقاولين أنه إذا كانت وسائل الإنجاز الوطنية بشقيها العمومي والخاص على أتم الاستعداد لإنجاز البرنامج كلية، فلا مجال لأن يشارك أي أجنبي فيه، فجلب الخبرة الأجنبية لا يجب أن يُنظر إليه ككماليات، بل أمر واقع، وسبق وقلت لك طاقة الإنجاز الجزائرية. اليوم لا يوجد في الجزائر أكثر من 400 مؤسسة إنجاز مصنفة ما بين الدرجة 5 و9 ومن بين كل هذا العدد لا يوجد 50 مؤسسة في الجزائر تمتلك وسائل بناء عصرية مطابقة للمقاييس والمعايير الدولية أو الأوربية فقط. ولكن ألا ترى سيدي الوزير أن الإشكال في الجزائر لم يعد على مستوى كمية الإنجاز بل في طريقة توزيع السكنات، الجميع يقر بكثافة المشاريع، والجميع يندد ويطعن في الجهات التي تستفيد منها؟ حتى لا أكون مجحفا في حق السلطات التي تتكفل بالتوزيع، يجب أن نعترف حقيقة بوجود ثغرات اليوم في توزيع السكنات، وما ضاعف من سلبيتها هو الضغط الشديد والحاجة الماسة للسكن بين الناس، لهذا اتخذنا قرارا لتنظيم هذا المجال، وأنا شخصيا لا أؤمن بتوزيع عادل دون بطاقية وطنية. تقصد أن ما كان يُقال عن وجود بطاقية وطنية للسكن غير واقعي؟ ليس لنا بطاقية وطنية للسكن بل هناك بطاقية جزئية، فمنذ ثلاث أو أربع سنوات توجد بطاقية جزئية تتعلق بالوزارة، معناه بطاقية مزودة بمعلومات من طرف الدواوين ووكالة “عدل" والصندوق الوطني للسكن و«بس".. بينما البطاقية الحقيقية يجب أن تكون شاملة لكافة السكنات الموزعة بكل صيغها وهي معلومات تتزود بها البطاقية من كل جهة لها سلطة التوزيع بالتنسيق مع مؤسسات الإنجاز، ونحن بصدد إتمامها. المفروض أنه من يتحصل على سكن أو مساعدة للسكن في أية ولاية وتحت أية صيغة كانت يجب أن يظهر أثره في البطاقية الوطنية، وحتى المستفيدين من الأراضي، التي باعتها البلديات سابقا أو من أية جهات أخرى أو حتى المستفيدين في إطار التعاونيات المنجزة والمتحصلين على رخص البناء ينبغي أن يكونوا مسجلين على البطاقية الوطنية، وهذا التنظيم غير موجود حاليا. البطاقية الوطنية أداة هامة لتقويض أزمة السكن، إذ بمجرد أن تدخل فيها أسماء وهويات معينة ترفض الملف آليا، وتعطي حق الطعن للمواطن ليثبت عكس ذلك بالوثائق والأدلة، رغم أننا سنأخذ كل التدابير والاحتياطات حتى لا نخطئ في حقيقة أملاك الأشخاص، فمن شأن البطاقية أن تغربل وتصفي كثير من الملفات وتمنح لنا رقم الطلب الحقيقي للسكن في الجزائر. هل انعدام البطاقية الوطنية في الجزائر هي من نتائج التحقيقات التي أمرتم بها حول حظيرة السكن لدى مجيئكم للوزارة؟ اللجنة الوزارية لإحصاء الحظيرة الوطنية من السكن أمر آخر سأتحدث عنه لا حقا، ولكن أريد أن أوضح في هذا الباب كيفية عمل البطاقية الخاصة بالسكن حاليا ما دامت الفرصة سانحة.. المعلومات الموجودة بها تأتي من الدوائر التي قامت بتوزيع السكنات، فرؤساء الدوائر يملكون بطاقيات سكنية نسبية، ولكن ما يجب أن نلفت إليه هنا فمن لم يتحصل على سكن في دائرة “أ" يمكن أن يكون قد تحصل عليه في دائرة “ب"، خاصة لما نعلم أن البطاقية بين الدوائر ليست ممركزة ولا موحدة على المستوى الوطني. وماذا عن بطاقية الصندوق الوطني للسكن؟ بطاقية الصندوق تخص فقط الأشخاص الذين سبق لهم وأن تحصلوا على مساعدات الصندوق في إطار السكنات الريفية أو الصيغة السابقة للسكن الاجتماعي التساهمي أو السكن الترقوي المدعم الذي حل محل الصيغة السالفة.. هناك الكثير من الأشخاص اشتروا أراضي من البلديات، وهذه الفئة لا نملك أي معلومة عنها، ومن اشتروا سكنات عن المقاولين الخواص في وقت مضى دون تدخل من السلطات هم أيضا لا نملك معلومات عنهم، وأصحاب التعاونيات المهنية كسونلغاز وشركات أخرى، لا توجد أسماؤهم على أية بطاقية، وبالتالي عندما ندوّن كل هذه الفئات ونسجل أملاكها في البطاقية الوطنية يظهر الطلب الحقيقي للسكن في الجزائر، ويصبح كل شخص استفاد مرة من سكن أو دعم مهما كان نوعه لا يحق له الاستفادة مرة أخرى، ولهذا ترى أنه فور إعلان قوائم المستفيدين تنزل طعون المواطنين في أشخاص يؤكدون أنهم سبق وأن استفادوا. من جهة مقابلة، لا يمكننا أن نفرض على المواطن تقديم أدلة تدين بعض المستفيدين الغشاشين من السكنات، فهذا دورنا نحن كدولة. البطاقية تسمح لنا بعدالة في التوزيع، بالإضافة للخطة المتبناة مع الوزير الأول الخاصة بمنح وثائق رسمية لحيازة السكن الاجتماعي عبارة عن التزامات إدارية تحدد مميزات ومواقع السكنات لأصحابها فور الوصول إلى 70 بالمائة من نسبة إنجازها، بينما يتحصل على عقد الكراء النهائي فور الانتهاء من البناء.. وهذا ما نصبوا له من أجل تحقيق عدالة في التوزيع. لنعد للجنة التحقيق في حظيرة السكن، هل أنتم مرتاحون، على الأقل مبدئيا، لعملها أو ربما لما ظهر من أولى تحقيقاتها؟ أنا مرتاح من كيفية العمل وأسلوب إدارة التحقيق، ولكن اكتشفوا في الميدان أن هناك بعض المبالغة في تقديم الأرقام وعدم تطابقها مع المشاريع ووضعيات الورشات، من قبيل، تقديم نسب مئوية مغلوطة حول تقدم الإنجاز. فالتحقيق لا يهدف فقط للرقابة والتشديد بل للتوعية والتحسيس أيضا. فعلى الدواوين ومدراء السكن ألا يقوموا بتهيئة المشاريع بعد إتمام السكنات، فالمفروض قنوات الصرف والغاز والطاقات تبدأ مع الورشة وليس بعد الانتهاء من السكنات. هذا يذكرني بتنديد بعض المقاولين بأساليب عمل بعض مدراء الدواوين، ويربطون نجاح سياسات السكن المقبلة بضرورة إجراء حركة حقيقية، ما رأيكم؟ الحقيقة أنه إذا تم تشخيص الأمور والدخول في مثل هذه الأشياء نكون قد رهنا عملنا ووقعنا في مستنقع حقيقي.. هدفنا تطوير السكن وإرساء سياسة سكنية، وأقول إنه عند الامتحان يكرم المرء أو يهان، وأظن الرسالة واضحة. هل من إجراءات جديدة من شأنها التخفيف من البيروقراطية التي يعرفها القطاع كوثائق ملف طلب السكن أو رخص البناء؟ هناك توجه نحو التخفيف من البيروقراطية تحت إشراف الوزير الأول. إنه في الحقيقة عمل حكومي متكامل كل في قطاعه، ويندرج ذلك في إطار خطة الحكومة القاضية بتقليص الضغط الإداري على المواطن. بالنسبة لنا يمكن التخفيف من وطأة رخصة البناء والهدم حتى يباشر المواطنون إنجازاتهم في أوقات قصيرة. وكنت منحت مقترحات للوزارة الأولى لتقليص مدة الحصول على رخص البناء والهدم التي تستغرق اليوم مدة زمنية خيالية، بسبب مرور طلب رخصة البناء على مكاتب دراسات ومديريات تقنية وبلديات، وتستغرق المراسلات وقتا طويلا للرد، وقد يكون الحصول على رخصة البناء خلال سنة أو أكثر، وهدفنا تحديد مدة الحصول على رخصة البناء، أو الهدم واعتبار تجاوز مدتها القانونية ترخيصا لمباشرة الأشغال. ماذا عن إعمار الجنوب، مادام شمال البلاد مفعم من الناحية العمرانية؟ أعتقد أنه سيتم نشر منشور وزاري الأسبوع القادم، على ما أعتقد، كي يبدأ الولاة في الترخيص لبيع الأراضي بالجنوب والمناطق الجنوبية للهضاب العليا. وحسب توجه الوزير الأول، فإن المساحات التي سيُسمح ببيعها تكون ما بين 250 و350 متر مربع، كون البناء في هذه المناطق له خصوصياته ومميزاته وليس كمدن الشمال، فالسكن في الجنوب يكون في حاجة إلى فناء وأسطح حسب تقاليد ونمط العمران في الجنوب، وبالنسبة للمحرومين والمعوزين قد تكون بعض التجزئات بالسعر الرمزي، لكن للفقراء الحقيقيين، علاوة على منحة مساعدة للبناء الريفي، ممكن أن ترتفع، وهذا في إطار تخفيف الضغط على الدولة التي لا تستطيع أن تبني للجميع. كما ستُمكن هذه الآلية من فتح المجال أمام البناء الذاتي للطبقة الوسطى بالجنوب ويساهم في تقويض أزمة السكن في هذا الجزء من البلاد. وفي هذا الإطار، هل يمكن لعموم الجزائريين من الشمال أن يشتروا قطع أرضية بالجنوب؟ إذا كانوا مستقرين بالجنوب ولا تقصيهم البطاقية الوطنية بسبب استفادات سابقة، فلا مانع من ذلك في اعتقادي، وقد يساعد ذلك في إطار إنشاء مدن جديدة بالجنوب وإعادة التهيئة العمرانية وتوسيعها كالمنيعة الجديدة والأغواط والجلفة وورڤلة وأدرار وتمنراست، كونها لا تعرف مشاكل مياه، ولها مساحات شاسعة قابلة للبناء. ماذا عن بنك الإسكان الذي اقترحتموه، وما هي المؤسسات التي ستندمج فيه؟ بنك الإسكان فكرة قديمة على كل حال، فالدولة تمنح اليوم امتيازات كثيرة في إطار السكن للمواطنين، لكن الحصول عليها متشعب كثيرا ومعقد، ونظرة بنك الإسكان تأتي لتوحد كل الجهات المانحة للامتيازات في شباك واحد مثل الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط والصندوق الوطني للسكن، ويتكفل بكل شيء له علاقة بالسكن. ومتى سيرى النور؟ وزير المالية كلف مدير الخزينة العمومية بالوزارة كرئيس مشروع لإجراء استشارات ودراسات تقنية لبلورة الفكرة مع الجهات التي ستعنى بالاندماج، وأعتقد أنه في الثلاثي الأول من 2013 يكون البنك حقيقة مجسدة، مثلما تم إنشاء بنك للفلاحة والتنمية الريفية وبنك للتنمية المحلية، وإذا أخذنا التجربة التونسية نجد أن الإمكانيات التي تتوافر عندنا لخلق هذا البنك أحسن بكثير عن الإمكانيات التي أنشأوا بها بنكا من هذا النوع في تونس، خاصة وأنه باستطاعة المؤسسات المالية في الجزائر أن تشارك في رأس ماله، ويعد بنك السكن في تونس من أقوى البنوك في البلد. لو وددت توجيه رسالة لجهة ما في الجزائر بخصوص قطاعك إلى من ستكون؟ لأخي المواطن وأختي المواطنة بطبيعة الحال، من أجل أن أقول إن الإمكانيات موفرة والإرادة موجودة بدءا من رئيس الجمهورية، وما علينا إلا أن نتحلى بشيء من الصبر حتى نرى أزمة السكن تتلاشى إن شاء الله.