في كل موعد انتخابي تقوم الأحزاب السياسية بإعداد برنامج خاص للحملة الانتخابية تسعى من خلاله لكسب أصوات المواطنين، وتعتبر منطقة القبائل وبالخصوص ولاية تيزي وزو المنطقة التي تتميز بتقاليد سياسية معروفة وذلك بسيطرة حزبي الأفافاس والأرسيدي باعتبار أن المنطقة تمثل وعاءهما الانتخابي، واكتشفنا من خلال جولتنا الاستطلاعية أن المنافسة ستكون قوية بين الحزبين، فما هو الخطاب الذي يعتمده كل حزب في الحملة الانتخابية؟. إذا كانت للانتخابات التشريعية ميزة خاصة، فهي تتعلق بمشاركة الأفافاس والأرسيدي، حيث في كل مرة يشارك حزب ويعلن حزب آخر عن المقاطعة باستثناء تشريعيات 1991 و1997 التي شاركا فيهما الحزبان، إلا أن الانتخابات المحلية تختلف رؤيتها السياسية لأن كل من الأفافاس والأرسيدي يشاركان فيها ويحاولان السيطرة وإثبات الوجود في معقلهما. وأظهرت الحملة الانتخابية الجارية المنافسة القوية والصراع الشديد بين هذين الحزبين التقليديين بمنطقة القبائل، وكل حزب تبنى خطابا سياسيا لكسب أصوات المواطنين، فالأفافاس اعتمد خطابا سياسيا شاملا، أما الأرسيدي فاعتمد خطابا تقنيا يركز على التنمية. الأفافاس يتجنب تقديم الوعود لأول مرة في تاريخ مشاركاته في الانتخابات المحلية، لم يعتمد حزب جبهة القوى الاشتراكية “الأفافاس" في حملته الانتخابية للمحليات المقررة ليوم 29 نوفمبر القادم برنامجا سياسيا يقدم فيه وعودا للمواطنين، وظهر جليا أن أهداف مشاركته في هذا الموعد الانتخابي لا تختلف عن أهداف المشاركة في تشريعيات ماي المنصرم، حيث اعتمد الأفافاس شعار “تسيير حر، تسيير آخر". والمدقق في الخطاب السياسي للأفافاس بولاية تيزي وزو يتأكد أن حزب الدا الحسين يهدف إلى إلغاء قانوني البلدية والولاية لأنه يرى فيه خطرا كبيرا على التسيير المحلي “قانونا البلدية والولاية جاءا لينتزعا أكثر من صلاحيات المنتخبين ويضيقا من نطاقهم واختصاصاتهم"، حيث يرى الأفافاس أن أي قوة حزبية أو أي طاقم بلدي أو ولائي يبقى عاجزا وغير قادر عن الدفاع بفعالية عن مصالح الجماعة المحلية وعلى تسيير المصالح المحلية، وحسبه، فقانونا البلدية والولاية يعرقلان ويمنعان من الوصول إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للسكان، ويجد المنتخبون المحليون أنفسهم غير قادرين على التكفل بانشغالات المواطنين، ولم يخفِ الأفافاس في الخطاب الموجه للمواطنين أن قانوني البلدية والولاية يوضحا هشاشة وعدم جدوى كل برنامج مقترح على المواطنين، ولهذا السبب رفض تقديم وعود لكي لا يجد نفسه مستقبلا أمام واقع العجز في تحقيقها وتجسيدها ميدانيا. وحول مشاركة الأفافاس في الانتخابات المحلية رغم اعترافه بصعوبة، إن لم نقل، استحالة المهمة للمنتخبين المحليين في التكفل بمطالب السكان في ظل قانوني البلدية والولاية، يرى الأفافاس أن المشاركة هي وسيلة من أجل البقاء في المجتمع وإلى جانب المواطنين والنضال من أجل تحقيق أمل التغيير “قوى الشعب أقوى بكثير من قوى المال" ويدافع أقدم حزب معارض عن تجسيد مجلس استشاري ولائي يكون بمثابة القوة الحقيقية لتحقيق تنمية محلية وتحسين الحياة اليومية للمواطنين. ولعل الجزء الأكبر الذي يعتمده الأفافاس في خطابه خلال هذه الحملة الانتخابية هو العمل السياسي الوطني أكثر من البعد المحلي، حيث يرى أن المشاركة مطمح سياسي مرتبط بالجو السائد بالبلاد والرغبة في مواصلة الجهود من أجل إعادة الاعتبار للعمل السياسي وتعبئة المواطنين من أجل تغيير سلمي وديمقراطي. ويعتقد الأفافاس في خطابه أن الانتخابات المحلية فتح حقيقي للمجال السياسي ووضع البلد على الوجهة الصحيحة، مجددا تمسكه بالنضال لأجل تحقيق تغيير سلمي بعيدا عن كل أنواع وأشكال العنف. من جهة مقابلة، لمسنا من خلال الخطاب السياسي الذي ينتهجه الأفافاس بتيزي وزو توعده لرؤساء الدوائر الذين يتهمهم بتعطيل عجلة التنمية بالولاية، “أميار الأفافاس سيتمردون على رؤساء الدوائر وسندافع عن انشغالات المواطنين والمصالح العامة ونرفض تطبيق قرارات رؤساء الدوائر". كما يهدف الأفافاس خصوصا إلى استعادة ثقة المواطنين بالمنطقة واستدراك هزيمة الانتخابات المحلية لسنة 2007. الأرسيدي يعد بتحقيق التنمية هذه المرة يختلف حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية “الأرسيدي" عن الأفافاس في الخطاب المخصص للحملة الانتخابية بولاية تيزي وزو لمحليات 29 نوفمبر القادم، فإذا كان خطاب الأفافاس “سياسي"، فإن خطاب الأرسيدي" تقني" يهدف إلى تحقيق التنمية المحلية للولاية، حيث ركز حزب محسن بلعباس على تقديم التزامات للمواطنين بتحقيق التنمية بالولاية التي شهدت ركودا تنمويا منذ سنوات، خصوصا في العهدة الانتخابية الأخيرة، التي عرفت بالحركات الاحتجاجية بكل أنواعها في كل البلديات، حيث يطالب السكان بحقهم في التنمية وينددون بالتهميش والحرمان التنموي، الأمر الذي دفع الأرسيدي إلى تبني خطاب سياسي تقني مركز على تقديم وعود بالالتزام بتحسين الوضع التنموي ومواصلة ما جسده خلال العهدة الانتخابية المنتهية، علما أنه فاز خلال محليات 2007 ب 32 بلدية من أصل 67 تتضمنها الولاية، وفاز أيضا بالمجلس الشعبي الولائي. وأول وعد قدمه الأرسيدي للمواطنين هو تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية بولاية تيزي وزو، وجعلها بلديات عصرية تتوافر على شروط الحياة “الاستماع، الحوار، الوساطة" هي القاعدة الرئيسية التي يراها الأرسيدي ضرورية في التسيير المحلي وتغيير طبيعة تسيير البلديات باستشارة لجان القرى والأحياء، وكذا تحسين وضعية عدة قطاعات على غرار التربية، الرياضة، النظافة، التهيئة الحضرية، الأمن، الصحة، السكن، التشغيل، الأشغال العمومية، الفلاحة، السياحة وغيرها من القطاعات التي يراها الأرسيدي بعيدة كل البعد عما يجب أن تكون عليه. ففي مجال الصحة مثلا، قدم الأرسيدي وعودا للمواطنين بإنجاز مراكز صحية في كل البلديات، فيما التزم في حال نجاحه بمحاولة تصحيح الإدارة بالولاية، حيث يرى أن “مهمة الإدارة هي خدمة مصالح المواطنين وليس العكس". ولمسنا في خطاب الأرسيدي خلال بعض خرجاته الميدانية الجوارية التي تقوده إلى البلديات والقرى أنه يحمّل مسؤولية تعطيل العجلة التنموية بالولاية إلى الإدارة والحكومة، مدافعا عن عهدته الانتخابية المنتهية، وبعض الإنجازات التي قام بها. كما يخلو خطاب الأرسيدي من “الراديكالية"، حيث يحاول استعادة ثقته بالمواطنين بالدفاع خصوصا عن قرار مقاطعته للانتخابات التشريعية المنصرمة وتوجيه انتقادات لاذعة للنظام، فضلا عن توظيف خطاب حول تكريس الديمقراطية والدفاع عن الثقافة والهوية الأمازيغية، وتجديد وقوفه في وجه ما أسماهم “أعداء منطقة القبائل". «الديمقراطية المحلية" نقطة مشتركة بين خطابي الأفافاس والأرسيدي المتمعن في الخطاب السياسي الذي اعتمده الأفافاس والأرسيدي خلال الحملة الانتخابية الجارية يكتشف أنهما مختلفان تماما، فالملاحظة الأولى تثبت أن الأفافاس يريد وضع حد نهائي لفكرة “حزب جهوي" وأنه “حزب وطني" يقدم خطابا سياسيا شاملا ووطنيا بعيدا عن الجهوية، بينما الأرسيدي لا يزال يركز على خطابه الجهوي و«منطقة القبائل" التي يدافع عنها أكثر من المناطق الأخرى بالتراب الوطني. ولعل النقطة المشتركة التي يلتقي فيها الأفافاس والأرسيدي خلال هذه الحملة الانتخابية هي دفاعهما عن تحقيق “ديمقراطية محلية" وانتقادهما الشديد لطريقة تسيير الجماعات المحلية، حيث يسعيان إلى تحرير المنتخبين المحليين من قبضة الإدارة والسلطات العليا. من جهة أخرى، يحاول كل منهما كسب ثقة المواطنين ومواصلة سيطرتهما على المنطقة، خصوصا مع ظهور أحزاب سياسية ينحدر زعماؤها من تيزي وزو أمثال حزب الحركة الشعبية الجزائرية لعمارة بن يونس الذي يحاول بكل جهد فرض حزبه بمنطقة القبائل، فضلا عن السياسة الجوارية التي يطبقها حزب الأرندي بتيزي وزو وتوسعه في العديد من البلديات. الأفالان، الأرندي وحزب العمال تعتمد خطابات تقليدية اعتمد كل من الأفالان والأرندي وحزب العمال خطابات سياسية تقليدية معروفة تدافع عنها منذ تأسيسها. فحزب جبهة التحرير الوطني لا يزال يتغنى بالوطنية ويدافع عما حققه منذ 1962 ويتغنى خصوصا بالثورة التحريرية والشهداء سعيا للحفاظ على أصوات الأسرة الثورية. ونفس الأمر بالنسبة لحزب الأرندي الذي يدافع عن إنجازاته التي قام بها منذ تأسيسه. والمتمعن في خطابات الأفالان والأرندي يكتشف أنهما لا يزالان يفتخران بمشاريع الرئيس وعملهما على تجسيد أكبر المشاريع. كما لم يخرج حزب العمال من الخطاب “التروتسكي"، حيث لا يزال يخاطب المواطنين في مواضيع السيادة الوطنية والتدخل الأجنبي والأيادي الخفية، ويركز خصوصا بولاية تيزي وزو على البطالة وفئة الشباب ويقدم لهم وعودا بخلق مناصب شغل والدفاع عن إعادة المؤسسات الخاصة إلى القطاع العمومي، خصوصا “ملبنة ذراع بن خدة"، وكل هذه القضايا التي يطرحها الأفالان والأرندي وحزب العمال في خطابتهم السياسية قديمة تعوّد عليها المواطنون.