بعد الحملة الأخيرة التي شنتها مصالح الدولة في القضاء على كل الأسواق الفوضوية عبر مختلف ربوع الوطن، وعدم السماح للباعة الفوضويين بممارسة نشاطاتهم التجارية، عاد بعض هؤلاء إلى مزاولة عملهم بصفة عادية، وكأن شيئا لم يحدث، معتبرين أن عدم وضع بدائل هو السبب الرئيسي الذي دفعهم إلى العودة للبيع الفوضوي. ما إن بدأت عناصر الشرطة تتفرق من الشوارع الرئيسية والأرصفة التي احتلها الباعة الفوضويون، حتى هرع هؤلاء التجار بسرعة البرق لإحياء تجارتهم غير المشروعة، مكتسحين بذلك معظم الأرصفة التي عملت عناصر الشرطة وعلى مدار فترة من الزمن على تطهيرها من المحتلين لها. وفي جولة ميدانية قادت يومية “الجزائر نيوز" إلى بعض أسواق العاصمة التي كانت طاولات البيع الفوضوي منتشرة في معظمها، سجلنا عودة بعض التجار إلى عرض سلعهم على الطرق والأرصفة، حيث كانت وجهتنا الأولى سوق بلدية القبة الذي شهد عودة بعض تجاره الفوضويين، وفي محاولة منا للتقرب منهم لمعرفة أسباب مزاولتهم نشاطهم التجاري، أكد لنا جلهم أن قرار السلطات تعسفي وظلم في حقهم، لأن اتخاذ هكذا قرار من دون تفكير في مستقبل الشباب ووضع حد لهم، من شأنه أن يدفع بهم إلى التحول إلى مجرمين واللجوء إلى السرقة، مضيفين أنهم سيبقون أوفياء لنشاطاتهم غير آبهين لعمليات الكر والفر بينهم وبين عناصر الأمن التي تطل عليهم بين الفينة والأخرى لمطاردتهم، وهو ما أكده أحدهم في قوله بأنهم لم يجدوا الحل البديل لإعالة أسرهم، باعتبار أن القرار أحالهم على البطالة وأفقر عائلاتهم، وباتوا لا يملكون أي دخل. من جهتهم، لم يتردد تجار الأرصفة بسوق عين النعجة الذي أصبحت أرصفته تشهد ازدحام المارة، ولو لوهلة في التعبير عن رأيهم تجاه الوضع، حيث برر هؤلاء عودتهم إلى الواجهة واستغلال الأرصفة لعرض مختلف سلعهم وبضائعهم بدافع الحاجة الملحة، باعتبار أنهم أرباب أسر ومن غير المعقول أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام مستلزمات الحياة ومتطلبات عائلاتهم، لاسيما وأن قرار السلطات أغلق أبواب رزقهم دفعة واحدة، ولذلك لم يجدوا سوى حل العودة إلى نشاطاتهم حتى يحيوا الحياة الكريمة، حسبهم، جولتنا لا تزال مستمرة والوجهة هذه المرة بسوق بلدية براقي، أين عرف هذا الأخير احتلال التجار غير الشرعيين بطاولاتهم وصناديق الخضر والفواكه بمحاذاة السوق، فبالرغم من تموقع هذا السوق على بعد بضع أمتار من مركز الأمن الحضري، إلا أن ذلك لم يمنعهم من مزاولة تجارتهم وكأن شيئا لم يحدث، غير مبالين بالعواقب التّي تنجر عن ذلك، وفي هذا الشأن أوضح بعض الباعة الذين التقينا بهم، أنهم لا يملكون حلا آخر غير عرض سلعهم في الأرصفة والشوارع، باعتبار أن قرار القضاء على الأسواق الفوضوية أحالهم على البطالة الخانقة، خاصة وأن العديد منهم لا يملكون دخلا آخر. بالمقابل، قال تاجر آخر: “إن السلطات المعنية وعدتهم بحلول عاجلة ولكن ولحد الآن لم يفرج عن كل تلك الوعود وهو الشيء الذي دفعهم للعودة إلى التجارة الفوضوية"، وعلى صعيد آخر، لم يرض سكان المنطقة على ما أسموه سياسة الحلول الترقيعية المؤقتة بعودة التجار الفوضويين مجددا، معبرين في ذلك عن استيائهم من بقايا الخضروالفواكه الفاسدة التي يخلفها الباعة، والتي شكلت بدورها ديكورا في كل زاوية من زوايا جدران حيهم، وبصعوبة تجتاز الممر الذي تتخلّله برك مائية موحلة كريهة الرائحة. وفي السيّاق ذاته، يأمل الباعة المتجوّلون في تطبيق الإجراءات المعلن عنها من طرف وزارة الداخلية والجماعات المحليّة مؤخرا، والقاضية بمنحهم رخصا لمزاولة نشاطهم بشكل نظامي، بالإضافة إلى الإعفاءات الضريبية ومن ثمّ يتمّ إدماجهم تدريجيا في النشاط التّجاري، وتوفير أماكن لمزاولة نشاطهم في أحسن الظروف بعيدا عن مضايقات رجال الأمن.