أخدت التجارة الفوضوية بوهران تتوسع وتنتشر بمختلف الأسواق أو بالأحرى بمختلف الأرصفة والطرق إذ يجد كثيرا من الباعة ضالتهم في مزاولة نشاط تجاري بعيد عن الضرائب وتعتبر الأرصفة خير موقع يقصده هؤلاء لترويج مالديهم. وفي ظل تفشي هذه الظاهرة أردنا التطرق إليها من زاوية إجتماعية في محاولة التعرف على هؤلاء الباعة الذين يسمون بالمتطفلين من أين هم؟ وماهي دوافعهم لتحمل الكثير من المشاكل والصعاب والوقوف طيلة اليوم على طاولة بها سلعة معنية بمحادات الطريق أو داخل السوق وغالبا ما تكون أمام واجهات المحلات؟ وتنتشر هذه الظاهرة بشكل كبير جدا في سوق المدينةالجديدة التي تعد أكبر فضاء تجاري بوهران وهي مقصد كل ولايات الوطن دون أي إستثناء تزاول فيها كل ما يمكن أن يخطر على البال وفيها تشهد حركة البيع وتيرة جيدة جدا صادفنا هناك عددا كبيرا جدا من الشباب يعرضون سلعا مختلفة على طاولات مصنوعة من خشب، أو على بساط بلاستيكي يصطفون في الطرق والأزقة ويسجلون إقبالا كبيرا جدا طيلة اليوم، تقربنا من بعضهم من أجل الحصول على المعلومات المطلوبة في شأنهم من أجل تسليط الضوء عليهم من نظرة خاصة. يرى هؤلاء الباعة أن أغلب التجار إنطلقوا من هذه البداية التي لابد منها للشباب العاطل عن العمل الذي يفضل أن يستثمر برأس مال صغير هروبا من شبح البطالة، وقد يساعفه الحظ في أن يكون في يوم ما تاجرا كبيرا، رغم أنهم دخلوا عالم التجارة من بابها الضيق. ويحمل بعض الشباب طموحات كبيرة في النجاح معتمدين على عبارة »التجارة شطارة« وهم على يقين أن زمنهم قادم لامحالة لأنهم طاقة مكافحة تتحدى كل الصعاب والعراقيل للوصول الى الهدف وأول أحلامهم هو فتح محل خاص بهم عن طريق الكراء طبعا والإبتعاد عن الأرصفة والتجارة الفوضوية ومزاولة نشاطهم بطريقة قانونية. وهناك عدد من هؤلاء الباعة يعمل بيأس وتذمر من مختلف الظروف المحيطة به التي قد تدفعه الى التخلي عن هذه المهنة التي فيها الخسارة أكثر من الربح وأغلبهم شباب إلتحقوا بالسوق منذ الصغر لكنهم لم يصنعوا شيئا وفقدوا كل الحماس وهم يأتون لعرض سلعهم والحصول على مبلغ يسدون به رمق عائلاتهم للعلم أن أغلب هؤلاء الباعة أرباب عائلات ويعتمدون على هذه التجارة للإسترزاق الذي حط من معنوياتهم خاصة أمام الوضعية التي يعاني منها الباعة الفوضويون جراء المداهمات والحجز. أغلب الباعة من أصحاب الطاولات قادمين من ضواحي وهران كسيدي البشير، وشطيبو، وحاسي بونيف وغيرها من المناطق الأخرى ومن ضمنهم شباب قادمون من مختلف الولايات نذكر منها ولاية غليزان، ومستغانم، وتيارت، ومعسكر، وبشار، والشلف وحتى مدن الشرق كالبليدة وسطيف منهم من دفعتهم الظروف إلى وهران ووجدوا أنفسهم مضطرين للعمل ونخص المقيمين بالولاية، أما بالنسبة للآخرين فقد سمعوا عن شعبية السوق وجاؤوا للإستثمار فيه من أجل تثبيت الأرجل هنا وغالبا ما بدأ هؤلاء بالبيع على الأرصفة أو على البساط البلاستيكي وسرعان ما تجده صاحب محل ضخم وسط السوق ويعتمد ذلك على الخبرة والشطارة. أما أبناء وهران فهم هاربون من الفقر يبحثون عن عمل حر بعيدا عن القوانين التي تقيدهم وعن إدلاء الأوامر من هذا وذاك والمدينةالجديدة بالنسبة إليهم هي الفضاء المناسب الذي يشجع على العمل والجد خاصة أمام ما تسجله من إقبال وما يخلق من أجواء تنافسية بين الباعة، وتفتح هذه السوق التي داع صيتها إلى أبعد الحدود أبوابها لجميع المستثمرين ولكن يبقى الإنضباط مطلوب والتقيد بالقوانين أمر لابد منه وهي مسؤولية كل تاجر حتى لاتبقى الفوضى تميز هذه السوق. مطاردات وحجز.. يشتكي جميع الباعة الفوضيون من مطاردات أعوان الشرطة وتعرضهم لحجز سلعهم بإستمرار رغم أنهم يدركون أنهم ينشطون بصفة غير شرعية وأن ما يتعرضون إليه من مطاردات وحجز ماهو إلا تنفيذ لأوامر عليا هدفها القضاء على التجارة الفوضوية ولكن كل الجهود تبوء في النهاية بالفشل لأن الباعة يعودون في كل مرة إلى مواقعهم ليتأكد بالتالي أن محاربتهم مستحيلة وأنهم عائدون لا محالة لأنهم لا يملكون بديلا آخر. ويرى أخصائيون في علم الإجتماع أن هذه الظاهرة لن تزول من المجتمع الجزائري وهي لاتميز سوق المدينةالجديدة فقط بل كل أسواق المعمورة فأصحاب المشاريع الصغيرة يجدون فائدة في ذلك فهم يرمون من على عاتقهم هم الضريبة وثمن كراء محل كما أنهم بالمقابل يعرضون سلعهم بأثمان معقولة لمنافسة المحلات واستقطاب عدد كبير جد من الزبائن، وإن معنا النظر فإنهم شباب يبحث عن مصدر رزق حلال والأصح أن يستفيدوا من مشاريع تحويهم كبناء مركز تجاري يضمهم جميعا للعمل في إطار قانوني مع وضع تسهيلات في بداية المشوار وهذا هو الحل الذي قد يقضي بعض الشيء على البيع الفوضوي بالسوق ويتطلب ذلك أعواما طويلة وإجراءات صارمة ولكن بعد توفير البديل. قبل أن يقف البائع أمام طاولته مع كل تلك البضاعة فهو يقطع مشوارا طويلا للحصول عليها فمنهم من يتابعون السلعة من محلات البيع بالجملة ولايدفعون إلا بعد بيع كل البضاعة، وآخرون يشترونها من تجار يجلبونها من مغنية والزوية، في حين يتنقل آخرون الى السوق الشعبي المشهور سيدي الخطاب، وعين الحجل وآخرون يجلبون سلعهم من العلمة ولاية سطيف. وكل هذا المشوار المتعب لا يحصل أكثر الباعة إلا على فائدة قليلة في اليوم وتصل حسب تصريحاتهم إلى 600 و700 دينار حسب الموقع الذين يعرضون فيه وكذا حسب البضاعة وهناك من يحصل في اليوم على أكثر من ألفين دينار حسب حال السوق أيضا، ويعاني أغلب الباعة من ظروف إجتماعية مزرية وكل واحد لديه مشكلة أو أزمة ما كأزمة السكن، أو مسؤولية عائلة، أو مشكل طلاق أو زواج أو مشاكل إجتماعية أخرى المهم أن عملهم وراءه دافع قوي يجعل البائع يتحمل كل الصعاب والعراقيل من أجل مواصلة المهمة ناهيك على ما يمر عليهم في اليوم من مشاكل مع الزبائن إضافة إلى تعرضهم لأشعة الشمس والمطر طيلة النهار، وتبقى هذه التجارة وإن كانت غير مشروعة مصدر رزق وحيد لشباب طاردهم شبح البطالة.