بقدر ما أصبحت مباريات فريقنا الوطني تأذن بالأعراس في كل ربوع الوطن، بقدر ما تخلف لدى البعض منا مآتم وأحزان، حيث تكثر الإعتداءات وحوادث المرور خلال خروج الأنصار إلى الشوارع للإحتفال، وإن كانت الأفراح التي يصنعها ''الخضر'' متنفسا للجزائريين، شعبا وسلطة، فإنه من جهة أخرى، تبين، من خلال الآثار الجانبية للفرحة، أننا بعيدون كل البعد عن مستوى إنجاز فرحة بكامل نقاطها· أول أمس فقط، لقي أربعة شباب حتفهم في حادث مرور مروع بضواحي بومرداس، وهم على متن حافلة قادمة من ولاية باتنة، حيث تفيد الأنباء أنهم قدموا لمناصرة الفريق الوطني·· طبعا، الأمر مروع، لكنه أكثر بلاغة في الترويع والفظاعة إذا ما كان كل واحد منا يفقد قريبا له أو واحدا من أهله في مثل هذه الأجواء·· الأمر يعصر القلب حزنا، لا لشيء إلا لأن الحزن حزنان في هذه الحالة، حزن على فقدان طعم الفرحة مع باقي الجزائريين، وحزن فقيد كان يعتقد أن ذهابه لمشاهدة مباراة في كرة القدم لا يمكن أن يكون موعدا مع قدر الموت·· قدر يصعب تصديقه لولا سلاح الإيمان بالله وبقدره، خيره وشره· فبعد مباراة مصر، تعرض شاب في مقتبل العمر، لحادث بعدما خرج إلى الشارع احتفالا بفوز ''الخضر'' على الفراعنة على دراجتها الهوائية، لكنه لقي حتفه بعدما دهسته سيارات كانت هي الأخرى في غمرة فرحتها، فمن فرحة سائقين، إلى حزن ومأتم سائقين، واحد ميت والآخر يعقد روحا حول رقبته· وتقوم مصالح الأمن بتسجيل مئات القضايا بسبب السرقات والإعتداءات التي تستفحل في خضم الفرحة التي ينشغل بها كل من يقع ضحية، بينما تتحول الأفراح مناسبة وفرصة ذهبية لشبكات السوء واللصوصية والمجرمين، ليأخذوا الفرحين على حين غرة، فذاك فقد أمواله ولم يجد ما يرجع به إلى أهله، وذاك اعتدي على ممتلكاته، وآخر فقد مركبته، وذاك اعتدي على أخواته اللائي كن يفرحن معه في على متن سياراته ·· هذا المشهد الذي يتكرر مع كل مباراة لفريقنا القومي ينبغي أن يزول، وإلى الأبد، ولو لمجرد احترام أرواح كل أولئك الذين أحبوا ''الخضر'' وهم بذلك أحبوا الجزائر ويستحقون، أن نخلدهم بالتخلق والروح الرياضية وإنجار أفراح غير منقوصة، وبإطلاق العنان لكل مكبوتاتنا، لكن بحضارة وتمدن، لأن كيفية إبداء الفرحة أنواع يتفنن ويبدع فيها الكثير باعتماد طرق مثيرة للإعجاب، وأخرى، وإن كانت مغامرة، فهي لها أطرها الخاصة وظروفها، فكم هو رائع أن نفرح دون أي يعرف الحزن طريقه إلينا في خضم تلك اللحظة ونحن نعلم، وكم هو قبيح أن نفرح، ونحن نعلم أنه يمكننا أن نحزن عندما تكون الوسيلة غير مناسبة·