قدم الفنان سيد احمد بن عيسى، سهرة الثلاثاء الماضي، رؤيته الإخراجية لنص كاتب ياسين “نجمة" (1956) بعد أن نقلها إلى خشبة مسرح محي الدين بشطارزي، رفقة مجموعة من الشباب الهاوي، هم عصارة ورشة تكوينية، حاولوا على مدار ساعة ونصف من الزمن اختصار ملحمة إنسانية وشخصية لأحد أبرز الكتّاب الجزائريين في الخمسينيات من القرن العشرين. كان الرهان الذي رفعه بن عيسى واضحا منذ البداية، أولا اختياره لنص “نجمة" بكل ألوانه واحتمالاته الإبداعية، وثانيا اعتماده على طاقات تمثيلية شابة، غير محترفة، حاولت أن تلبس الشخوص بكل العمق الفلسفي والسياسي والثقافي الذي حمّلها إياه كاتب ياسين ساعة كتابته لسيرة “مصطفى" و"مراد" و"لخضر" و"رشيد"، وكل سيرة “بني كبلوت" رفقة المرأة اللغز “نجمة" التي تحوّلت بالنسبة للجميع إلى المعشوقة المستحيلة والممكنة، المحبوبة والمنبوذة. إستعان بن عيسى، إذن، بثلاثين شابا، من مختلف الولايات، ليشكل بهم لوحات تمازجت فيها سمات ثقافية جزائرية، سواء من حيث اللون أو اللغة (العربية الدارجة، الفرنسية والأمازيغية) أو الأزياء، وحتى الطقوس المستمدة من منطقة القبائل والصحراء والأوراس أيضا. الكل تحدث عن “نجمة" المرأة الجميلة التي سحرت “لخضر" وأقرانه، و"نجمة" الرمز التي يبحث عنها الجميع ويريد حمايتها، وصونها من اعتداء العدو، ليعود إلى أرضها وقبيلتها. وسط خشبة عارية من أي عنصر سينوغرافي قار، تحرّك الممثلون لوحة بعد لوحة، مستعينين بالظلام في قفل المشهد بعد الآخر، وبواسطة مقطع موسيقي صادح، ينذر بحادثة جديدة من ملحمة “بني كبلوت". وبدت اللعبة التمثيلية قريبة إلى اللقطة السينمائية، أو عبارة عن شظايا مواقف، أثاثها لغة عربية دارجة، أعاد كتابتها رشيد طايلب، فيما تكفل رشيد سوفي باقتباسها وفق رؤية جديدة. وقد شكلت اللغة مستوى جماليا شد انتباه الجمهور، إذ وفقت الترجمة في احترام شاعرية النص الأصلي، حيث معروف أن كاتب ياسين عندما همَ بكتابة “نجمة" تقاطعن رغبته في صياغتها في شكل تقاطعت فيه لغته بين الرواية والشعر والمسرح. وقد بدا جليا أن هذه الأعمدة الثلاثة التي أسس عليها النص، ساعده كثيرا في التقطيع الدرامي للمسرحية. كان واضحا للعيان أن النص تغلب على الممثلين، تلعثمهم تارة، وخروجهم عن دوائر الضوء المسلطة عليهم، تارة أخرى، شوّش تركيز الحضور للحظة، كما أن رغبة بن عيسى في تكثيف الدخول والخروج لتمثيل موقف من المواقف الكثيرة التي يحتويها النص، جعل العمل يسقط في دائرة فارغة لاستيعاب لعبة الأزمنة أو التشظي في لغة ياسين. من جهة أخرى، نجح بن عيسى في إقحام مجموعته كاملة في اللعبة “الكاتبية"، جعل كل واحد إما سارد أو مسرود، وهو ما ظهر في الرواة، الذين يدخلون تباعا بين المشهد والآخر.