قاتلة استطاعت أن تخفي جنونها عن الناس لفترة طويلة اقترفت خلالها العديد من الجرائم البشعة متخفية تحت لباس ملائكة الرحمة، امرأة وجدت الكثير من الإثارة والمتعة في إزهاق أرواح الناس وتشعر بنشوة عارمة وهي تشاهد ضحاياها يحتضرون. جين تابن، ولدت سنة 1854 في إحدى مدن ولاية ماساتشوستس الأمريكية، عاشت طفولة بائسة إذ ماتت أمها في سن مبكرة وبقيت هي وأختها بعهدة والدهما المدمن على الكحول، الذي كان يعاني من أمراض عقلية أدت به في النهاية إلى الجنون التام لذلك تم إرسال جين الصغيرة وشقيقتها إلى إحدى دور الأيتام في بوسطن. حيث قضت عدة سنوات في خدمة السيدة آن تابن وتحملت قسوة معاملتها إلا أن هذه الأخيرة لم ترغب أبدا في تبني جين ولكنها سمحت لها في المقابل باستعمال اسم عائلتها وهو الأمر الذي ساعد جين في المستقبل على إخفاء تاريخ عائلتها الحقيقي الحافل بالفقر والبؤس والجنون. في السنوات التالية بدأت جين بدراسة التمريض، وخلال الدروس أثارت دهشة زميلاتها بسبب شغفها وولعها الغير طبيعي بدرس التشريح إذ كانت جين تجد متعة كبيرة في تشريح الجثث البشرية على العكس من بقية الطالبات اللواتي كن يكرهن هذا الدرس. في عام 1885، بدأت جين العمل كممرضة متدربة في مستشفى كامبردج وهناك وجدت أخيرا المكان المناسب للتنفيس عن جنونها الوراثي من دون أن تثير الشكوك حولها، إذ أن أحدا لم يكن ليتصور أن تتحول ملاك الرحمة التي تخفف آلام الناس إلى عزرائيل تواق لحصد الأرواح. في البداية، أخذت جين تبدي اهتماما متزايدا في دراسة العقاقير المخدرة وذلك لغرض الوصول إلى طريقة تمكنها من قتل الناس من دون أن يشعر بها أحد، وقادت هذه التجارب المجنونة في النهاية إلى توصل جين لوصفتها السحرية القاتلة التي تتألف من جرعة زائدة من عقاري المورفين (Morphine ) والاتروبين (Atropine ) حيث أنها لاحظت بالتجربة أن أعراض التسمم بالمورفين كانت تغطي على أعراض الاتروبين والعكس صحيح، بحيث يصعب على الأطباء معرفة السبب الحقيقي للوفاة. لا أحد يعلم على وجه الدقة كيف كانت جين تختار ضحاياها وما هي المواصفات التي كانت تبحث عنها فيهم ولكن الجميع متفقين على أن الرغبة الجنسية كانت تلعب دورا كبيرا في أغلب جرائمها، فبعد أن تختار ضحيتها وتحقنه بالعقار المميت كانت جين تجلس بجواره وتجد متعة لا توصف في مراقبته وهو يحتضر. وأحيانا كانت تصعد إلى سرير الضحية وتستلقي بجواره، بحيث تشعر بأنفاسه الحارة المتسارعة تلهب صدرها كالسوط ثم كانت تحتضنه وتشده إلى جسدها بقوة حين تداهمه سكرة الموت. في عام 1889، انتقلت جين للعمل كممرضة في مستشفى ماساتشوستس العمومي وهناك قتلت عددا آخر من ضحاياها لكنها سرعان ما فصلت من عملها فعادت للعمل في مستشفى كامريدج، لتقتل بعض المرضى أيضا قبل أن تبدأ الشكوك تحوم حولها ويتم فصلها بسبب حقنها لعدد من المرضى بجرعات متهورة من الأفيون. بعد فصلها من المستشفى، قررت جين أن تعمل كممرضة خاصة والعجيب أن عملها الجديد سرعان ما ازدهر رغم بعض الأقاويل هنا وهناك حول سرقتها لبعض الحاجيات من منازل مرضاها ورغم موت عدد كبير منهم بصورة غامضة، وكانت أختها غير الشقيقة إليزابيث أو بالأحرى الإبنة المدللة لمخدومتها السابقة السيدة آن تابن، هي إحدى ضحاياها في تلك الفترة، ويبدو أن الغاية الرئيسية من قتلها لإليزابيث كان الانتقام من أمها وأيضا لأن جين كانت تغار من إليزابيث وتكن لها كراهية شديدة منذ طفولتها حيث كانت تعمل خادمة في منزلها. في عام 1901، انتقلت جين للسكن في بيت ضابط عجوز يدعى الدين ديفز، للعناية به بعد وفاة زوجته التي كانت جين قد قامت بقتلها بنفسها في السابق. ولم يمض وقت طويل على وجود جين في منزل آل ديفز حتى مات العجوز الدين ثم لحقت به وبشكل غامض ابنته الكبرى آني وتبعها بفترة قصيرة الابنة الثانية ماري، وهنا أخذت تتزايد شكوك بقية أفراد عائلة ديفز في سبب حوادث الموت المتوالية والغير منطقية التي ألمت بهم، خصوصا أن هذه الحوادث لم تقع إلا بعد قدوم جين إلى المنزل. لذلك وبسبب شعورها بالخطر، فقد قامت جين بالفرار من المنزل تحت جنح الظلام. في هذه الأثناء، كانت عائلة ديفز، قد تقدمت بشكوى إلى الشرطة طالبت فيها بتشريح جثة ماري ديفز، التي كانت جين قد قتلتها وكانت قد دفنت حديثا. كانت العائلة ترتاب في أن ماري ماتت مسمومة وقد جاء تقرير الأطباء الذين شرحوا الجثة ليؤكد شكوكهم إذ أظهر بجلاء وجود كمية كبيرة من المورفين والاتروبين في جسدها كانت هي السبب الرئيسي في وفاتها. في عام 1901، ألقي القبض على جين تابن، بتهمة قتل ماري ديفز، وخلال التحقيق معها اعترفت جين بارتكاب جرائم أخرى، وأثارت اعترافاتها المرعبة صدمة كبيرة في أوساط الرأي العام الأمريكي آنذاك، إذ أن جرائمها وضعت النظام الصحي للبلاد بأكمله تحت المساءلة لعدم قدرة الأطباء على اكتشاف هذه الجرائم المتعددة رغم أن أغلبها وقعت داخل مستشفيات متخصصة وتكرر حدوثها لفترة طويلة. في عام 1902، تم تقديم جين تابن للمحاكمة بتهمة قتل 11 شخصا وتوقع الكثير من الناس أن يتم الحكم عليها بالإعدام، لكن هيئة المحلفين فاجأت الجميع واعتبرتها غير مذنبة وأوصت بإرسالها إلى مصح عقلي، ويبدو أن هيئة المحلفين أخذوا بنظر الاعتبار الظروف المأساوية التي أحاطت بطفولة جين وكذلك الجنون المتأصل في عائلتها فوالدها وأختها كانا كلاهما قد أدخلا إلى مصحات عقلية، حيث قضيا ما تبقى من عمرهما هناك. بعد فترة من المحاكمة، نشرت صحيفة “نيويورك جورنال" تحقيقا صحفيا بقلم أحد محرريها كشف فيه عن حديث أدلى به محامي جين تابن، في جلسة خاصة قال خلاله بأن موكلته كانت قد أخبرته أثناء تحضيره للدفاع عنها بأن عدد ضحاياها الحقيقيين هو 31 شخصا وأنها خدعت هيئة المحلفين بإدعائها الجنون على أمل أن تتمكن من الخروج من المصحة بعد فترة من الزمن لتواصل جرائمها، كما أخبرته بالحرف الواحد بأن طموحها الحقيقي هو: “قتل المزيد من الناس.. أكثر من أي قاتل أو قاتلة عاشا على الأرض..". لكن هذه التصريحات لم تنجح في إقناع القضاء بإعادة محاكمة جين تابن، بل بالعكس أكدت لهم بأن هذه المرأة مجنونة تماما بغض النظر عن عدد ضحاياها. عاشت جين تابن، في مصحة عقلية لسنوات طويلة ولم تخرج منها إلا جثة هامدة عام 1938، لكن ذكراها المرعبة ظلت محفورة في أذهان الكثير من الناس ومنهم أطباء وممرضي المصحة التي قضت فيها، الذين ظلوا يتذكرون لسنوات طويلة كيف كانت جين تحاول إغواءهم مطالبة إياهم بحقن المرضى بجرعة زائدة من المورفين وهي تردف ضاحكة بنبرة شريرة: “سنحظى بقدر كبير من المتعة ونحن نشاهدهم يموتون!".