كشف ناجون من العملية الارهابية بحقل الغاز تيغنتورين أمس، في تصريحات ل “الجزائر نيوز"، أن عددا غير محدد من الإرهابيين لا زالوا يحتجزون عمالا بقسم صناعة وتمييع الغاز “سي بي آف"، وقال مصدر أمني إن هؤلاء الإرهابيين يهددون بتفجير مصنع الغاز الذين هم بداخله مع الرهائن، وهو ما قد يتسبب في كارثة حقيقية على محيط 16 كلم مربع، هذا وسلم إرهابي نفسه، أمس، لمصالح الأمن التي تطوق الحقل الغازي وجرح آخر في اشتباك مع زملائه. بدأت، أمس، أولى وفود الصحافة الوطنية تصل إلى عين أمناس برا، بسبب انعدام الرحلات الجوية في اليومين الأخيرين، ما أحدث حركية غير معهودة بهذه المنطقة التي تمول كثير من دول العالم بالغاز والبترول. التوافد الإعلامي الكبير على عين أمناس ونشاط وحدات الحماية المدنية والإسعاف الطبي بكل طواقمه من المركبات، أبرز أولى التأثيرات في المدينة التي لم تعرف يوما ندرة في مادة البنزين، فمحطة التزويد الوحيدة التي تقع عند مدخل عين أمناس ويعمل بها، حسب ما اطلعنا عليه، نهار أمس، عون واحد، لم يعد قادرا على سرعة تزويد خزانات السيارات من كثرة الإقبال على المحطة، ويقول هذا الأخير “إنه منذ وقوع أحداث تيغنتورين، أصبحت هناك ندرة في مادة البنزين، فبعض أنواعه لم تعد موجودة وهو أمر لم نشهده من قبل". ويضيف “عادة لا تستهلك حظيرة السيارات أكثر من 27 ألف لتر من البنزين، أما منذ الأربعاء الماضي، تاريخ وقوع الهجوم على تيغنتورين، أصبح الطلب يعادل أو يفوق 33 ألف لتر". استنفار كبير أمام المستشفى من محطة البنزين التي كنا بحاجة إلى التزود منها لطول الطريق الذي سلكناه (1650 كلم)، انطلقنا رأسا إلى مستشفى المدينة بعد أن أكد لنا سكان عين أمناس بأن كل صغيرة وكبيرة حول موقعة تيغنتورين سنجدها هناك “كون القتلى ينقلون مباشرة إليه"، كان المشهد دراماتيكيا.. المستشفى لم يعد تحت تسيير المدنيين بل تحت سيطرة الشرطة القضائية، فبالرغم من أن عون الأمن التابع لمؤسسة الصحة الجوارية لعين أمناس سمح لنا بالدخول لاستيقاء آخر المعلومات عن حصيلة الهجوم على حقل تيغنتورين، منعه شرطي بمدخل الباب معلما إياه أن “الأوامر التي تلقيناها تمنع ذلك"، فما كان على حارس المستشفى إلا الخضوع للأوامر النازلة لتوها من قيادات الشرطة. لقد أضحى منذ يومين من الصعوبة بما كان حتى أن يدخل مستشفى المدينة المرضى العاديون من السكان بعد أن كثر الفضول العام والتجمهر أمام مدخل المؤسسة الإستشفائية للتفرج والتزود بآخر الأخبار، وزاد الوضع تعقيدا بحضور وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية منذ البارحة، وهو الواقع الذي لم يتعود عليه أهل هذه المدينة الهادئة الممتدة عبر أطراف الصحراء الشاسعة. يقول أحد الممرضين في تصريح ل “الجزائر نيوز" بعد مرور قرابة ساعة من الانتظار أمام المستشفى لمعرفة دقائق الأمور وعدد الجرحى والقتلى المنقولين من قاعدة تيغنتورين، إنه جاءهم الأمر منذ العاشرة صباحا من أجل استنفار كافة طواقم المستشفى لاستقبال 30 ضحية بين قتيل وجريح، من الصعب جدا على أي أحد في عين أمناس سواء من الطواقم الطبية أو الأمنية المغامرة بمنح رقم حول الضحايا الحقيقيين ونوعيات إصاباتهم، فالأمور تتسارع بشكل خارق للعادة حسب المواجهات وتجدد الاشتباكات مع الإرهابيين. شهادة حية لناجٍ من الهجوم قبل التنقل إلى تيغنتورين لمعرفة ما يدور حقيقة هناك، التقت “الجزائر نيوز" ب “عز الدين تاقة" أحد العمال الناجين من جحيم الحقل الغازي بعين أمناس، كان قد انتهى لتوه من التصريح للقناة الفرنسية “تي أف 1" ويتلقى التهاني من أبناء مدينته على نجاته، كان تصريحه لنا ثاني تصريح لناجٍ من نوعه يوم أمس، يقول عز الدين في فيديو مصور بحوزة “الجزائر نيوز" إنه تمكن من الفرار مع عدد من زملائه من القاعدة بشكل يوحي أن الإرهابيين لا يسيطرون عليها بأكملها، بل يقول “إن هناك من تمكن من الخروج بسهولة من القاعدة بمجرد أنه التزم غرفته داخل قاعدة الحياة ولم يخرج إلى حيث كان ينتشر الإرهابيون"، فحسب الناجي بمجرد ولوج الإرهابيين الموقع رقم واحد للحراسة في السادسة و45 دقيقة الأربعاء الماضي، حاولوا تجميع الرهائن على صعيد واحد ولم يتعبوا أنفسهم في البحث عبر أرجاء كافة فروع الحقل وقاعدة الحياة، مما مكن كثيرين الهروب من مواقع بعيدة عن الفوج الأول من الإرهابيين، ويضيف “لقد عمل هؤلاء الإرهابيون على إفهام الرهائن بأن لا مشكلة لهم مع شخصهم بل مع حكوماتهم"، أما بالنسبة للجزائريين فقالوا “أنتم أصدقاؤنا ولا نهدف إلى إلحاق الضرر بكم، وقاموا بإطلاق سراح المئات منهم دون أي إشكال، بينما حرصوا بالمقابل على إحكام قبضتهم على باقي الجنسيات". ويضيف الشاهد “لقد حرص الإرهابيون الذين لا يبدو بينهم أي جزائري بقدر ما كانوا سوريين وفرنسي وتونسيين وموريتانيين، إذ فهمنا ذلك من لهجاتهم، حرصوا على الحفاظ على حياتنا وفسح المجال للطباخين لتزويدنا بالأكل طيلة فترة احتجازنا، وحاولوا منذ الوهلة الأولى الفرار بالرهائن الأجانب دون الإضرار بأي أحد، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل فور تجميع بعضهم على متن السيارات لينفذوا بجلودهم معهم إلى مناطق مجهولة، لكنهم اصطدموا بقوات الجيش التي كانت تطوق المكان، فحصلت المواجهة ووقع الجميع بين قتلى وجرحى دون أن يعلم الجيش بأن بين الإرهابيين رهائن". ويقول شاهد عيان آخر إن أول ما قام به المسلحون لدى دخولهم إلى المنطقة هو تخريب مركز تزويد الحقل بالكهرباء لكي يصعب على مصالح الأمن تحديد أهدافها “حيث حضر بين قوات الأمن قناصة وأفراد القوات الخاصة من الجيش الوطني الشعبي". أما عن إعلان انتهاء العمليات بشكل لا رجعة فيه ثم استمرارها في فرع آخر، قال عز الدين إن المعلومات التي وردت إلينا قبل الهروب، إن الجماعة المسلحة انقسمت إلى فوجين، الأول استهدف قاعدة الحياة والثاني مصنع انتاج الغاز “سي بي أف"، وهو ما يفسر انتهاء العملية في قاعدة الحياة واستمرارها في منطقة أخرى. وعن تصرفاتهم، قال عز الدين إن هؤلاء لم يكونوا البتة مرتبكين ولا خائفين من الطوق الأمني المفروض عليهم، ولم يظهر الارتباك إلا على قائدهم من خلال حديثه والأوامر التي كان يعطيها لعناصره، وقال عز الدين إنه كان يتصل بزملاء له عبر الراديو اللاسلكي في أجنحة أخرى من الحقل بلا مشاكل رغم كونهم رهائن، لكن دون علم الإرهابيين، مما يدل على أن الجماعات المسلحة التي اقتحمت المنطقة الصناعية لم تأبه لكثير من التفاصيل بقدر ما كانت تستهدف خطف الأجانب وضمان انسحاب آمن، مما يفسر تمكن المئات من الهروب بسهولة ماعدا ما دفع بالإرهابيين إلى الاصطدام بالجيش لمحاولتهم الفرار بعمال من جنسيات غربية، فقضوا نحبهم معهم. إلى تيغنتورين.. حيث منطقة النار والموت كان على طاقمنا التوجه رأسا إلى المنطقة، حيث تدور رحى القتل والرهن البشري، أمام ذلك الغموض الفادح في تسيير الوضع بمستشفى عين أمناس، فقد قطع سائقنا “إسلام" مسافة حوالي 40 كيلومترا ما بين عين أمناس وتيغنتورين في دقائق معدودات، كنا على علم مسبق أنه لن يسعنا الولوج إلى منطقة الموت والنار، لكننا اقتربنا منها بستة عشر كليومترا، حيث كانت أولى النقاط الأمنية المتقدمة لمنع الناس من الدخول، لا إعلام عمومي ولا خاص ولا أجنبي يمكنه افتكاك صورة علنا أو تصريح، لقد حاولنا ذلك مرارا وتكرارا مع مصادر مختلفة إلا أنها أبت. كانت شركة سوناطراك قد أقامت خيمة طبية بكل لوازمها تسعف بشكل أولي كل جريح يخرج من المنطقة ليحول فيما بعد على متن سيارات إلى المستشفى الأنسب لإصابته إما بإيليزي أو عين أمناس أو إلى العاصمة عبر رحلات سوناطراك الجوية. كانت المعلومة الوحيدة التي استقيناها من عين المكان أن الإرهابيين تمكنوا من الوصول إلى الحقل من نقطة تبعد ب 16 كلم عن الحاجز الأمني الأكثر صرامة. الرهائن يخرجون عبر الحافلات في وقت كنا نحاول التفاوض مع مصدر أمني لالتقاط صور على الأقل في المحيط الذي نتواجد به، ويافطة الحقل الغازي لتيغنتورين، فإذا بحافلة قادمة من داخل الحقل مملوءة عن آخرها، لم تكن مدنية بل من الناقلين العاملين بالحقل، لقد كانوا رهائن، وعمد الضابط الذي كان يتحدث معنا إلى أمر أحد عناصره باحتساب عددهم وتسجيلهم، فهمت أنهم رهائن، فتقفينا أثر الحافلة مغادرين المنطقة المحرمة التي سمعنا بها في الصباح مواجهات نارية انتهت منتصف النهار، وانتهى بنا الأمر أمام مقر إحدى كتائب الدرك المنتشرة بعين أمناس نزل الجميع واصطفوا أمام مدخل مقر الدرك وبدأوا يخرجون في بطاقات هوياتهم لتسجيل أنفسهم وإحصائهم، تقربت من أحدهم وتعرفت عليه دون أن أقدم له نفسي، قال لي إن اسمه بوصبع ساعد عامل أمن بمصنع تمييع الغاز، كان متسرعا في الكلام وقلقا لركوب الحافلة والذهاب نحو المطار للالتحاق بأهله، قال “إن كل هؤلاء الذين يتم إحصاؤهم، حُرروا اليوم"، كان عددهم حوالي مائة، منحني “ساعد" رقم هاتفه للتواصل معه للخوض أكثر في التفاصيل، لاحقا. الفضول الذي كان يغمرنا للحصول على مزيد من التفاصيل، أثمر بربط علاقة مع مصدر أمني محلي، أكد لنا أن أهم رهان أمام مصالح الأمن “ألا ينفذ الإرهابيون تهديدهم بنسف مصنع الغاز “سي بي آف" بالرهائن، وإلا وقعت كارثة كبيرة على محيط 16 كلم مربع في عين أمناس تمحوها نهائيا"، وأفادنا مصدرنا أيضا أن إرهابيين اثنين سقطا بحوزة الجيش، أحدهما سلم نفسه بعد نفاذ ذخيرته والآخر أوقعته عناصر الأمن جريحا. من جهة أخرى، كشف مصدر أمني أنه تم إلقاء القبض على أحد الخاطفين داخل الحقل الغازي وهو جزائري ينحدر من ولاية أدرار، مضيفا أن الإرهابي الموقوف زود المصالح المختصة بجميع المعلومات حول العملية ومخططها. وإلى غاية الخامسة مساء لم يكن هناك أكثر من هذا الجديد الذي وضعناه بين أيديكم. مبعوث “الجزائر نيوز" إلى عين أمناس: عبد اللطيف بلقايم