يرى بن خالفة عبد الرحمان، المفوض العام السابق لجمعية البنوك الجزائرية، أنه عندما تتعلق الأمور بمنح قروض للفلاحين أو غيرهم، فإن المسؤولية تبقى أولا وأخيرا، على عاتق المقرض له من أجل إرجاع هذه الأموال. وأكد هذا المستشار الاقتصادي المستقل، في الحوار التالي، أن عدم إرجاع المستحقات إلى البنوك، سواء من جانب الفلاحين أو غيرهم، هي عملية قلّت قياسا إلى الماضي، مشيرا إلى وجود أجهزة وآليات رقابة داخل البنوك على نحو يمكنها من التعامل مع الموضوع. هناك مؤشرات في اتجاه عدم ارجاع الفلاحين لأموال القروض التي يتلقونها في صيغة دعم فلاحي، هل تؤكدون ذلك على الأقل؟ من الضروري أولا تحديد قيمة هذه المستحقات التي تتحدثون عنها حتى يمكن الحديث في الموضوع، وفي الواقع من الصعب الكلام باسم البنك، لكن في كل البلدان هناك دعم بطرق مختلفة، وما هو مطبق في الجزائر، من هذه الناحية، مطبق في بعض البلدان أيضا. إن مسألة الأمن الغذائي، باعتبارها موضوعا حساسا، يجعل الدولة تقوم بتدعيم الفلاحة مثلما تقوم بدعم قطاعات أخرى على غرار الصحة. المزارعون ومختلف المؤسسات الفلاحية، في حاجة إلى دعم لكونها لا تسير في مجال مضاربي ولكن في مجال مرتبط بزراعة أساسية. هناك دعم وهناك قروض فيها نوع من الدعم من ناحية القروض الميسرة التي لو أعطيت دون مساعدة الدولة لكانت كلفتها، أي كلفة الفوائد، كبيرة، وعندما تكون القروض ميسرة بتدخل من الدولة، فإن الدولة تتحمل جزءا كبيرا منها يكون في حدود 50، 60، 80 بالمائة. هذه القروض تخفف العبء المالي وتحقق تغطية ربحية وتنافسية للأنشطة الزراعية، وتدخل الدولة في هذا المجال، وفي جميع البلدان، يتم بطرق مختلفة، ومن بين هذه الطرق تيسير فوائد القروض وقيام الدولة بأخذ جزء من ضمان القروض. خلال السنوات الماضية، وبحكم الظروف الخاصة للاقتصاد الوطني، حدث هناك تنافس بين المنتوجات في الداخل والخارج، ونظرا لعدم تنظيم السوق أيضا، رأت الدولة معالجة الوضع فيما يتعلق بالفلاحين، وحتى الصناعيين أيضا، وذلك فيما يتعلق بالقروض الماضية التي تعثرت ومن خلال ما يعرف بمخططات النجدة، حيث قامت الدولة بمسح ديون الفلاحين في ظل ظروف ومعايير يحددها القانون، ومسح جزء من هذه القروض تم بعد دراسة الظروف على اعتبار أن الظروف التي نشأت عن سوء التسيير ليست مثل تلك التي نشأت عن ظروف من نوع آخر. ما هو حجم هذه الأموال سواء تلك التي تم إقراضها أو تلك التي لم يتم إرجاعها من طرف المستفيدين؟ مستوى استحقاق القروض هو أمر يتعين رؤيته مع البنك، لكن عموما قيام السلطات العمومية بهذه العملية كان من أجل تخفيف الثقل المالي الناتج عن الظروف المحيطة بالفلاحين، وحتى بالنسبة للصناعيين فقد تمت إعادة جدولة ديون مؤسساتهم لكن من دون القيام بمسح للديون فضلا عما تم القيام به إزاء جزء من الفوائد المتراكمة في هذا الإطار. إن هذا المسعى يهدف في نهاية المطاف إلى إعطاء حيوية لهذه الكيانات، وبالتوازي مع ذلك هناك عقود النجاعة من أجل تحقيق أداءات أحسن. ألا تتعارض كل هذه العمليات مع طبيعة منطق النظام المصرفي القائم على المردود؟ ما أعلمه هو أن كل قرار تم اتخاذه، سواء تعلق بالمسح أو إعادة الجدولة أو تغطية جزء من الفوائد الماضية المتراكمة، لصالح الفلاحين أو المؤسسات العمومية أو الخاصة.. كل قرار تم تفعيله من طرف الدولة في هذا الإطار تم أولا من خلال مجموعة من المعايير الموضوعية للمستفيد وذلك تحت مراقبة هيئات الدولة نفسها، وثانيا هناك شرط تعهد الفلاح أو المؤسسة بأن ذلك ستكون له أثار اقتصادية في المستقبل بمعنى التعهد بأن الأداءات المستقبلية ستكون أحسن من الأداءات الماضية، وهذا حتى تضمن الدولة أن المسح أو إعادة الجدولة لا تكون بدون مقابل، وحتى تكون استثنائية في ظروف استثنائية، وتكون لها قيمة مضافة في المستقبل، أما كيف تعامل الفلاحون مع الموضوع بعد ذلك، فأهل مكة أدرى بشعابها. يتم الحديث أيضا عن استفادة فلاحين “مزيفين" من أموال الدعم الفلاحي وحتى من مسح الديون الذي تم منذ سنوات، ما هو تعليقكم حول الموضوع؟ أنا هنا لا أتكلم عن الفلاحين فقط، وأريد القول إن البنوك فيها أجهزة وآليات للرقابة، وفي كل البلدان فإن مسؤولية المقرض لهم تكون في المقام الأول سواءا كان فلاحا أو صناعيا، إن مسؤولية القرض، أولا وأخيرا، تقع على المقرض له، كما أن هذه الآليات التي تكلمت عنها مرت من المرحلة اليدوية إلى المرحلة الأوتوماتكية، إن جاز التعبير، وذلك من خلال بداية استعمال الإعلام الآلي، والبنك لديه باستمرار واجب اليقظة الذي يعني أن تتأكد البنوك، مركزيا ومحليا وباستمرار، من استمرار نشاط المقرض لهم، ولمجرد أن مقرضا ما لا يوفي بالاستحقاق، هناك إجراء من جانب البنك يقول له لماذا ؟ وثانيا هناك مسألة تصنيف القروض على غرار ما يعرف بالقروض المريضة، حيث تصنف جميع الالتزامات نحو البنوك.. إن هذه الإجراءات تتم في البنوك ولكن المسؤولية تبقى على المقرض له، والقروض التي لم تدفع قلّت قياسا إلى نظيرتها الماضية ولكن ما زال هناك عمل بخصوص النشاط - يعني الاقتصادي - من أجل تحسين أدائه بشكل عام، وهذا الأمر ينطبق على الاقتصاد الوطني عموما. ومن الضروري التأكيد على أنه في المستقبل، وبعد تدخل الدولة، لا بد من الاستمرار في الحوكمة وتسيير أحسن.