ما زال البعض في المشرق العربي يسمون شهر مارس ب “آذار الهدار"، لما يمارسه الطقس من تقلبات تهب على الطبيعة فتصيبها بأضرار، لا يسلم الإنسان منها. عندما قررت الأوروبية مطلع القرن العشرين، أن تجد لها مكانا في الشارع والحياة العامة لمجتمعها، كانت مثل الريح الهدار، الذي أيقظ أوروبا الناعسة من نومها المخملي. ساعتها لم يكن أحد يتوقع من صاحبات الفساتين العريضة، أن تنسج ربيعا نسائيا بحق، لم يخدم الأوروبيات وحدهن، بل كل من جاءت بعدهن في كل أصقاع العالم. اليوم تحيي الجزائر بدورها المناسبة، من باب التزامها بأجندة دولية، تبقيها في مصف الأمم المحترمة للقوانين الدولية. في بلادي تحول “اليوم" إلى “عيد"، وفي الحالتين هو مناسبة لا تخلو من الأسى والخيبة. ولا نعرف بأي عصا سحرية، أصبحنا نتبادل التهاني في كل الثامن مارس، ونتمنى لبعضنا البعض “كل عام وأنت بخير العقوبة العام الجاي"! تماما مثل تهنئة عيدي الفطر والأضحى؟ قدوم “العيد" يقتضي “بهرجة" خاصة، وحصريا تتحول نساؤنا إلى دمى تطلق العنان لكحلها وأحمرها، وتلبس فساتينها المرصعة بحجارة مزيفة، وكعبا عاليا يشعرها بأناقة ظرفية بعمر ظهيرة، تمنحها لهن “رسميا" دولتنا الكريمة؟ الوردة الحمراء التي تحملها الجزائرية، لا تشبه تلك التي رفعتها المناضلات الأوربيات في وجه ديكتاتورية الرجل. رغم سعرها المحموم، وردة الجزائر بلا رائحة، وقد تتحول الى بلاستيك حينما يزداد الطلب عليها. بأعجوبة يصير هذا المخلوق الطبيعي “قبيحا"، في يد نسائنا وهن يستعجلن الخطوة صوب المطاعم، حيث تنتظرهن أطباق لن تسد جوعن الأبدي. اخترعت الإدارة الجزائرية (مجالس بلدية وولائية، دور ثقافة وشباب، مؤسسات عمومية...) عقارا مثاليا للنساء في هذا اليوم، بلا مضاعفات جانبية، ومفعوله سريع للغاية، ولتقديمه للجميع، تفتح قاعات للحفلات الآفلة، ويقرر باسم ميزانيات خاصة، إغراق الجزائريات في بحر بشري يصبح كل موسم محط استغراب بين الرجال.. في تلك القاعات ترقص السيدات والأوانس على إيقاع “سانتي" بليد تطفل على الآلات العتيقة والأصلية، فسرق منها السحر الآسر. ظهيرة لا تخلو من الزيف، من التظاهر، من استمتاع “منتهي الصلاحية"، بمجرد اقتراب اذان المغرب.. أصلا لا تملك “سيداتنا" حظ سندريلا لبلوغ منتصف الليل. حفل الشاب يزيد الذي يلوح هلاله في السماء منذ الشهر الثاني من السنة، طالبا استعداد جيوش “النون" لغزو فضاءه، ينتهي لا محالة، بإصابة المئات بضربة برد تقصم الظهور، بعد سويعات من التعرق الإرادي، ورد فعل طبيعي لأجساد احترفن الرقص المجنون، بمناسبة يوم عالمي، في جزائر لا علاقة لما يحدث في شوارعها بعالمية النساء الواعدات والمتقدمات؟