«يقوم نظام منتسوري على أقل تدخل من المدرس، وأكثر حرية للتلميذ، وأكبر كمية من النشاط التلقائي والإرادي في شكل ألعاب مقصودة لتدريب مهارة معينة أو تعلم حقيقة من الحقائق أو واقعة اجتماعيه". (عبد المنعم الحفني، موسوعة أعلام علم النفس/ 354). توجهت منتسوري في طريقتها إلى التعليم المركز حول التلميذ وإعطائه كل الحرية في استعمال قدراته قصد الكشف والإلمام بها ومن ثم تطويرها وتنميتها وذلك بتدخل طفيف ومركز من المعلم، “تعتمد منتسوري على عملية تدريب الحواس وتنميتها بغية الوصول إلى تربية فكرية، ولا يمكن تنمية القوى والقدرات العقلية المختلفة إلا عن طريق الحواس المتدربة والقادرة على التمييز والتصنيف والاستنتاج". (موريس شربل، 1991/ 230). كما ترى أن أهم واجبات التربية الحديثة هي تنمية قدرات الطفل الاجتماعية وهي في هذا الاطار تحذر من انعزال الأسرة عن الروضة وضرورة العمل المتكامل بينهما قائلة “إن ما يجب الكشف عنه هنا، هو التقدم التربوي الذي حققه ووصل إليه “بيت الأطفال" كمؤسسة. ومن لديه خبرة وتمرس بالروضة وبالمشاكل التربوية الرئيسية التى تتعلق بها، يعلم جيدا كيف أن التناسق في الأهداف التربوية بين الأسرة والروضة يعد واحدا من المبادئ الهامة والرئيسية". (ميريلا كياراندا ترجمة فوزي عيسى وحسن عبد الفتاح، 1992/ 95). وتؤكد منتسوري على ضرورة توفير بيئة مناسبة للطفل تحترم ضعفه وتساعده على النمو السليم والتطور نحو الجيد وهذا كون الطفل رجل المستقبل، وتقول منتسوري في هذا الصدد “إذا كان هناك أمل في العون والإنقاذ، فلا بد أن يأتي هذا الطفل بهذا العون وذاك الانقاذ... لأن الطفل هو صانع الرجل وبانيه" (نفس المرجع السابق :96)، لقد استخدم هذا المنهج في جميع أنحاء العالم ومازال يستعمل إلى حد الآن، وتعتبر رياض الأطفال والمدارس التي تستعمل هذا المنهج من أنجح المدارس وهذا إنما يدل على مصداقية هذا المنهج ومبادئه السليمة. المبادئ العامة لطريقة منتسوري إنطلقت منتسوري من فكرة التركيز على التلميذ في طريقة تقديمها للمادة التعليمية واضعة مجموعة من المبادئ التى تهدف إلى تحقيق هذه العملية، منها مبدأ إعطاء الحرية للطفل في اختيار الوسائل التعليمية التى يرغب فيها، هذه الوسائل التي عنت بإعدادها بمختلف الأشكال والألوان من أجل جلب انتباه الطفل وإثارة اهتمامه وتنمية غريزة البحث والتعرف والاستكشاف كما عنت بالحواس فعنت بتربيتها تنميتها كونها، حسب منتسوري، الأساس في عملية التعلم التى انطلقت فيها من الجزء إلى الكل بمعنى تربية كل حاسة على حدى. بالإضافة إلى ذلك، وكما ذكر سابقا، فإن منتسوري حاولت اتباع مناهج التربية الحديثة القائمة على الطفل أساسا والابتعاد عن ما كان معروف من قبل، والمتمثل في تلقين الطفل المادة التعليمية جاهزة بدون فتح المجال لأرائه وتفكيره وقدراته وبذلك كان للعب دورا هاما في طريقة منتسوري وأحد مبادئها الأساسية في التربية. كما تؤكد على ضرورة حسن اختيار اللعب المقدمة إلى الطفل وأن نقدم له اللعب التى تساعد في تنمية ذكائه والتى يمكنه استغلالها في تعلمه، وتؤدي إلى ارتقائه الروحي. وهذا حسب طبيعة كل فرد واستعداداته. فلسفة منتسوري إن كل طفل له شخصيته الخاصة ومميزاته التي يختلف بها عن غيره من الأطفال، وبالتالي فإن طريقة تعليمه تختلف عن طريقة غيره وعلى هذا، فإن فلسفة منتسوري، جاءت على أساس التعليم الفردي للأطفال وكانت معظم نشاطاتها تتماشى مع هذا الأساس. وأعطت منتسوري، قيمة كبيرة للحواس كونها الوسائل التي يتعرف بها الطفل على بيئته ويتصل بها، ومن أجل هذا قامت بإعداد برامج تسهم في تنميتها وتقويتها. كما عملت على إعداد حرية للطفل في اختيار نوع وطريقة تعليمه وأن يكرر الطفل النشاط حتى يتعلمه. ويبدو من فلسفة منتسوري في التعلم أنها ارتقائية، تأخذ بمذهب التطور والارتقاء، وأيضا فإن أهدافها من التربية تتصادم بشدة مع ما كان يؤكد عليه دارون من تأثير الوراثة، وكانت البيئة عندها هي كل شيء. وأيضا فإن ما كانت تؤمن به يتعارض مع ما تدعو إليه بعض مدارس علم النفس في النصف الأول من القرن العشرين، كالمدرسة السلوكية التى تفسر السلوك باعتباره استجابة متعلمة لمثيرات معينة، وتقنن الاختبارات لقياس الذكاء على أساس أنه ثابت. وكانت مدرسة التحليل النفسي تقوم على فكرة الغرائز الثابتة أيضا، وهذا الثبات مقولة تتعارض مع فلسفة منتسوري التى ترفض الاقرار بوجود محددات للشخصية وسلوكيات جنسية لا يمكن أن نحيد عنها. ولم يكن يتفق مع فلسفة منتسوري إلا ما كان جون ديوى يدعو إليه مما اسماه “التربية المتدرجة" (عبد المنعم الحفني/ 358) كيف ترى منتسوري المعلمه ترى منتسوري أن وظيفة المعلمة تنحصر في كونها مشرفة على الطفل، ولهذا يجب عليها أن تتخلى عن كل ما لديها من سلطة وأن تكون ذات مواهب ومهارات متعددة، مقتنعة بالعمل الذي تقوم به حتى تقدم فيه ما تستطيع ويتسنى لها التأقلم مع كل أوضاعه، فالصبر والحلم من أهم الخصائص التي نادت منتسوري بضرورة تواجدها بالمربية وفي هذا الصدد تقول: “يجب على المعلمة -حسب رأيي- أن تكون صابرة حليمة أكثر من كونها نشيطة. وسيكون صبرها مشتملا على فضول علمي وعلى احترام الظاهرة التى تريد ملاحظتها ومراقبتها"، (نفس المرجع السابق/ 92). وهذا من أجل مساعدة الطفل على التطور والتعلم واحترام قوانين هذا التعلم معتمدا في كل ذلك على نفسه، ووظيفة المربية ليست في حقيقة الأمر سهلة كما تبدو، فهي مطالبة بتوجيه الطفل وحسن تعليمه ودفعه لاحترام النظام والقيام بالأعمال المطلوبة منه، فالطفل مطالب بالقيام بأعمال واحترام النظام وفي هذا الصدد يقول الدكتور موريس شربل “مع أن الطفل يفعل ما يشاء ويعمل بحرية، إنما يقف عندها فعله وتنتهي إليها مشيئته، فهو مطالب بوضع الاسطوانات في الأمكنة المحددة لها والألواح الملونة حسب ترتيبها ويتعلم الأعداد الأولى بالقضبان الخشبية كالسلم وينظم كل الأشياء حسب أصول معينة. ففي حين تنادي بالحرية فهي تحد من تلك الحرية بالترتيبات الخاصة والنظام الخاص والمراقبة الخاصة، أو المرشدة التي تقف وراء التلاميذ وإرادتهم وإن لم تظهر إلا نادرا"، (موريس شربل،1991/ 233). وكل هذا دون أن تمس بالمبدأ الذي نادت به منتسوري وهو إعطاء كامل الحرية للطفل، ولهذا يجب أن يكون هذا التدخل بطريقة مدروسة، إذ يجب علينا أولا تهيئة الطفل لاستقبال الاوامر حين إصدارها وطاعتها، وأن تكون هذه الاوامر مقدمة بطريقة لا تضع الطفل في موقف الضغط، وفي هذا تقول منتسوري “فلنحاول -بحذر ودون أن يشعر الطفل أو يدرك- توجيه نشاطه" (ميريلا كياراندا، ترجمة فوزى عيسى وحسن عبد الفتاح، 1992/ 93)، وتعرف منتسوري المعنى الدقيق للطاعة بأنها “نظام طبيعي من هذا النوع يبدو أنه يتجاوز الأشياء القريبة، وتظهر كخاصية لنظام شامل يحكم العالم. وكل إنسان لديه الانطباع أن أى نظام آخر يجب أن يقوم على هذا النظام الطبيعي، كما هو الحال بالنسبة للنظام الاجتماعي"، (نفس المرجع/ 94). كما توصي المشرفة بضرورة الحذر من الفهم الخاطئ للطفل، وقد ذكرت أنها شاهدت ذات مرة في حديقة عامة بروما طفلا جميلا ضاحكا عمره نحو ستة ونصف سنوات، يحاول أن يملأ دلوه الصغير بالحصى، وكانت بجانبه مربية حسنة الرداء، يلوح عليها أنها تحب ذلك الطفل وتعنى به كل العناية، فلما حان موعد الذهاب إلى المنزل سألته مرارا أن يترك عمله، كي تضعه في عجلته الصغيرة، فلم يتأثر ذلك الطفل الصغير بأوامرها، فملأت الدلو بالحصى ووضعتها في العجلة، معتقدة كل الاعتقاد أنها قامت بما اراد فأخذ ذلك الطفل يبكي ويصيح، وظهرت على وجهه الصغير علامات الاحتجاج ضد العنف والشدة والظلم. لقد غاب عن تلك المربية أن تألم الطفل لم يكن من ملئ الدلو له أو من وضع الدلو في عجلته، بل كان من سوء معرفتها لغرضه، الطفل لم يرد أن تقوم مربيته بملئ الدلو، بل أراد أن يقوم بذلك، ليقنع نفسه به وينفذ ارادته ويمرن عضلاته على الحركة ويعود عينيه تقدير المسافات، ويشغل ذكاءه بالتفكير فيما لديه من أعمال. هذا هو غرضه الذي لا يشعر به ولا يدركه، ولا يمكنه التعبير عنه. وقد أساءت المربية فهمه، ولو ترك يملأ الدلو بنفسه لا أفرغها ثانية، فلم يكن غرضه ملء الدلو بالحجارة، بل إقناع نفسه وإرادته وطبيعته المحبة للحركة، فوقفت المربية عائقا بينه وبين الطبيعة. تلك المأساة الصغيرة التي تحملها هذه الحكاية، ما هي إلا رمز للمأساة الكبيرة في التربية، تلك المأساة التى يمثلها القائمون بأمر الطفل المسكين في البيت والمدرسة فيخطئون في فهمه، ويضحون به في سبيل جهلهم بالطفولة وميول الطفل. وحري بهم ان يشفقوا عليه، ويتفاهموا معه، ويشاركوه شعوره، ويدركوا أنه يحب الحركة والعمل، والنشاط واللعب لينمو بدنه وعقله. هذا وإن الجهل بالطفولة وعواطف الطفل وغرائزه ورغباته ونظراته كثيرا ما يؤدي إلى شقائه، لسوء فهم أغراضه فيجب على المربين أن يدرسوا الطفل ويعرفوه معرفة حقه، كي لا تموت نفسه، وتضعف إرادته، وتقتل آماله، فإن في ذلك القضاء على شخصيته. (محمد عطية الأبراشي روح التربية والتعليم/ 112-113)، كما توصي بضرورة الصبر على الطفل وتجنب الاحباط في سبيل حسن تعليمه فالتكرار أحد المبادئ التي ركزت عليها منتسوري وهذا من قبل كل الأطراف المحيطة بالطفل وبيئته وفي هذا الصدد تقول منتسوري في كلمة لها للأم: “إنك تتوقعين أن يكون طفلك أكثر مهارة من غيره في عمل بعض الأشياء وحين تبدئين قد يبدو لك أن طفلك لم ولن يدرك ما تطلبينه منه أبدا ولكن لا تفقدي العزم والهمة والمثابرة، لأن ذلك أخيرا يأتي بالنتائج الطيبة"، وهذا ما لمسته هي في تعليم ابنتها ربط شريط حذائها حتى اتقنته أخيرا، وترى بأنه ينبغي أن يكون الهدف الرئيسي هو غرس الوعي والرغبة عند الأطفال في الاكتشاف، بدلا من مجرد التعليم السطحي وحتى ما تم من ذلك في السنوات الأولى فإنه سيبقى مع الطفل مدى الدراسة بل مدى الحياة.