استحدثت المنظومة التربوية طورا تعليميا جديدا، يتعلق بالأطفال البالغين من العمر خمس سنوات، بغرض تأهيلهم وإعدادهم للدخول المدرسي.. حيث يتم خلال المرحلة التحضيرية تعليم الطفل من خلال اللعب، لكن ذلك يتم في المدرسة.. وتؤدي روضة الأطفال وبعض الجمعيات وحتى المساجد دورا مماثلا منذ زمن، إلا أن ما يميز هذا الطور الذي تم استحداثه هو أنه مجاني وسيصبح إلزاميا على كل طفل بلغ سن الخامسة في السنوات المقبلة.. حيث يتم إخضاع الطفل لبرنامج تربوي تأهيلي حتى يتمكن من استقبال الدخول المدرسي وقد تعود على القسم والمعلم وأجواء الدراسة، ولكن السؤال الذي يطرح في هذا الخصوص، هو هل ينبغي للأستاذ بالطور التحضيري أن يكون ملما ببعض الجوانب الخاصة بحياة الطفل، خاصة النفسية، أم أن التجربة بالميدان كافية حتى يتم التحكم في الطفل خلال هذه المرحلة العمرية، والتي على أساسها قد يحب الطفل المدرسة أو ينفر منها وبالتالي يرفضها؟ يزداد الاهتمام بالطفل في الجزائر سنة بعد سنة في المجال التربوي والتعليمي، فبعد العمل الذي كانت ولا تزال دور الحضانة تقوم به إلى جانب الجمعيات وبعض المساجد، والذي يدخل في إطار تهيئة الطفل وإعداده حتى يتمكن من استقبال الموسم الدراسي من دون متاعب، أي بدون رفض للمدرسة والخوف من المعلم والهروب من القسم وغيرها من المشاكل... تم إقرار ما يسمى بالطور التحضيري الذي يرتقب أن يصبح إلزاميا على جميع الأطفال ذوي الخمس سنوات... لكن ما لاحظناه من خلال استطلاع حول الموضوع، أن الحظ لم يكن حليف كل الأطفال الذين بلغوا هذه السن للالتحاق بهذا الطور... وفي هذا الخصوص، يقول مدير بإحدى الابتدائيات التي زرناها في إطار بحثنا الاستطلاعي رفض الكشف عن هويته " تنبغي الإشارة أولا إلى أن المؤسسة التعليمية غير ملزمة باستقبال أطفال الطور التحضيري، ذلك لأن الأولوية تعود إلى الأطوار الأخرى، لاسيما مع الاكتظاظ الذي تشهده المؤسسات.. لذا ينبغي البحث أولا إن كان بالمؤسسة قسم شاغر حتى يتم استغلاله لهذا الغرض. ومن جهة أخرى، وحتى وإن وجد القسم تتم دراسة طاقة استيعابه حيث ينبغي أن لا يتجاوز العدد بالقسم 25 طفلا". وحسب ذات المتحدث، فإنه تم كمرحله أولية إعداد برنامج لهذه الفئة من الأطفال من وزارة التربية يقوم على دروس تتناسب وأعمارهم، ومن بينها مبادئ القراءة والتلوين والموسيقى والتعبير والكتابة... وذلك في ظرف زمني يمتد من الساعة الثامنة صباحا إلى غاية الساعة الحادية عشر ونصف، ليعودوا مساء من الساعة الواحدة إلى الساعة الرابعة. ويشير مدير المدرسة، إلى أن انتقاد طول مدة الدراسة في هذا الطور غير مبرر "لان الأطفال يتعلمون وهم يلعبون وبالتالي لا يشعرون بمرور الوقت ويستفيدون مما يقدم لهم دون أن يشعروا بأنهم يدرسون كغيرهم من التلاميذ". أما بالنسبة للأستاذ، فيضيف محدثنا" تمت تهيئة المعلمين حتى يتولوا مهمة التعامل الجيد مع الأطفال في هذه المرحلة الحرجة، والتي على أساسها قد يحب الطفل المدرسة وقد يكرهها، ولهذا الغرض تم إخضاع الأساتذة لتربص دام ثلاثة أيام.. حقيقة أن المدة غير كافية ولكننا نعتمد عند اختيار الأستاذ الذي يشرف على الطور التحضيري على شرطي الأقدمية والكفاءة، إلى جانب تحلي المعلم بالصبر وسعة البال". ويسجل المدير أن الأطفال الذين جاؤوا من دور الحضانة كان التعامل معهم أسهل بكثير من الذين لم يدخلوا أي جهة تحضيرية تربوية من قبل، لذا، فإنه يرى أن الطور التحضيري يعد أفضل الحلول لتمكين كل الأطفال من فرصة تجنب المتاعب التي نشهدها عند كل دخول مدرسي لتلاميذ السنة الأولى. طول وقت الدوام يرهق أطفال الطور التحضيري من جانب آخر، ترى الأستاذة كريمة مدرسة بالطور الابتدائي، أن هذه المبادرة التي استحدثتها وزارة التربية لفائدة الأطفال من سن الخامسة، تستحق الثناء، ذلك لأنها تمنح لجميع الأطفال فرصة التهيئة والتحضير من اجل أن يتم إعدادهم للدخول المدرسي، خاصة لمن لم يسعفهم الحظ لدخول دور الحضانة أو بعض الجمعيات التي أصبحت تنشط في هذا المجال. وبخصوص البرنامج الذي سطرته وزارة التربية، أشارت إلى أنه يعتمد على إعداد الأطفال للسنة الأولى، أي أن المرحلة التحضيرية هي عبارة عن تحضير للسنة الأولى، ولهذا الغرض تم إقرار كتابين تربويين يعتمدان على التلوين والتخطيط والحساب، وبرمج نشاط في كل 25 دقيقة، أي بمعدل ثلاثة أنشطة صباحية تتخللها فترة للراحة ثم تليها الفترة المسائية. وفي رأي محدثتنا، فإن الوقت غير مناسب تماما للطفل في هذه المرحلة، إذ يمكن أن نكتفي بنشاطين فقط حتى نحبب الطفل في المدرسة وحتى لا يمل من البقاء مقيدا في مكان واحد طيلة الوقت، إلى جانب العمل على تدعيم الأقسام الخاصة بالطور التحضيري بالألعاب التربوية لتحفيز الطفل على المجيء بصورة يومية. وتقول في هذا الشأن " في الحقيقة كثيرا ما نعاني بسبب غياب التجهيزات الضرورية كالتلفزة لعرض الرسوم المتحركة والكراسي الصغيرة والألعاب التربوية وغيرها مما يجب أن يتوفر في حجرة تضم أطفالا". أما بالنسبة للتكوين، فترى الأستاذة كريمة، أنه في الحقيقة لا حاجة لتكوين الأستاذ الذي يتمتع بالأقدمية في المؤسسة حتى ينسجم مع الطفل، ذلك لأن المعلم في الطور الابتدائي قد تعود على الطفل وبالتالي فهو يحسن التعامل معه.. ولكن هذا لا يعني الاستغناء عن التكوين إن وجد، خاصة في الجانب النفسي للطفل، وهو أمر مهم حتى يتسنى للمعلم فهم الطفل أكثر. من جهة أخرى، ترى أن الهدف من الطور التحضيري هو إحداث الانطباع الجيد وترك الأثر الحسن عند الطفل حول المدرسة، لأن الطفل في هذه المرحلة يكتسب العديد من المعارف، وللمعلم دورا كبيرا في غرس الانطباع الجيد في نفسية الطفل. دور الحضانة تدعم تعميم هذا الطور وبالنسبة للأستاذ حاج علي مسير المواد البشرية بالمؤسسة العمومية لتسيير المنشآت قبل الدخول المدرسي "بريسكو"، فإن تهيئة الأطفال للدخول المدرسي يتطلب مساعدتهم على تقبل هذا العالم الجديد. ويعد الطور التحضيري أفضل الحلول لاسيما بعد أن يتم تعميمه، حيث يصبح كل من بلغ سن الخمس سنوات ملزما بالدخول إلى المدرسة.. أما بالنسبة للمعلم فيشترط فيه أن يكون جامعيا إلى جانب خضوعه للتكوين في الجانب النفسي للطفل، وذلك حتى يحسن التعامل مع الطفل الذي يتميز في هذه المرحلة الحساسة من عمره بالعديد من الصفات، كالأنانية والغيرة وحب التملك وحتى الرغبة في عدم مفارقة الأولياء. ويشير المتحدث إلى أنه حتى بعد أن يتم تعميم الطور التحضيري على كل المؤسسات التعليمية، فإن العمل الذي تقوم به دور الحضانة لا يزول، بل يعمل على تدعيم الطور التحضيري من خلال تطبيق نفس البرنامج، وبالتالي يساهم في التخفيض من الضغط الواقع على المؤسسات التعليمية. وللجمعيات دور في تحضير الطفل للمدرسة تساهم الجمعيات هي الأخرى في تحضير الأطفال للدخول المدرسي وفق برنامج خاص بها، ومن بينها جمعية "الأم الناجحة" التي تنشط بالعاصمة.. وفي لقاء مع "المساء"، كشفت السيدة نادية مراقبة عامة بالجمعية، أن هذه الأخيرة تستقبل الأطفال من سن الأربع سنوات فما فوق، إلا أن العدد يحدد حسب المقاعد المتوفرة، حيث يتم دفع اشتراك حسب عدد الساعات و يتم الاحتفاظ بالطفل من الساعة الثامنة إلى غاية الساعة الثانية عشرة. من جهة أخرى، يشترط في المعلمة أن تكون جامعية فقط وليس هنالك أي تكوين تخضع له، بل يكفي أن تكون حنونة ومتفهمة للطفل في هذه المرحلة العمرية. أما عن البرنامج فتضيف المتحدثة، أنه في مجمله يغلب عليه طابع اللعب، إلى جانب تعليم الطفل الأذكار وقراءة القران وتعلم الحروف والأرقام والألوان، فضلا عن الكتابة. وتشير إلى أن الطفل ينبغي أن يتم إدخاله إلى دار للحضانة أو جمعية، وذلك حتى يتم إعداده للدخول المدرسي وتجنب كل الصعوبات والمتاعب التي تظهر على سلوك الطفل عند دخوله للمدرسة، وقد أثبتت التجربة أن الطفل الذي تتم تهيئته تكون نتائجه أحسن و يتكيف أفضل وبصورة أسرع من ذلك الذي لم يدخل مطلقا أية جهة تحضيرية. وأجمع كل الأولياء وخاصة الأمهات الذين تحدثنا معهم عن موضوع الطور التحضيري، على مدى سعادتهم بإقرار هذا الطور الذي يمكن أولادهم من اكتساب المعارف والتعود على المدرسة وعلى المعلم، إضافة إلى تكوين صداقات ومعالجة بعض المشاكل النفسية التي يعاني منها بعض الأطفال قبل أن يلتحقوا بالسنة الأولى... إلا أن ما أثار غضب بعض الأولياء، هو عدم قبول تسجيل أولادهم ممن هم في سن الخمس سنوات، بسبب الاكتظاظ الحاصل بالأقسام أو كون المؤسسة لا تملك حجرة فارغة حتى تخصصها لهذا الغرض، وبالتالي يطرح مشكل البحث عن مؤسسة تربوية أخرى قد تكون بعيدة عن المنزل، ليبرز بذلك مشكل آخر، وهو بعد المسافة والخوف على الطفل وبالتالي يحرم من الاستفادة من التعلم بالطور التحضيري، إلى جانب الحرمان من الدخول إلى الروضة أو الجمعية بسبب الأعباء المالية. الطور التحضيري ليس إلزاميا لحد الآن ولمزيد من التوضيح حول سياسة وزارة التربية الخاصة بالطور التحضيري، التقينا السيد سعيد بوشينة المدير الفرعي بوزارة التربية الوطنية، الذي أكد ل"المساء" أن الدولة رغبت في توسيع الدائرة التعليمية من خلال إلحاق الأطفال في سن الخامسة بالمؤسسات التعليمية قصد تحقيق عدد من الأهداف، أهمها المساهمة في تنمية شخصية الطفل وازدهارها ومساعدة الطفل على الاندماج والعمل على تهيئة الطفل للتكيف مع الوسط المدرسي.. لذا يقول محدثنا اتخذت العديد من الإجراءات لإنجاح هذا الطور التحضيري، والتي بدأت أولا بالمعلم إذ عمدت الوزارة منذ أكتوبر 2005 إلى إرسال استمارات إلى المعلمين عبر 48 ولاية لمعرفة الراغبين منهم في الإشراف على تعليم الأطفال بالطور التحضيري.. وأسفرت النتائج الميدانية عن إحصاء 18 ألف معلم يرغبون في ذلك، ولم تكتف الوزارة بهذا الإجراء، بل سعت إلى إخضاع المعلمين لتكوين متخصص ركزت فيه على عدة محاور أهمها، المحور النفسي للطفل، أي الجانب العقلي والجسمي والنفسي للطفل بغية تمكين المعلم من فهم الطفل ومعرفته معرفة معمقة. كما يتسنى للمعلم من خلال التكوين الاطلاع على المستوى التفكيري للطفل، إلى جانب ذلك التركيز عند تكوين المعلمين على الطريقة الصحيحة للتعامل مع الطفل، لاسيما ما يتعلق بأساليب التنشيط، وقد تم لهذا الغرض تدعيم المعلم بمناهج التربية التحضيرية وإرفاقها بدليل للمعلم. أما بالنسبة للحجرة المخصصة للطفل في الطور التحضيري، فقد أكد السيد بوشينة بأنها تخضع لنظام خاص، بحيث تختلف عن غيرها من الأقسام من حيث طريقة توزيع الكراسي والطاولات الصغيرة الفردية والجماعية، كأن تأخذ الشكل الدائري مثلا، إلى جانب تأثيث القاعات بالأثاث اللازم كالأجهزة السمعية البصرية وتوفير العديد من اللعب الترفيهية. وينبه المتحدث إلى أن الطور التحضيري ليس بالطور الإلزامي على الأقصى، ويرجح سن الخمس سنوات، بل يقع على عاتق الدولة مهمة تعميمه تدريجيا على جميع المؤسسات التربوية، من خلال توفير مقعد لكل طفل والذي "قد يتحقق على مدى الأربع سنوات القادمة". كما أشار مضيفا "هذا لا يعني أن كل طفل بلغ سن الخمس سنوات ملزم بالالتحاق بالمؤسسة التربوية، بل لأوليائه الاختيار في إدخاله إلى المؤسسة التربوية أو لدى الهيئات الخاصة التي تلزم بالعمل بعد تعميم الطور التحضيري بنفس البرنامج". وعلى العموم يضيف أنه تم للسنة الدراسية 2008 -2009، تسجيل 433 ألف طفل بالطور التحضيري على المستوى الوطني، أي انه تم تغطية ما يقدر ب 72 بالمئة من الأطفال. وحددت وزارة التربية طاقة استيعاب الحجرة بين 20 إلى 25 طفلا كحد أقصى، ويرجع هذا التحديد إلى كون التعامل مع الطفل في هذه المرحلة التي تسمى "بالمرحلة الحرجة" صعبا. من جهة أخرى، يضيف السيد بوشينة أنه إلى جانب التكوين، ينبغي للمعلم أن تتوفر فيه جملة من الشروط من بينها الميل والاستعداد للعمل مع الطفل والقدرة على تحمل الطفل الذي يتمتع بكثرة الحركة والسؤال، إلى جانب الاستمرار في المشاركة بالعمليات التكوينية المخصصة للطور التحضيري والتي انطلقت منذ أكتوبر 2005. أما بالنسبة لوقت الدراسة، فيؤكد أنه لا يرهق الطفل لأنه وضع من طرف لجنة متخصصة مكونة من مربين وأخصائيين.. كما أن للمعلم الحرية الكاملة في تحديد كيفية توزيع الأنشطة المختلفة للطفل، بحيث لا يتم تقييد المعلم الذي يمنح بدوره للأطفال حرية اختيار النشاط الذي يرغبون فيه حتى لا يشعروا بأنهم يدرسون، بل يتم إشعارهم بأنهم يلعبون. وللإشارة، فقد نبه المتحدث إلى أن الطور التحضيري لا يعد طورا تكميليا للسنة الأولى، بل هو عبارة عن طور تحضيري فقط، يتم من خلاله مساعدة الطفل على التعود والتأقلم مع المؤسسة التعليمية، ومعالجة كل المتاعب التي تظهر على الطفل الذي يلتحق بالمؤسسة التعليمية لأول مرة.