أعاد كابوس اختطاف وقتل الأطفال في الجزائر النقاش حول تطبيق قانون الإعدام إلى الواجهة، وحادثة مقتل الطفلين ابراهيم وهارون في قسنطينة وما أعقبها من مظاهرات للسكان المفجوعين سرت تبعاتها مثل النار في الهشيم بين مواطني قسنطينة وغيرها من الولايات الأخرى، وعلى نحو جعل العديد منهم يطالبون ب«القصاص". وفي الواقع فإن عقوبة الإعدام لاتزال موجودة في قانون العقوبات الجزائري، رغم أن منظمات وطنية ودولية عاملة في مجال حقوق الإنسان طالبت مرارا بإلغائها لاعتبارات تحسن هذه المنظمات الدفاع عنها، ولكون الاتجاه الدولي الحالي هو في صالح إلغاء هذه العقوبة أو وقف العمل بها على الأقل بالنسبة للدول التي تزال تحتفظ بها في قوانينها. ويشمل قانون العقوبات الجزائري عددا من الحالات التي يتم فيها الحكم على المجرمين الذين تثبت إدانتهم من طرف القضاء بالإعدام، منها ما يتعلق بالخيانة والتعاون مع دولة أجنبية قصد حملها على القيام بأعمال عدوانية ضد الجزائر، فضلا عن حالات أخرى تتعلق بالقتل العمدي وقتل الأصول والأطفال، والتسميم والتعذيب، وصولا إلى الأعمال الإرهابية التي تمس بأمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية. وفي الواقع فإن الذين خرجوا في قسنطينة بعد مقتل الطفلين هارون وابراهيم، كان هدفهم الضغط من أجل تطبيق هذه العقوية الموجودة أصلا في قانون العقوبات الجزائري، بعدما أوقفت السلطات العمومية تنفيذها عام 1993 لأسباب قيل حينها أنها تتعلق بالضغط الكبير الذي مارسته منظمات دولية في مجال حقوق الإنسان في هذا الاتجاه. وكانت آخر حالات الإعدام التي نفذت في بلادنا تلك التي شملت، في تلك الفترة تقريبا، متهمين في تفجير إرهابي ضد مطار هواري بومدين بالعاصمة، حيث لم تنفذ بعدها أي إعدامات أخرى. أما أول عملية إعدام في تاريخ الجزائر منذ الاستقلال فكانت تلك التي شملت العقيد شعباني سنة 1963. ويسوق المحامي ورئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، نورالدين بن يسعد، عدة اعتبارات في اتجاه عدم العمل بهذه العقوبة. ومن هذه الاعتبارات أن عقوبة الإعدام هي عقوبة لا رجعة فيها ويتم تطبيقها عموما وبكثرة على المهمشين والمنحدرين من أقليات عرقية، إثنية أودينية، ومرضى نفسيا، وذلك فضلا عن كون العدالة التي تصدر هكذا أحكام ليست بمنأى عن الأخطاء، وأنه تم فعلا في حالات عبر العالم تعرض أبرياء إلى عقوبة الإعدام. والمتعارف عليه في بلادنا أن الإسلاميين هم أكثر المدافعين عن الإبقاء على الحكم بالإعدام وتنفيذه على “عتاة “ المجرمين، وحجتهم الأساسية في ذلك أن تنفيدها سيجعل المجرمين المفترضين يتراجعون عن تنفيذ جرائمهم بعد التفكير فيها، فضلا عن كونه يجنب تفجر مشاعر الانتقام الشخصي، وهو ما قصدته عموما الآية القرآنية الكريمة {ولكم في القصاص حياة}. ويذهب حملاوي عكوشي، الأمين العام الحركة الإصلاح الوطني، في سياق دعوته إلى تغليظ العقوبة على قتلة الأطفال، إلى المطالبة ب«صلب و تقطيع أطراف قتلة الأطفال"، وهي عقوبة ورد ذكرها في الكتاب الكريم إزاء المفسدين في الأرض. أما عبد الرزاق ڤسوم، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فهو يؤكد بقوله “نحن مع إلغاء الإعدام ولكن إذا طالبنا ببقائه فإن ذلك ليس على نحو مطلق"، على اعتبار أن هناك تفاصيل في الموضوع، كما يقول. لقد جمعت “الجزائر نيوز" تصريحات المدافعين عن إلغاء العقوبة وعدم تنفيذها على الأقل، وكذا آراء وتصريحات المدافعين ليس فقط عن إبقائها في قانون العقوبات الجزائري ولكن تنفيذها في الميدان أيضا. وبين هؤلاء وأولئك، هناك من طالب قبل كل شيء في كل الأحوال بفتح نقاش عميق حول الموضوع نظرا لخطورته كمسألة شديدة الحساسية في واقع الجزائريين.. نترك للقراء التمعن في هذه الآراء.