- صور وفيديوهات لشهادات حية وتقرير خبرة يكشف المستور - إحدى المريضات ماتت صعقا بالكهرباء وخرج آخرون بحروق بليغة - "مصطفى باشا": أغلقنا القاعات غير الصالحة ومؤسستنا تتعرض لتشويه السمعة.. في هذا التحقيق لسنا بصدد الحديث عن الأخطاء الطبية الشائعة عن مؤسساتنا الصحية، والتي تكاد تظهر عادية من كثرتها، بل نحن بصدد الحديث عن تعمد أطباء وإدارة أكبر مستشفيات البلاد، تعريض حياة المرضى لخطر الموت من خلال إخضاعهم لعمليات جراحية في قاعات ممنوع مزاولة العمل بها، لوجود تقارير خبرة تقنية، تؤكد تدهور تجهيزاتها الكهربائية، التي تعرض حياة الطواقم الطبية والمرضى للموت المباشر، مثلما حدث قبل سنوات.. لكن بالرغم من اطّلاع أعلى الهيئات الطبية على الملف، إلا أن العمليات استمرت في تلك القاعات.."قاعات الموت".. وما يجعل الأمر من أشنع وأفظع صور التلاعب بأرواح المرضى، هي الأسباب التي ستكتشفونها في هذا التحقيق.. أن لا تجد ما تُقطّب به جرحك في مستشفى “مصطفى باشا"، ربما “أمر عادي" بالنظر إلى حالة مستشفياتنا الحديثة.. وألا تجد من يُسعفك في مصلحة الاستعجالات، قد يبدو أيضا “أمرا عاديا".. وأن يقول لك مثلا، طبيب يستعد لمغادرة مقر عمله قبل انتهاء مناوبته بساعة أو نصف الساعة، عليك انتظار الطبيب المناوب ليفحصك، فهذا أيضا قد يبدو عاديا في أذهان الجزائريين، المتعلم منهم والأميّ.. لكن هل غض الطرف عن كل ذلك والرضى بأدنى الخدمات وبأسوإ الكيفيات، يحمل أطباءنا على الاستخفاف والاستهزاء بأرواح المرضى؟ أليس الطبيب هو صاحب أنبل مهنة في تاريخ المهن، يُفترض ألا تشوبها شائبة حتى لو فسدت الأرض وما عليها!. لقد تعرّفت قبل أقل من أسبوعين وبالمصادفة على السيدة زروقي، مديرة التخطيط بوزارة الصحة. كنا بقاعة “مطار هواري بومدين" الشرفية ننتظر الطائرة، التي كانت ستقلنا في مهمة عمل مع الوفد الحكومي إلى وهران؛ حيث كانت آخر زيارة للوزير الأول عبد المالك سلال.. انزعجت السيدة زروقي كثيرا من نظرتي ونظرة بعض الزملاء إزاء وضعية مستشفياتنا، وبالرغم من أنها قبلت على مضض روايات بعض الأحداث، التي وقعت في المصحّات، إلا أنها كانت في كل مرة ترد علينا في حديثها أن تلك النقائص تبقى نسبية “بالنظر إلى الإرادة الطيبة والكبيرة في النهوض بمستشفياتنا".. وأردت الاستئثار بختم الحديث المثير والطويل والمثمر، الذي جمعنا بها بسؤال.. كون طائرتنا كانت قد وصلت إلى مدرج الركوب.. أيُ المستشفيات الجزائرية في نظرك، الأكثر مردودية وصرامة في العمل بالجزائر؟ لم تجد السيدة زروقي مستشفى واحدا تخصه بهاتين الصفتين، مبررة أن عمل المصالح والأقسام يختلف من مستشفى لآخر وبالتالي يصعب ترتيب المستشفيات.. وطبيعي أن تقول لك مثل هذا الكلام، طبيبة ومديرة مركزية بوزارة الصحة، لكن لو تسأل أي جزائري عن المستشفى، الذي يعتقد أنه الأهم في البلاد من حيث الامكانيات والخدمات الاستشفائية، قد يجيبك بلا تردد أنه مستشفى “مصطفى باشا الجامعي".. هذه المصحة التي يصفها الفرنسيون بأنها “مدينة داخل مدينة"، هي في الواقع اليوم، مرتع لفضائح يندى لها الجبين.. لماذا هذا الحكم القاسي؟ لأن التحقيق الذي قادنا إلى المستشفى وما سمعناه على لسان أحد أكبر المسؤولين فيها، لم يدع لنا أي مجال للشك في أن ملف إخضاع مرضى لعمليات جراحية في قاعات ممنوعة.. هو أعلى درجات الإهمال والتسيّب والاستخفاف بأرواح الناس.. لعلّ قسم الجراحة في أي مستشفى هو القسم الأكثر أهمية وحساسية، ليس لأن الأقسام الأخرى أدنى درجة، بل لكون قسم الجراحة، البارومتر الذي تُقاس به سمعة المستشفيات.. فكثيرا ما كانت العمليات بأقسام الجراحة مادة إعلامية لأكبر العناوين والتلفزيونات عبر العالم، سواء للنجاحات التي تتحقق بداخلها أو بأخبار إخفاقاتها في المجال ذاته.. ولكم سعدت البشرية بنجاح عمليات نادرة أعادت الأمل للملايين عبر أصقاع الأرض.. حاليا في مستشفى “مصطفى باشا"، ساعة الحصيلة متوقفة عند الفضائح.. في أفريل 2012 حلّت بمستشفى “مصطفى باشا" -وبطلب من إدارته- المؤسسة الوطنية للمطابقة والمراقبة التقنية لتبحث في حالة غير عادية للتجهيزات الكهربائية وقاعتي عمليات بقسم الجراحة (الجناح ب).. كان حلول المؤسسة الوطنية بالمستشفى “الأكبر ومفخرة الجزائر"، قد أعقب شكاوى وتنديدات شفوية لأطقم طبيّة عديدة، يتم برمجة إشرافها على عمليات جراحية بالجناح المذكور. مصدر تلك التنديدات كان تعرض الكثير من أفراد الأطقم الطبية إلى الصعقات الكهربائية فور ملامستهم للنواقل المرتبطة بالأجهزة الطبية الكهربائية، واستمرت هذه الوضعية لعدة سنوات بالرغم من أن مصادر “الجزائر نيوز" تروي بأن إحدى المريضات قضت نحبها بالقسم ذاته بعد تعرضها لصعقة كهربائية، وهو ما أكده مسؤول كبير كما ستقرؤون تعقيبه لاحقا في التحقيق. وكان حلول المؤسسة المختصة في المطابقة والمراقبة التقنية أملا كبيرا بالنسبة للأطقم الطبية، التي تزاول عملها بالقاعتين الواقعتين في الطابق الثالث من قسم الجراحة، بينما كان المرضى يتداولون على القسم بشكل عادي ويخضعون لعمليات جراحية هناك من دون أن يسمع أحد بالجدل الإداري الحاصل حول تلك القاعتين.. لكن بالرغم من أن المرضى لم يكونوا مكترثين، وهذا طبيعي لأن حالاتهم الصحية أكبر مما يجعلهم يعيرون اهتماما بما يدور في الإدارة، كانت الطواقم الطبية حسب شهادات حية لمرضى استمعت إليهم “الجزائر نيوز" وتحوز على ما يُثبتها، تُسجل في كل مرة تعرض مريض مرّ على إحدى القاعات إلى حروق غير عادية على قفى وظهور المرضى بعد الفراغ من العمليات الجراحية وتحويلهم إلى قاعات الإنعاش أو إلى أسرّتهم بالغرف.. كانت تلك الحروق آثارا للكهرباء التي كانت تحرق جلودهم وهم تحت تأثير التخدير.. كانت المخاطرة كبيرة بجعل مرضى يخضعون لعمليات يحاصرهم الموت فيها من كل مكان، بدءا بالمرض أو العلة التي أدخلتهم المستشفى وانتهاء بحادث محتمل يعرّض المريض لصعقة كهربائية قد تودي بحياته. ماذا يقول تقرير الخبرة؟ التقرير الذي حرر في ماي 2012 بعد عمل تقني أجري في أفريل من العام ذاته، يقول أنه تم تسجيل مرور تيار كهربائي أرضي ومحايد من خلال التجهيزات ب 2.26 فولت وهي القوة التي ينبغي أن تكون أقل من 1 فولت، “لكن الحروق التي تعرض لها المرضى خلال خضوعهم للعمليات الجراحية ليست بسبب ارتفاع هذا التيار، ولكن لعدم ربط الأجهزة بشكل مناسب مع ملاحقها الطبية منذ اقتنائها". ويُضيف التقرير التقني “ربط الأجهزة لم يكن بشكل يضمن استمرارية وتواصل مرور الكهرباء الساكنة نحو الأرض بسبب القوابض (pinces crocodile) مما أدى إلى خلل وظيفي للتجهيزات الطبية، التي كانت تنتج شحنات كهربائية قد تكون وراء تلك الحروق، التي تم ملاحظتها على المرضى الذين خضعوا للعمليات الجراحية". أكثر من ذلك، يقول التقرير “ان التجهيزات الكهربائية للقاعتين قد بلغت مستوى متقدم من التدهور مع تعطل جهاز المراقبة المستمرة للتحييد، مع صيانة رديئة لمربع المحطة الطرفية، الذي يمكن أن يتسبب في وقوع حادث". أما خاتمة التقرير فتشير بوضوح بأن “التجهيزات الكهربائية للقاعتين من الطابق الثالث لا تضمنان أي سلامة كهربائية للمرضى والطواقم الطبية ويتعين جعلها (القاعتين ) خارج الخدمة في أقرب الآجال".. إذا كانت أقرب الآجال بالنسبة لتقرير خبرة شهرين أو أكثر، يُفترض أن تفهم إدارة “مستشفى مصطفى باشا" أو رئيس المصلحة بأن الوضع يستلزم الفورية في التحرك، خاصة وأن الأمر يتعلق بأرواح المرضى بل وحتى الأطقم الطبية، التي قد لا تكون سمعت بالتقرير، رغم أن العديد من مستخدمي الصحة العمومية كانوا ينددون بحالة قاعتي العمليات.. هل أخفى رئيس مصلحة الجراحة التقرير على الأطباء بتواطؤ من الإدارة؟ هذا السؤال له ما يبرره، لأن العمليات الجراحية استمرت برغم التقرير واطّلاع الإدارة عليه مع رئيس المصلحة السيد (ب.س)، إلى غاية الأربعاء 13 جوان 2012، أي قرابة ثلاثة أشهر.. هل هو إهمال أم استخفاف بأرواح المرضى؟ أم ماذا؟.. العذر أقبح إن كان صحيحا.. وصحته لا يُثبتها إلا التحقيق نزلنا إلى مستشفى “مصطفى باشا" نبحث عن أي قناة أو مصدر يوصلنا إلى الحقيقة.. حقيقة تعريض المرضى لخطر الموت بقاعات عمليات متردية بل وحتى تعريض أطباء ومستخدمين للصحة العمومية لذلك.. أول ما اكتشفناه بمصلحة الجراحة كان رئيسها الذي يسير المصلحة بالنيابة، وقد أبلغنا مصدر من إدارة المستشفى أن مسابقة الترسيم قريبة وأن رئيس المصلحة بالنيابة السيد (ب.س) مترشح لخوضها.. كان الحديث العرضي الذي جمعنا بأحد المستخدمين العموميين بالمصلحة حول المسابقات وطرق الترشح، بمثابة مفتاح السر الذي سيجيبنا على خلفية استمرار العمليات الجراحية بقاعات متدهورة تعرض حياة الناس للموت، طيلة كل تلك الفترة.. لقد قال لنا مصدرنا أن ارتفاع عدد العمليات الجراحية من الأساسات، التي تمكّن المترشح من منصب رئيس مصلحة طبية لرفع حظوظه من أجل نيل تلك المكانة العلمية الراقية؟ هل كان رئيس المصلحة بالنيابة يعرض حياة الناس للموت من أجل أن يظفر بالمنصب؟ سؤال صعب والإجابة عليه أكبر من أن نأخذها من مصدر التقينا به عرضيا.. الاتجاه بعد ذلك، قادنا إلى المديرية العامة لمستشفى “مصطفى باشا" بحثنا عن مسؤول ما ليجيبنا عن كل تلك التساؤلات، وفلحنا في لمح البصر من ربط الاتصال بمسؤول كبير في المستشفى بعد اطلاعه على حيثيات الملف، لكنه رفض أن نذكر اسمه.. السبب أن التصريح يحتاج إلى ترخيص من الوزارة الوصية، لكنه فضّل الإجابة بالمخاطرة رغم أنه لا يعرفنا.. ورفض أن يلتقط له المصور، صورة، كما رفض أن نفتح معه آلة التسجيل.. لاحظنا تحفظه الكبير للقائنا، لكن فهمنا أن خطورة الملف هي التي اضطرته لمقابلتنا وهذا من أجل إقناعنا بأن وراء الملف أشخاص يريدون تشويه سمعة المستشفى، وكان يركز في كلامه على أن نشر الملف سيُخيف الناس ثم قال: العبارة التي كان يبحث عن توليفة جميلة ليقولها صراحة في النهاية..ستضرون بأناس بنشركم لهذا الملف.. بين كل تلك العبارات كان من أهم ما قاله أن “التقرير لم يكن ليخرج إلى الصحافة وهذا أمر خطير سنبحث فيه لأنه وثيقة رسمية تتعلق بأسرار الإدارة". وبما أننا لم نبرزه له، فقد نفى المسؤول في مستشفى “مصطفى باشا" أن يكون التقرير قد أشار إلى غلق القاعات، معتبرا أن قرار الغلق جاء من الإدارة بعد أن وصلت حالة التدهور إلى درجات متقدمة في الطابق الثالث لقسم الجراحة... “إن الذين أعطوا لكم الملف يريدون تشويه سمعة المؤسسة وهم يصفّون حسابات ونحن نعرفهم جيدا وهو طبيب مختل عقليا"..ولما سألناه عن سبب إبقاء طبيب مختل عقليا يزاول نشاطه بشكل عادي ويقوم بعمليات جراحية للمرضى، تلعثم ولم يجد الإجابة.. وأضاف:«لماذا لا يطلعونكم على المنشآت الجديدة والتكنولوجيات الحديثة التي تزود بها المستشفى.. لماذا يوجهونكم إلى النقائص".. قبل أن يردف إجابة على سؤال ما إذا كان القسم قد سجل حالة وفاة بصعقة كهربائية “لم أكن هنا... لقد حدث هذا قبل مجيئي لهذا المنصب، لكنها كانت مجرد حادثة عرضية".. لقد اعتبر المسؤول عمل رئيس المصلحة بالنيابة على رفع عدد العمليات بقاعات ممنوعة ليستعمل مردوديتها لصالحه في المسابقة “أمرا فيه رائحة تصفية حسابات ولم لا يكون من سرّب لكم الملف يهدف إلى ابعاد الناس ودفعهم إلى الذهاب إلى العيادات الخاصة.. فهذا أمر شائع عن أطباء عموميين.. لماذا يكشفون هذا الملف والقاعات أصبحت اليوم مغلقة ونعمل على تجديدها؟".. أنهينا الحديث مع هذا المسؤول لنحاول ربط الاتصال بنقابة الأطباء المطلعة على الملف جيدا وتحوز على نسخة منه، إلا أن اتصالاتنا مع محمد يوسفي رئيس نقابة الأطباء الأخصائيين باءت بالفشل.