كثر الحديث عن وضعية القطاع الصحي بالعاصمة، سواء تعلق الأمر بالمستشفيات أو العيادات الطبية الخاصة، فبين ساخط على تدهور الخدمات الصحية ومشيد بالمجهودات المبذولة من طرف الأطقم الطبية، يدور جدال حول واقع الهياكل الصحية التي استفادت قبل ست سنوات من مخطط ضخم لإصلاحها وترقية العلاج، لكن تدهور وضعيات هذه الأخيرة وضعف مستوى الخدمات، جعل منها حديث العام والخاص، وخلال هذا الروبورتاج حول واقع الخدمات الصحية بالعاصمة، التقت “المساء” بمختلف الأطراف التي شرحت الواقع. أكدت زيارتنا الميدانية لمختلف مستشفيات العاصمة، أن واقع الخدمات الصحية تتدنى من حقبة إلى أخرى، بالرغم من المجهودات التي تبذلها الدولة من أجل إنعاش قطاع الصحة، من خلال توفير أحدث الأجهزة الطبية، حيث اكتشفت “المساء” في خرجتها لمستشفى “بني مسوس”، “بارني”، “عين طاية” و«مصطفى باشا”، أن المواطن يدفع غرامة صحية تسبب فيها الأطباء الذين يبقى همهم الوحيد من يكسب الأموال أكثر، مع التمسك بكرسي المسؤولية، رغم التقاعد وعدم إعطاء الفرصة للشباب المتخرج الذي يعمل بدون مقابل ويستغل لتغطية النقائص.
عزوف الأطباء، نقص التأطير وسوء التعامل نقاط مشتركة جولتنا لمختلف المستشفيات بالعاصمة، كشفت لنا عن نقاط مشتركة أرهقت الطلبة المتربصين الذين يزيد عددهم يوما بعد يوم لإجراء تربصهم التطبيقي، لكن لسوء الحظ، لم يتمكنوا من اكتساب الخبرة الكافية ليصبحوا أطباء قبل أوانهم ويهتمون بأمور المرضى، خصوصا في أقسام الولادة والأمومة وحتى بقسم الاستعجالات، حيث يعملون بالتناوب وبدون انقطاع، في الوقت الذي يجد الأطباء ضالتهم للخروج باكرا من العمل والإلتحاق بمناصب شغله في أوقات مختلفة تجعل المرضى ينتظرون كثيرا، حيث أكدت لنا بعض المتربصات بمستشفى بني مسوس أنهم يعملون في خوف شديد من ارتكاب أخطاء طبية تضر بصحة المرضى، لأن مدة التأطير قصيرة، ولم يتمكنوا من تطبيق المناهج النظرية التي أخذوها بالجامعات، كما أكدوا لنا أنهم يقومون بفحص وعلاج المرضى دون تأطير من المساعدين أو الأساتذة، من جهة أخرى، استغرب العديد من المرضى من كيفية توكيل مهمة التكفل التام بالمرضى لطلبة السنوات الأولى في الطب، وتركهم يصارعون تشخيص المرض، واقتربنا من مصلحة الاستعجالات ببني مسوس، فأكد لنا بعض العمال أن هذا الجناح وجناح الولادة والأمومة، يشرف عليه الطلبة المتربصون الذين يعملون بالتناوب ليلا ونهارا، في الوقت الذي يختفي فيه الأطباء ولا يتم استدعاؤهم إلا في الحالات الاستعجالية الطارئة التي يفشل فيها الطاقم شبه الطبي في المعالجة، كما أكد لنا بعض المرضى أنهم لا يجدون الفرصة للحديث مع الأطباء، خصوصا في قسم الولادة، بسبب عزوفهم عن زيارة المرضى وغيابهم شبه الكلي بالمستشفيات، نفس الشيء ينطبق على المستشفيات الأخرى التي زرناها، ويتعلق الأمر بمستشفى مصطفى باشا، عين طاية وبارني.
مؤسسات جوارية خارج الخدمة أكد العديد من الأطباء الذين التقيناهم بمستشفى بني مسوس وعين طاية”، أن زيادة عدد المؤسسات الجوارية في مختلف بلديات العاصمة وحتى خارج الولاية، لم يخفف من الضغط الموجود على أكبر المستشفيات التي من المفروض أن تستقبل المرضى المصابين بالأمراض المزمنة والخطيرة، ليتم التكفل بهم بدل الاهتمام بتضميد الجراح وحقن المرضى، حيث أكد أحد الأطباء في قسم الجراحة ببني مسوس ل “المساء”، أن التنظيم غائب تماما في قطاع الصحة، وأصبح الطبيب يمارس مهاما عديدة في المستشفى، بدل التكفل بالمرضى الأجدر بالاهتمام، حيث نستقبل حالات يمكن أن تعالج بالمؤسسات والمصحات الجوارية، مما يعرقلنا في أداء مهامنا، نفس الإنطباع لمسناه لدى أطباء بمستشفى عين طاية، حيث قال لنا أحدهم؛ إن المستشفى تنقصه العديد من الخدمات بسبب قلة الأجهزة، الأطباء المختصين والأدوية، بالرغم من ذلك، تصله أعداد هائلة من المرضى، لذا لا يمكنه استيعاب الجميع، مما يؤدي إلى نقائص، ولابد للمؤسسات الجوارية أن تقوم بواجبها، لأنها تستفيد من الوسائل الضرورية للعلاج، شأنها في ذلك شأن كل المستشفيات، وفي مقابل زيارتنا لبعض المؤسسات الجوارية؛ مثل برج البحري ودرقانة، ثبت لنا عكس ما قيل، لأن العمال أكدوا لنا أنها تفتقر لضروريات العمل، مما يؤدي بالأطباء إلى كتابة رسائل استعجالية للمستشفيات لإنقاذ المرضى.
تحويل للمرضى من العام إلى الخاص وما اكتشفناه خلال زيارتنا لمستشفيات العاصمة، منها مستشفى “بارني” بحسين داي، أن صحة المواطن أصبحت تكال بمكيال الأموال، لأن سياسة الأطباء المنتهجة في القطاع العام أصبحت واضحة لدى المرضى، حيث أكدت لنا شهادات المواطنين، خصوصا المقبلين على إجراء عمليات جراحية معقدة، أن بعض الأطباء يتحايلون عليهم في المستشفيات العمومية لجرهم إلى المعالجة في العيادات الخاصة التي يعملون بها لكسب الأموال، وأكدت تقارير طبية لدى النقابة الوطنية لشبه الطبيين، أن العمليات الجراحية التي يقوم بها الأطباء في العيادات الخاصة باهظة، وأن الهم الوحيد لدى الأطباء هو المال وطلب المزيد، والمواطن يدفع ثمن الإهمال وعدم مراقبة قطاع الصحة، حيث أكد ل “المساء” رئيس نقابة شبه الطبيين، السيد لوناس غاشي، أن الكثير من الحالات تعرضت لهذا المشكل، فمثلا أحد المرضى أعاد تركيب رجله الاصطناعية ب 30 مليون سنتيم، وأخرى بنفس الثمن، يعني 60 مليون سنتيم بدون فائدة، أي أنه تعرض للسرقة والنهب في الوقت الذي تجرى فيه العمليات مجانا في المستشفيات، وتساءل مصدرنا عن دور الوصاية في مراقبة هذه التصرفات التي أشار إليها القطاع شبه الطبي في مراسلات عديدة، وكانت سببا حقيقيا في إضراب العمال، في ظل نقص الخدمات الصحية على مستوى مستشفيات العاصمة، لذا، على السلطات المحلية أن تقوم بدورها كما ينبغي، يقول محدثنا.