محمد خوان يتحادث مع رئيس الوفد الإيراني    هذه توجيهات الرئيس للحكومة الجديدة    النفقان الأرضيان يوضعان حيز الخدمة    رواد الأعمال الشباب محور يوم دراسي    توقيع 5 مذكرات تفاهم في مجال التكوين والبناء    الصحراء الغربية والريف آخر مستعمرتين في إفريقيا    مشاهد مرعبة من قلب جحيم غزّة    وفاق سطيف يرتقي إلى المركز الخامس    على فرنسا الاعتراف بجرائمها منذ 1830    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر    الخضر أبطال إفريقيا    ضرورة التعريف بالقضية الصحراوية والمرافعة عن الحقوق المشروعة    300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغيّر المناخ    فلسطينيو شمال القطاع يكافحون من أجل البقاء    بوريل يدعو من بيروت لوقف فوري للإطلاق النار    "طوفان الأقصى" ساق الاحتلال إلى المحاكم الدولية    وكالة جديدة للقرض الشعبي الجزائري بوهران    الجزائر أول قوة اقتصادية في إفريقيا نهاية 2030    مازة يسجل سادس أهدافه مع هيرتا برلين    وداع تاريخي للراحل رشيد مخلوفي في سانت إيتيان    المنتخب الوطني العسكري يتوَّج بالذهب    كرة القدم/كان-2024 للسيدات (الجزائر): "القرعة كانت مناسبة"    الكاياك/الكانوي والبارا-كانوي - البطولة العربية 2024: تتويج الجزائر باللقب العربي    مجلس الأمة يشارك في الجمعية البرلمانية لحلف الناتو    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: إبراز دور الوسائط الرقمية في تطوير أدب الطفل    ندوات لتقييم التحول الرقمي في قطاع التربية    الرياضة جزء أساسي في علاج المرض    دورات تكوينية للاستفادة من تمويل "نازدا"    هلاك شخص ومصابان في حادثي مرور    باكستان والجزائر تتألقان    تشكيليّو "جمعية الفنون الجميلة" أوّل الضيوف    قافلة الذاكرة تحطّ بولاية البليدة    على درب الحياة بالحلو والمرّ    سقوط طفل من الطابق الرابع لعمارة    شرطة القرارة تحسّس    رئيس الجمهورية يوقع على قانون المالية لسنة 2025    يرى بأن المنتخب الوطني بحاجة لأصحاب الخبرة : بيتكوفيتش يحدد مصير حاج موسى وبوعناني مع "الخضر".. !    غرس 70 شجرة رمزياً في العاصمة    تمتد إلى غاية 25 ديسمبر.. تسجيلات امتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا تنطلق هذا الثلاثاء    مشروع القانون الجديد للسوق المالي قيد الدراسة    اختتام الطبعة ال14 للمهرجان الدولي للمنمنمات وفن الزخرفة : تتويج الفائزين وتكريم لجنة التحكيم وضيفة الشرف    صليحة نعيجة تعرض ديوانها الشعري أنوريكسيا    حوادث المرور: وفاة 2894 شخصا عبر الوطن خلال التسعة اشهر الاولى من 2024    تركيب كواشف الغاز بولايتي ورقلة وتوقرت    تبسة: افتتاح الطبعة الثالثة من الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير "سيني تيفاست"    "ترقية حقوق المرأة الريفية" محور يوم دراسي    القرض الشعبي الجزائري يفتتح وكالة جديدة له بوادي تليلات (وهران)        مذكرتي الاعتقال بحق مسؤولين صهيونيين: بوليفيا تدعو إلى الالتزام بقرار المحكمة الجنائية    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحليل بعض الأبعاد المنعكسة على شخصية الشباب العربي.. الرياضة والعنف
نشر في الجزائر نيوز يوم 07 - 05 - 2013

ولتحديد انعكاسات ما تقدم على الشخصية، فسيتم فيما يلي إيضاح مدى انعكاس ذلك في صبغ بعض الملامح الإيجابية والسلبية لشخصية الشاب العربي بناء على شكل المجتمع الذي يعيش به. وبما أننا لا نتحدث هنا فقط على الجوانب المرضية فمن الأهمية بمكان التأكيد على أن الشاب العربي قد طور ميكانيزمات إيجابية للتعامل مع الواقع الصعب الذي نعيشه. ولنبدأ بالجوانب الإيجابية: 1) الأخلاق والروح الرياضية: أي محاولة تغيير الوضع وقلب المعادلات المفروضة على الشاب العربي المقهور ومحاولات تغيير الأوضاع الخارجية بما يتلاءم مع الحاجات الحيوية والأهداف الحيوية وتحقيق الذات وهي حلول ذات فاعلية على المدى البعيد. الصلابة النفسية والقوّة على التصدي وهناك جوانب التي تظهر بها هذه القوة: - أن يكون الشخص قادرا على التكيف مع الأوضاع الراهنة وأن يخلق شيئا من لا شيء فمثلا الشاب العربي أصبح يحتذي به العالم في الأخلاق والروح الرياضي. القدرة على استجلاب والاستفادة من المصادر النفسية الداخلية في المؤازرة والتشجيع والتصدي للعنف. بالإضافة إلى النضال لخلق واقع رياضي متطور بالاعتماد على القدرات الذاتية للمجتمع المحلي. - وجود هدف بالحياة أو معنى اجتماعي وهذا يدعم الشخصية ويجعلها في كثير من الأحيان قابلة على العطاء في مجالات متعددة قبل الصداقة، العمل والحب.
فالشاب العربي في حالات المد والانتصار الرياضي يكون معطاء جدا وقادرا على احتواء الغير وإعطائهم الدعم النفسي والاجتماعي. وهذا ما يظهر من الانكباب على العمل التطوعي والدعم، فلجان العمل الرياضي التطوعي كانت مبادرات شبابية وكان الشباب أساسها. وكذلك الأمر في الجامعات العربية حيث هناك الكثير من الإقبال على العمل الرياضي التطوعي. كما أن الشاب العربي يسعى أحيانا ومن خلال التشجيع تجسيد مفهوم الروح الرياضية تضحية لأجل سعادة الفريق ولتحقيق مستقبل أفضل لأبناء الشعب. ولكن في حالات الضبابية في الرؤيا الرياضية وعندما يكون هناك تشويها في المعنى الاجتماعي وتظهر الجوانب التي تؤثر سلبا على بلورة الشخصية ومن ثم في علاقة الشاب مع الآخرين من داخل العائلة أو خارجها. وفيما يلي بعض الآثار النفسية طويلة المدى للعنف الرياضي، ومنها ننطلق لتحليل تأثيرها على العائلة: - شرعية استعمال العنف والعدوانية في الرياضة كأسلوب تعامل بين الأفراد داخل الأسرة وخارجها. (1) الاغتراب: وهنا نقصد الاغتراب بالمفهوم النفسي وهو عدم شعور الشاب بالانتماء للمجتمع بمفهومه الواسع أو الضيق. والشعور بالرغبة بالعزلة والبعد عن الذات وعن أفعاله وأدائه حيث يشعر بأن ما يفعله ليس له قيمة ولن يؤثر على المحيط الخارجي. والاغتراب يكون عندما يكون الشاب غير قادر على فهم مجريات الأمور أو التغيير فيها بشكل حقيقي. (2) مثلا عدم قدرة الشاب العربي على استيعاب الأحداث الجارية حوله وخصوصا انعدام العدالة وغياب القيم الإيجابية بحياتنا. (3) المبالغة في استخدام الأساليب الدفاعية والتي تبعد الشاب عن التعامل مع محيطة بواقعية، (4) ومن هذه الأساليب الدفاعية التي تنعكس على السلوك الاجتماعي والنفسي التي ناقشها د. مصطفي حجازي، في كتابه التخلف الاجتماعي، مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور هناك بعض المقتطفات منها التي تفسر بعض الأساليب الدفاعية الموجودة عند الشباب العربي، الانكفاء على الذات: وهي السير في التقوقع والانسحاب بدل مجابهة التحديات الراهنة والمستقبلية. النكوص: Régression ويعني ذلك التراجع إلى مرحلة مبكرة من النمو. أي أن يقوم الشخص بسلوكيات تعود خصائصها إلى مراحل عمرية سابقة. ويقوم الشخص بالتصرف هكذا عندما يقابل خبرات صعبة أو صارخة يكون من الصعب (عليها\\عليه) التعامل معها بشكل يتناسب مع مستوى عمره أو نضجه. وفيما يلي بعض المظاهر النكوصية، التمسك بالتقاليد: المجتمع الذي تعرض لاضطهاد يصبح مجتمعا تقليديا جامدا، متوجه نحو الماضي يضع العرف كقاعدة للسلوك وكمعيار للنظرة إلى الأمور. الرجوع إلى الماضي المجيد: النكوص للماضي والاحتماء بأمجاده وأيامه السعيدة، وتكون شائعة في حالات الفشل، وهنا تكون عملية تزيين للماضي، من خلال طمس عثراته من جانب والمبالغة في تضخيم حسناته من جانب آخر وهكذا يتحول الماضي إلى عالم من السعادة والهناء أو المجد أو الاعتبار. يلغي الزمن من خلال اختزال الديمومة إلى بعدها الماضي فقط، الحياة هي الماضي ولا شيء غيره. أما الحاضر فهو القدر الخائن الذي يجب ألا يقف الإنسان عنده. وأما المستقبل فلا يدخل في الحسبان، الإسقاط: عندما يصبح الإنسان في موقف عاجز عن التعامل مع الأمور الحياتية وتحدياتها، يصبح كثير الاعتمادية على الإسقاط بمعنى تحميل الآخرين مسؤولية الفشل، وفي بعض الأحيان هناك مغالاة في هذه الحالة إذ يصبح الإسقاط ميكانيزما ليحاول الإنسان أو الشاب منه التملّص من المسؤولية وإلقاء اللوم على الآخر. والتطرف في هذه الحالة يؤدي بالشخص إلى عدم أخذ المسؤولية على عاتقه ويكون الآخر دائما المسؤول. التماهي ويأخذ عدة أشكال: * التماهي بأحكام المتسلط: هذه مشاكل نفسية وليست اجتماعية وإنما تعكس نفسها في السلوك الاجتماعي!! وهنا يكون الإنسان المقهور والمغلوب على أمره في عملية التماهي بأحكام المتسلط من ناحية توجيه عدوان المتسلط إلى نفسه وليس للمتسلط مما يشكل مشاعرا بالذنب ودونية تقليل كبير في قيمة الذات وينخرط في عملية نفسية وهي الحط من قيمته كإنسان، وقيمة الجماعة التي يعيش معها أصلا وبالاتجاه الآخر يعلى من شأن المتسلط ويبالغ في اعتباره وفي تثمين كل ما يمت له بصلة. وهذا يفسر التغني في القيم الديمقراطية الإسرائيلية والتحدث عن سياسات الرفاه الاجتماعي الإسرائيلي وفائدتها على المجتمع الفلسطيني. * التماهي بعدوان المتسلط : لكي يتخلص الإنسان المقهور من المأزق الذي يحياه يقوم بقلب الأدوار، فهو يلعب دور القوي المعتدي ويسقط كل ضعفه وعجزه على الضحايا الأضعف منه، ويصبح الآخر الشبيه به هو المذنب، وهو المقصر، وبالتالي يستحق الإهانة والتحطيم. ومن خلال التماهي بالمعتدي يستعيد الإنسان المقهور بعض اعتباره الذاتي وعلى الأدق الوصول إلى وهم الاعتبار الذاتي كما أنه يتمكن من خلال هذا الأسلوب الأولي من تعريف عدوانيته المتراكمة والتي كانت تتوجه إلى ذاته، التي تنخر كيانه وتحطم وجوده، هذا التعريف للعدوانية يصبها على الخارج من خلال مختلف التبريرات التي تجعل العنف ممكنا تجاه الضحية، ويفتح السبيل أمام عودة مشاعر الوفاق مع الذات، شرط التوازن الوجودي وتشتد الحاجة للضحايا بمقدار ازدياد العدوانية وتوجهها نحو الخارج ومقدار النقص في الوفاق مع الذات وهذا ما يفسر ظاهرة العنف الموجود داخل الشارع الفلسطيني وخاصة بين جيل الشباب. كما أنه يفسر توجه يعض أفراد الأجهزة الأمنية الفلسطينية لاستخدام نفس أساليب الاستجواب والتعذيب في السجون ضد أبناء شعبهم. وهذا ما يفسر توجه بعض الشبان إلى أن يكونوا عملاء للإسرائيليين يقومون بتسليمهم أفضل شبابنا. * التماهي بقيم المتسلط وأسلوبه الحياتي: وهذا الأسلوب من الأساليب الخطرة لأنه يتم دون عنف ظاهر، وتكون رغبة عند الإنسان المقهور في الذوبان في عالم المتسلط والظالم ويقوم بالتقرب من أسلوب حياته وقيمه ومثله العليا، وهنا في هذا الأسلوب يبحث عن حل للخروج من مأزقه الوجودي وهنا يكون ضحية عملية غسل دماغ مزمنة يقوم بها المتسلط. ومما ينعكس سلبا على طمس الهوية الحضارية والهوية الذاتية ومحاولة لبرهنة على الخلاص من وضعية القهر. مثل الشباب الفلسطيني الذي يستمع للموسيقى والأغاني الإسرائيلية. * الذوبان في المجموعة: الشعور بالتهديد الخارجي كان مصدرا بشريا أم طبيعيا مثل التعرض للعنف السياسي تؤدي بالإنسان في كثير من الأحيان الرجوع إلى المعالجات البدائية بالتفكير ويتركز التفكير على المعالجات الأولية. أي أن الإنسان يصبح أكثر غريزيا في سلوكه وأقل قدرة على المعالجات المتقدمة مثل التفكير المجرد والربط وإيجاد الحلول والتفكير ببدائل واقعية. والذوبان في المجموعة هو طريق دفاع وحماية للفرد وخصوصا إذا كان الخارج مهدد ويشكل مصدر للخطر والشر. أما العالم الداخل الذي تعطيه المجموعة فهو الخير كله وهو مصدر الأمان والانتماء ومصدر الحيوية الذاتية (العودة إلى العلاقة الدمجية بالأم). والذوبان بالمجموعة يعطي الحماية ولكن في الوقت نفسه يزيد من الالتزام بالقواعد التي تمليها. وبناء عليه فالمجتمعات التقليدية تملي توجهاتها التقليدية على الأفراد وتزيد من أصوليتهم. والعنف الأسري ينمو ويترعرع في مثل هذه الظروف التي تسمح للفرد أن يختبئ داخل المجموعة، ويهرب بتصرفاته دون محاسبة أو ملاحقة لادعائه “إن الظروف المحيطة الطاغطة هي التي تستجلب مثل هذه التصرفات. ولكن هذا ادعاء ولا أساس له من الصحة إذ أن الإنسان العنيف هو الإنسان الذي لا تحمل الإحباط قليل الكفاءة والموارد ولا يعرف أساليب للتعامل مع الظروف المحيطة إلا عن طريق استخدام العنف.
الخلاصة: الخلافات وأعمال العنف واردة دائما في عالم الرياضة التي أصبحت تعتمد على مبدأ الفوز، ثم الفوز وبأي ثمن، ووصلت هذه العدوى إلى رياضتنا العربية وبدرجة عالية من الانفلات غير المسؤول، مما أوجب قرع جرس الإنذار لما آلت إليه اللقاءات الرياضية العربية، ونحن هنا لا نريد أن نصف جميع اللقاءات الرياضية بأنها خارجة على الروح الرياضية ولقاء الأشقاء، ولكن ما حدث في السنوات الأخيرة يدفعنا للبحث عن الأسباب التي تدفع باللقاءات الرياضية العربية إلى خارج مسارها الطبيعي، فكم من حدث عنيف شاهدناه في الدورة الرياضة العربية الأخيرة في الأردن، وكم من انسحاب متكرر لأكثر من دولة عربية من البطولات العربية، فلماذا تحولت الشعارات التي يرفعها مسؤولو الرياضة العربية بضرورة التلاقي عربيا وفق مبادئ الأخوة والأشقاء، وليس بحثا عن الفوز إلى مجرد كلمات لا معنى لها، فهل تم تفريغ اللقاءات الرياضية العربية من معانيها التي قامت عليها للفوز، ولا شيء غير الفوز؟ ولماذا أصبحت الحساسية المفرطة علامة مميزة لأكثر من لقاء رياضي عربي؟ ولماذا تنسحب بعض الدول العربية من أي بطولة عربية ولأقل الأسباب؟ ولماذا تعتذر أكثر من دولة عربية عن تنظيم البطولات العربية التي تبحث عمن ينظمها؟ فهل وصلنا إلى العالمية، ولم نعد نهتم ببطولاتنا العربية؟ وما هو العلاج؟ وكيف نعيد اللقاءات الرياضية العربية إلى المعاني التي يجب أن تقوم عليها؟ أم أننا نتجه نحو إلغاء تدريجي للبطولات العربية لأنها أصبحت تفرق ولا تجمع؟
إن مشاهد العنف لم تؤخذ عن أحد الأفلام السينمائية الخاصة بالحركة والعنف، وإنما هي نموذج لما تشهده الملاعب الرياضية العربية في الأعوام الأخيرة، حيث دفعت حمى العنف بالمسؤولين الرياضيين إلى حد إلغاء مباريات وحتى دورات، وهذه ليست المرة الأولى التي تخرج فيها المنافسات العربية عن إطارها الرياضي لتتحول معها الملاعب إلى حلبات لاستعراض شتى أنواع العنف، والأمثلة عن ذلك دخلت بعد حد التعداد، دورة الألعاب العربية في الأردن، إلى مباراة المنتخبين المصري والتونسي المؤهلة لألعاب سيدني في الكرة الطائرة، وصولا إلى النقطة التي أفاضت الكأس وهي كأس إفريقيا بتونس ولقاء المغرب - الجزائر، فهل أصبحت رغبة الفوز والتأهيل أهم بكثير من مبدأ طالما ردده العرب وهو لقاء الأشقاء بين الفرق العربية؟ وهل أصبح خط السياسة قريبا من خط الرياضة إلى الحد الذي صارت فيه المنافسات الرياضية العربية رهينة ما يفرضه الواقع السياسي العالمي من قيود؟ وإلى متى ستظل منتخبات العراق والكويت والجزائر والمغرب تلعب دور الحاضر الغائب في المنافسات العربية؟ وهل حان الوقت لتفعيل دور المسؤولين عن الرياضة العربية أم سيكتفي المواطن العربي بالاستماع إلى أسطوانة الأخوة العربية؟
إن اللقاءات العربية الرياضية لم تعد تثير اهتمام الشباب العربي ولا الفرق الرياضية العربية لعدة أسباب: السبب الأول: أن بعض المستويات للدول العربية في بعض الألعاب قد أصبحت أقرب إلى العالمية منها إلى بعض الدول العربية، هذا يدفع هذه الدول إلى عدم المشاركة في اللقاءات العربية، في الوقت الذي توجد به دول عربية أخرى تحتاج إلى اللقاء العربي، ولكنها تصطدم بواقع مؤلم، وهو أن بعض المسؤولين في بعض الاتحادات العربية يصرون على مبدأ أن يبقوا هم مسؤولين في هذه الاتحادات، وأن يمنحوا الفوز لمن يشاؤون، أو لدولهم بعينها، هذه حقائق لا يقبلها الرياضي العربي، ولا يقبلها المسؤول العربي، ما نحتاج له كرياضيين أن تكون التنظيمات الرياضية العربية مبنية أساسا على مبدأ إتاحة الفرصة العادلة لكل فريق للفوز، أما أن تكون هناك لجان فنية تعمل بشكل مريب، ومن تحت الطاولة، ومن خلال الكواليس، تعمل على الفوز، ونجد أن مهما عملت، ومهما حاولت أن تعمل لا يبقى أمامك إلا أن تخسر أمام الدولة الفلانية بكرة القدم، والدولة الفلانية بكرة اليد، والدولة الفلانية في ألعاب أخرى مثل كرة السلة، هذا الكلام يجب أن يتوقف مرة واحدة وإلى الأبد. هل المشكلة هي مشكلة مسؤولية عن الرياضة العربية، أم مشكلة الرياضيين العرب أنفسهم؟ يلقى اللوم على جزءين بالتحديد: الجهة الأولى: وهي الإعلام الرياضي، فقبل أي لقاء رياضي نفاجأ أن هناك شحنا إعلامي للجمهور وللاعبين، كأننا في مواجهة معركة حربية، وتكون أعصابنا هادئة عندما نلتقي مع فرق أجنبية، ونعلب دون أية مشاكل، ويتم هذا الشحن، وهذه المشاكل عندما نتقابل كفرق عربية مع بعض، لدرجة أن نحذف من قاموس الإعلام الرياضي كلمة هزيمة، إننا داخل لقاء رياضي كيف أقول إن الفريق الفلاني هزم؟! هزم، نحن لم ندخل في معركة حربية، يجب أن نقول إن اللقاء قد انتهى لصالح فلان أو فلان، لكن لا نقول هزم فلان وانتصر فلان، لأن هذا الكلام يطلق في المعارك الحربية. الجهة الثانية: وهي الإدارة الرياضية، وأقصد بها تحديدا الإدارة في الاتحاديات الرياضية لأنها هي التي تقود الحركة الرياضية، حيث غالبا لا تتدخل الدول في شؤون الاتحادية الرياضية، فهي تترك الاتحاديات لها حرية التصرف كهيئة لها اختصاصاتها فإذا كان هؤلاء الناس غير مؤهلين لقيادة حركة رياضية تنشأ مثل هذه المشاكل، وهذا باختصار شديد أسباب المشكلة. لكن معظم الاتحاديات الرياضية العربية تأتي عن طريق الانتخابات وعن طريق القاعدة، وتصل إلى المناصب التي تبحث عنها في قيادة الحركة الرياضة، الجانب الثاني العامل المؤثر الآن، بعض الألعاب أصبح مستواها دوليا، نلاحظ في كرة اليد هناك سبع دول كانت في كأس العالم في الشباب، وخمس دول عربية في كأس العالم للرجال، هناك فريق ضعيف وآخر قوي، فصارت هناك منافسة كبيرة جدا بين الدول في آسيا، وفي إفريقيا للوصول إلى كأس العالم وبالتالي تحتاج إلى شفافية في اختيار الحكام، وفي تعيين اللجان الفنية، وخاصة المحايدة، وذلك لأن الرياضي يشعر بحسرة لما يخسر دون سبب مقنع، المدرب والإداري كذلك، فأصبحنا إعلاميا نحولها وكأن انهزمت الأردن، انهزمت المغرب، انهزمت قطر، وبالتالي صارت هذه حساسية كبيرة جدا بين الرياضيين وبين الجماهير، وصار لها تأثيرا سلبيا على سلوك الرياضيين في الملاعب، وفي المدرجات، فنأمل بأن المسؤولين يركزوا كثيرا. كذالك موضوع اللوائح والاحتراف لا علاقة لهما في اللقاءات العربية، ما نحتاجه في اللقاءات العربية أن يكون الإداريون العرب من مدراء الفرق ومن مدربين، ومن الإداريين الذين يحضروا مع الوفود، ومن الاتحادات العربية، اللجان الفنية في الاتحادات العربية التي ترعى الحكام وتشكل نظام البطولة أو جدول البطولة، أن تكون هذه عادلة ومنصفة وحازمة، المشكلة عندما يحضر الشاب العربي، الذي سينزل الملعب أمام الجمهور مسلحا بعزيمة قوية ومعدا إعداد جيدا، ويكتشف أن البطولة لا علاقة لها بجهده في أن يفوز بها، فيحاول أن يقوم بأخذها بعضلاته وبأنه يشتم الحكم أو يتصرف بشكل سيئ، وهذه في معظم الحالات هي الحالات الأقل، لكن المشكلة المخفية هي ما تقوم به اللجان الفنية في الاتحادات العربية، أو ما يقوم به حتى الأعضاء العرب في الاتحادات الآسياوية أو الإفريقية في أن يلعبوا دورا سيئا ينعكس سلبا على زملائهم وإخوانهم الرياضيين العرب، يريد كل واحد أن يحقق لدولته الفوز قبل أن تبدأ المباريات، لا يمكن بهذا الجو أن الشاب العربي لا يعبر عن شعوره بالغضب والاستياء وبكل هذه الأمور، هل طبيعة الألعاب الرياضية مثل كرة اليد تدفع بعض الرياضيين للخروج عن الروح الرياضية، وبالتالي تكون هناك بعض المشاكل التي شاهدناها في ملاعبنا الرياضية؟ أم هناك تدخلات من تحت الطاولة -كما يسمونها - لخلق هذه المشاكل؟ إن الأهداف الرياضية موجودة في الجزائر والدول العربية وفي العالم، كلها واضحة ومعروفة، ولكن العبرة بالتطبيق، نعرف أن هناك قوانين وضوابط بالنسبة للدولة التي تنظم أي بطولة، الحقيقة يجب أن تكون هذه الدولة مؤهلة أمنيا، وكذلك ثقافيا من الناحية الرياضية - ثقافة رياضية - وهي أبسط حقوق الدولة المنظمة، في البطولة العربية لكرة القدم، نحن العرب يعني المفروض أن تكون مشاراكاتنا كلها في صالح الأمة العربية جميعا، لكن الواضح أن مستوى العرب أكبر من المصلحة الشخصية، وأن يكون الحيادية فيها يعني شعار وممارسة، على أساس يستطيع زيادة عدد الدول المشاركة، وتسويق بطولاتنا بشكل أفضل، زيادة دخل البطولات، وبعد ذلك ترغيب الشباب في متابعة هذه البطولات، ولا نريد أن نصل لمرحلة عزوف من المنتخبات العربية على المشاركة في مثل هذه البطولات، نعم -- هذه الحساسيات، تشاهد أنها تزداد من بطولة إلى بطولة أخرى، بحيث كثير من الفرق العربية، لا تفضل الاشتراك في بطولات معينة، بسبب هذه الحساسيات. لإزالتها مبدئيا لابد أن تقام لقاءات رياضية بين فرق كرة القدم الجزائرية والمغربية أو المصرية، ولكن ليس على مستوى المنتخبات بين الدولتين، يعني ممكن أن تكون بين فريق محلي وفريق محلي آخر، حتى يمكن إعادة العلاقات والشكل الرياضي إلى شكل العلاقات الودية أولا، ثم ينعكس بعد ذلك على فرق المنتخبات الوطنية، إلى أن تزول هذه الحساسية سواء من الجمهور نفسه، أو من اللاعبين الخلافات وأعمال العنف واردة دائما في عالم الرياضة التي أصبحت تعتمد على مبدأ الفوز، ثم الفوز وبأي ثمن، ووصلت هذه العدوى إلى رياضتنا العربية وبدرجة عالية من الانفلات الغير مسؤول، مما أوجب قرع جرس الإنذار لما آلت إليه اللقاءات الرياضية العربية، ونحن هنا لا نريد أن نصف جميع اللقاءات الرياضية بأنها خارجة على الروح الرياضية ولقاء الأشقاء، ولكن ما حدث في السنوات الأخيرة يدفعنا للبحث عن الأسباب التي تدفع باللقاءات الرياضية العربية إلى خارج مسارها الطبيعي، فكم من حدث عنيف شاهدناه في الدورة الرياضية العربية الأخيرة في الأردن، وكم من انسحاب متكرر لأكثر من دولة عربية من البطولات العربية، فلماذا تحولت الشعارات التي يرفعها مسؤولو الرياضة العربية بضرورة التلاقي عربيا وفق مبادئ الأخوة والأشقاء، وليس بحثا عن الفوز إلى مجرد كلمات لا معنى لها، فهل تم تفريغ اللقاءات الرياضية العربية من معانيها التي قامت عليها للفوز، ولا شيء غير الفوز؟ ولماذا أصبحت الحساسية المفرطة علامة مميزة لأكثر من لقاء رياضي عربي؟ ولماذا تنسحب بعض الدول العربية من أي بطولة عربية ولأقل الأسباب؟ ولماذا تعتذر أكثر من دولة عربية عن تنظيم البطولات العربية التي تبحث عمن ينظمها؟ فهل وصلنا إلى العالمية، ولم نعد نهتم ببطولاتنا العربية؟ وما هو العلاج؟ وكيف نعيد اللقاءات الرياضية العربية إلى المعاني التي يجب أن تقوم عليها؟ أم أننا نتجه نحو إلغاء تدريجي للبطولات العربية لأنها أصبحت تفرق ولا تجمع؟ إن مشاهد العنف لم تؤخذ عن أحد الأفلام السينمائية الخاصة بالحركة والعنف، وإنما هي نموذج لما تشهده الملاعب الرياضية العربية في الأعوام الأخيرة، حيث دفعت حمى العنف بالمسؤولين الرياضيين إلى حد إلغاء مباريات وحتى دورات، وهذه ليست المرة الأولى التي تخرج فيها المنافسات العربية عن إطارها الرياضي لتتحول معها الملاعب إلى حلبات لاستعراض شتى أنواع العنف، والأمثلة على ذلك دخلت بعد حد التعداد، دورة الألعاب العربية في الأردن، إلى مباراة المنتخبين المصري والتونسي المؤهلة لألعاب سيدني في الكرة الطائرة، وصولا إلى النقطة التي أفاضت الكأس وهي كأس إفريقيا بتونس ولقاء المغرب الجزائر، فهل أصبحت رغبة الفوز والتأهيل أهم بكثير من مبدأ طالما ردده العرب وهو لقاء الأشقاء بين الفرق العربية؟ وهل أصبح خط السياسة قريبا من خط الرياضة إلى الحد الذي صارت فيه المنافسات الرياضية العربية رهينة ما يفرضه الواقع السياسي العالمي من قيود؟ وإلى متى ستظل منتخبات العراق والكويت والجزائر والمغرب تلعب دور الحاضر الغائب في المنافسات العربية؟ وهل حان الوقت لتفعيل دور المسؤولين عن الرياضة العربية أم سيكتفي المواطن العربي بالاستماع إلى أسطوانة الأخوة العربية؟
نحن لا يمكن أن نتخلى عن استضافة البطولات وتنظيمها، ومساعدة الاتحاد العربي والآسياوي والإفريقي، ولا يكون شعارها (التنافس من أجل الفوز والهزيمة) يجب أن يكون فيها مشاركة، من أجل تطوير كرة القدم أو اليد أو السلة أو أي لعبة ثانية بهدف أن نرتقي فيها، وأن يكون هناك حافزا للدول المشاركة.. حافزا ماديا ومعنويا ويجب تسويقها تسويقا يؤدي إلى دخل لهذه المنتخبات، ولا تكون عبئا عليها، لأن هناك دولا كثيرة لا تشارك الآن، لأن العبء المالي لا تستطيع تغطيته ولأن الكلفة المالية أصبحت عالية جدا، لو التسويق الرياضي يساعد ويسهل المشاركة لأكبر عدد ممكن من هذه الدول، أعتقد أن الحساسية سوف تقل، وتكون هناك لوائحا موحدة تنظيمية وليست فنية، لأن اللائحة الفنية يجب ألا تختلف عن لائحة أي اتحاد دولي، وأن يكون لنا لوائح فنية خاصة بنا، يجب أن تكون جزءا لا يتجزأ من لوائح الاتحاد الدولي، حتى نحافظ على اللعبة وقانونها وإجراءاتها.
بعض التساؤلات وبعض الأسباب التي تدفع بالرياضة العربية، وبعض اللقاءات العربية الرياضية للخروج عن الروح الرياضية ولقاء الأشقاء، نتمنى أن تكون جميع اللقاءات التي تجري على الأرض العربية لقاءات تنبع عن روح الأشقاء والروح الرياضية المتواجدة ضمن اللقاءات الرياضية.
نعمان عبد الغني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.