لقد كانت إرادة التأمل والكتابة الفلسفية عند “بختي بن عودة" تتجه نحو غاية تحاول إدراج الوعي النقدي والفلسفي كمشروع، ضمن الفضاء الثقافي العام بكل رموزه ومجالاته المعرفية المتعددة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، كان بختي بن عودة همه التأسيس لذلك النوع من النصوص الفلسفية النقدية التي تؤمن بواقع الاختلاف الفكري بين الثقافات، ولكن في الوقت نفسه يعي هذا التأسيس عنده تحركه ضمن سؤال الهوية، والانتماء للوطن والتاريخ. نعم، كان “بختي بن عودة"، مثقفا تنويريا ومناضلا، لأنه لم يقف موقفا سلبيا مما كان يجري في واقعه المتأزم، بل ساهم بسلاح معرفي نقدي، بسؤال تفكيكي بالأساس لإعادة بناء المفاهيم المتأزمة، “الهوية الجريحة"، “التدين المتطرف"، العقل المغيب"، “التاريخ والصراع" وغيرها من المفاهيم التي كان ينحت فيها بختي بن عودة، بسؤال النقد والتفكيك والمراجعة، وبكل ما يحمله هدا السؤال من قلق وهم. وروحه الجميلة والصادقة جعلته يرى بتفاؤل كبير قائلا بأن: “الجزائر بلد مؤهل لاحتضان حقيقة واقع حواري مفتوح وتدشين عقلانية متنورة وتفكير موغل في الاتزان والتعددية الفلسفية والأنطولوجية". كان بختي بن عودة، يسائل واقع وتاريخ الثقافة الجزائرية بحس نقدي عميق وصادق، كان ينتقد السياسي والديني والثقافي، وفي الوقت نفسه كان يستحضر أسماء جزائرية مفكرة ساهمت في إغناء الفضاء الثقافي الجزائري، يستحضر مثلا في كتاباته إسهامات “مصطفى الأشرف"، في قراءة المشهد الثقافي والإجتماعي والتاريخي للجزائر بشكل عقلاني بعيد عن الانتماءات الحزبية الضيقة، ويذكر الأديب الجزائري “رضا حوحو" معتبرا إياه كرمز للتحرير والتضحية الذي عرفه الفعل الثقافي الجزائري. كما يستشهد باجتهادات الباحث وعالم الاجتماع الجزائري “عبد القادر جغلول"، ودراساته التي تحاول إيجاد تفسير علمي وواقعي للأسباب الاجتماعية والتاريخية للصراع الثقافي في الجزائر، كما يذكر كذلك ما يسميه ب “عضوية الذات الجزائرية المثقفة وتألقها" مع المفكر مالك بن نبي، وتوفيق المدني وآخرون. أما واقع الحداثة وسؤال الذات والآخر، فقد طرح بختي بن عودة، الحضور الحداثي في مجتمعاتنا بسؤال مهم، هو كيف يتحقق هذا الحضور الحداثي في مجتمع تسوده قيم وسلوكات ما قبل حداثية، يتساءل: “كيف يتحقق ذلك في مجتمع غير متجانس، منفعل وأكول، يتكاثر بسرعة، ينتظر ولا يبدع؟" إن الرهان الفلسفي الذي يشتغل في الفضاء الثقافي من خلال التأسيس “للوعي النقدي" و«بناء الكائن" والمرور “بالمنعطف العقلاني" و«الكتابة بسؤال"، كلها مفاهيم ومطالب يراهن عليها بختي بن عودة، من أجل الولوج إلى ما يسميه: “مرحلة نمو من الأخلاقية الديمقراطية والتسامحية"، تتجاوز “صدمة الخوف من الآخر"، لأنه خوف “يعكس عجزا نفسيا ووجوديا عن إدراك قدرة الذات على تقبل كل ذاتية أخرى.. ذات طابع سياسي أو مؤسسي أو مذهبي أو لساني أو أنتروبولوجي". إن بختي بن عودة، يطرح مسألة منهجية في غاية العمق، وهي ضرورة التعامل مع المعطى الحداثي بشكل تساؤلي حول وضع وموقع المفاهيم الحداثية التي قطعت مراحل فكرية مرت من خلالها بتراكم تاريخي معين، وليس التعامل معها كنماذج جاهزة للاستهلاك. في الحقيقة، الكتابة حول القلق الفكري والنقد الفلسفي للمفكر الجزائري بختي بن عودة، عمل يتجاوز حدود هذا المقال، لأنه مشروع يندرج من بين المشاريع الثقافية الكبرى التي تحاول الكتابة النقدية والفلسفية في الجزائر التأسيس لها، من أجل توجه السؤال الفلسفي لمعاينة أحداث واقع زمنه، لكي يصبح الخطاب الفلسفي خطابا منتجا وفاعلا ومساهما في إغناء اللحظة الثقافية الجزائرية المعاصرة، رغم كل التحديات والعوائق، وذكرى بختي بن عودة رحمه الله وتجربته دافعة أساسية لهذا المشروع الأمل. جامعة وهران