كان جمهور قاعة الحاج عمر بالمسرح الوطني محي الدين بشطارزي، أول أمس، على موعد مع الأمسية الختامية للبرنامج الأدبي المرافق لفعاليات الطبعة الثامنة من المهرجان الوطني للمسرح المحترف. الأمسية الأخيرة في البرنامج خصصت للاحتفاء بالرواية ونشطتها الشاعرة لميس سعيدي. الجلسة الاحتفائية بالرواية بدأت بأنغام جميلة عزفها كل من أمين الشيخ، عبد الله النجار، عزوز نورالدين ومهدي، ليدخل الروائي المسرحي والإعلامي حميدة العياشي على وقعها، وقد تقمصه “قدور لبلاندي" الذي كان قد بدأ معه مسيرته المسرحية والفنية قبل أزيد من ربع قرن. حميدة العياشي ذوّب المسافات بل وألغاها بين الفنون من خلال قراءته لمقاطع من روايته “متاهات" التي حولها إلى مونولوج، حيث راح يحكي فوق خشبة قاعة الحاج عمر ويشد معه الجمهور إلى عالم رسمه فقط حركة ووعيا، في اللحظة التي صعد فيها إلى الخشبة متنقلا من حالة إلى أخرى، وهو يصرخ في وجه العدم “سكن الرعب.. سكن الموت في أعماق القلوب.." إلى أن يقول “المتاهات في قلبي.. في الروح.. المتاهات خلفي.. المتاهات أمامي.."، حتى ينزف روحا تبحث عن السكينة فوق الركح بعد أن عرّى نزع سترته وسكب الماء على رأسه وجسده العاري وكأنه يطفئ نيرانا تلتهمه من الداخل. لتتواصل الرحلة مع “متاهات" حتى يعلن احميدة، بعد أن أطلق جسده العاري حرا من أعين الرقباء وتخلى عن الحاضرين، وراح يسبح وراء الموسيقى القادمة من الخلف “الجرح يتجلى.. العمر يمحى.. القلب يشرب.. العيون تغفو.. الورق يصفّر..". بعدها دعي إلى المنصة المسرحي العراقي، الدكتور جواد الأسدي، معقبا على عرض حميدة العياشي:«كنت أعرف أن جنيا ما يسكن احميدة عياشي ولكني لم أتوقع أبدا أن يصل تشظيه إلى هذا الحد"، ليعرج بعد ذلك على تعطش الجمهور الجزائري إلى المسرح ويصنفه في خانة الخطر، ويضيف أن العطش الحقيقي لدى الجمهور هو عطش للحرية، حرية أن يكون الوطن الكبير كله بعيدا عن أي محتل. ليختم مداخلته متمنيا أن تبقى الجزائر بعيدة عن مكنسة الربيع العربي التي تريد استعادة الفكر الأصولي، كما قال. أشعل بعدها احميدة عياشي ثلاثة شموع.. الأولى للراحل بختي بن عودة، الذي كان مشروع مفكر وفيلسوف وشاعر كبير، والثانية للجيل المهمش والمغيب من المسرحيين، والثالثة لزوجته فاطمة التي غابت عن هذا اللقاء. ليأتي الدور على الروائي اسماعيل يبرير، الفائز بجائزة الطيب صالح عن روايته “وصية المعتوه / كتاب الموتى ضد الأحياء"، حيث تحدث عن علاقته بالكتابة، كيف بدأ بالقصة ثم اتجه للشعر الذي لم يحتفي به، فاختار الرواية التي وجد فيها ضالته، كما خاض في مسألة غياب النصوص المسرحية الجادة وتحدث عن الإقتباس والاشتغال على الجاهز أولا، ثم أشعل شمعة لزوجته ورفيقته وحبيبته التي وقفت إلى جانبه وتحملت نزقه، كما قال. وختم اللقاء بشموع أوقدها سيد أحمد بلونة، للجيل الجديد من الإعلاميين، وسفيان مخناش للروائيين الجدد، وآسيا أوعلي التي أوقدت شمعة بمناسبة اليوم العالمي للغة الأمازيغية.