إن إقدام طلبة الإقامة الجامعية 17 أكتوبر ببجاية، خلال حركتهم الاحتجاجية الأخيرة، على إضرام النيران بالغرف والمرافق الأخرى من قاعة الرياضة إلى المطعم الجامعي إلى الإدارة التي أتلف ما تحويه من وثائق إدارية بشكل كلي أمر يستدعي وقفة للتأمل والتساؤل، لماذا يقدم طلبة جامعيون يفترض أنهم مثال للوعي والانضباط على مثل هكذا تصرفات؟ أين كان مسؤولو الإقامة الجامعية عندما كانت النيران تلتهم أركانها وتقوض مشروعا للصالح العام أنفقت عليه الخزينة العمومية في سياق النهوض بالتعليم العالي والجامعة الجزائرية؟ المتأمل لمسار الأحداث التي امتدت لتشمل الإقامات الجامعية الثمانية ببجاية يدرك جيدا أن ما حدث، خلال الأسبوع الأخير، لم يكن محض صدفة أو تصرفا أهوجا لمجموعة من المخربين، فلم يكن ممكنا أن تصل الأمور إلى هذا الحد لو تم احتواء الدافع الحقيقي للأحداث منذ البداية بشكل سريع، هذا الدافع حسب الطلبة المحتجين والذي يعتبر الفتيل الذي أشعل الأحداث لم يكن سوى اضراب عمال الإقامات والذي امتد لأكثر من 15 يوما وهي فترة طويلة جدا مقارنة بالتزامات الطلبة تجاه تحصيلهم العلمي أولا وبرامجهم اليومية الأخرى والتي لا تخرج غالبا عن نطاق الإقامة كونهم يقضون ما يفوق العشر ساعات على الأقل في هذه الأخيرة. إن إقدام مدير الخدمات الجامعية في وقت سابق على استدعاء قوات الأمن بغية دخول الإدارة التي أغلقها الطلبة في وجهه كتعبير عن احتجاجهم للحالة الكارثية التي وصلت إليها الإقامات في ظل تواصل الاضراب الذي يشنه العمال للأسبوع الثاني، وتوجيه اتهاماته بإحداث الفوضى وتخريب الملكية العامة إلى مجموعة من الطلبة ومن ثم توقيفهم وسماع أقوالهم. أدى إلى تأجيج الأحداث وربما ساهم في تأزيم الوضع النفسي للطلبة المحتجين - خصوصا إذا علمنا أنهم كانوا على أبواب امتحانات السداسي الثاني، هذه الامتحانات التي غالبا ما تكون مصيرية بالنسبة للطلبة - وهو ما يكون سببا في انفلاتهم ولجوئهم للعنف بهذا الشكل الذي لا يمت بصلة ولا يعبر مطلقا عن الأخلاق والرقي الحضاري المفترض لدى الطالب الجامعي. كان يمكن تفادي هذه الخسارة لو أن الوزارة الوصية فتحت باب الحوار واستمعت لانشغالات العمال المضربين ومطالبهم وتعاطت معها بالشكل اللازم، ولكن سياسة النعامة التي يبدو أن وزارة التعليم العالي تصر على ممارستها كل مرة في معالجتها لمثل هذه الإشكاليات التي تطرح كل موسم جامعي قد أوصلت إلى الكارثة. رغم كل ما قلناه فإن هذا ليس مبررا يرفع اللوم على الطلبة الذين ساهموا في هذه الأحداث، فمن حق الطالب أن يحتج وأن يرفع صوته مطالبا بكل ما من شأنه أن يكون عنصر دعم وإسناد في رحلة تحصيله العلمي ولكن ليس بهذه الطريقة الموغلة في العدوانية والهمجية المقيتة، فمثل هذه السلوكات لا تشرف القطاع الذي يوصف بخزان الطاقات وكوادر المستقبل، ولا يمكن التسامح أو التساهل مع من يقفون خلفها، ولكن الطلبة الذين تحركوا بعد احتراق الإقامة بمباركة من الإدارة ليقولوا أن ممثلي لجان الأحياء ليسوا شرعيين ولا يمثلون إلا أنفسهم مدعوون للإجابة على سبب صمتهم طوال الموسم الجامعي عن هؤلاء الذين يصفونهم بالمخربين ويكيلون لهم الاتهامات ويصفونهم بأصحاب المصالح والمتواطئين سابقا مع الإدارة.