خاصة بين مناصري بعض الفرق الكبيرة والعريقة وخلال بعض المباريات المصيرية والهامة في مشوار المنافسة سواء كانت وطنية أو عربية، بما حوّل لعبة كرة القدم من رياضة للتعارف والأخلاق والمتعة إلى لعبة للاقتتال والحروب والدماء والعداوة والبغضاء، هاهي عدوى هذا الداء الخبيث تنتقل من وسط ميادين كرة القدم إلى الوسط الذي ينظر إليه عامة الناس أنّه وسط للنخبة والطبقة المثقفة وإطارات المستقبل، ونقصد بذلك الوسط الجامعي الذي انتقل إليه العنف بشتى أنواعه وبشكل خطير خلال السنوات الأخيرة، سواء كان ذلك بين الطلبة أنفسهم أو بين الطلبة والعمال وأعوان الأمن والأساتذة، وذلك في الإقامات الجامعية أو بالمعاهد والكليات أو بالمدرجات والأقسام، باستعمال العصي والأسلحة البيضاء والأيادي والأرجل والرؤوس وغيرها، تماما مثلما يحدث في ملاعب كرة القدم، بشكل جعل من يفترض فيه أن يكون قدوة لغيره في نفس كفة الميزان مع ذلك الشاب الذي لفظه المجتمع إلى الشارع لسبب أو لآخر، وامتد سرطان العنف حتى إلى وسط الجنس اللطيف في الجامعة من طالبات أو أستاذات أو عاملات. ولتسليط الضوء على هذا الموضوع الحساس والخطير نأخذ جامعة الحاج لخضر بباتنة كمثال على ذلك، لنمر بها عبر عدّة حوادث من هذا القبيل عرفتها خلال الموسم الدراسي الحالي، وفي ظل غياب أرقام رسمية عن عدد الحوادث التي كان الحرم الجامعي مسرحا لها اكتفينا ببعضها.. تمزيق غشاء طبل أذن طالب وتهديد بالذّبح بزجاج النافذة آخر مظاهر العنف التي هزّت الوسط الجامعي بجامعة باتنة، هي تلك التي عرفتها إحدى الكليات مؤخرا، عندما قام عون أمن بالاعتداء الجسدي الصارخ على طالب يدرس سنة ثانية تاريخ أدّى إلى تمزيق غشاء طبل أذنه وعجزا حدده الطبيب الشرعي ب15 يوما، ولم يكتف هذا العون باعتدائه الوحشي، بل امتد الأمر إلى تهديد الطالب الضحية بذبحه بواسطة زجاج النافذة، حسب ما جاء في نص بيان إحدى التنظيمات الطلابية المندّدة بالحادثة، كل ذلك كان لأتفه الأسباب حيث أكّدت بعض الأطراف الملمّة بحيثيات القضية أنّ ما حدث كان بسبب مناوشات كلامية بسيطة أعقبت طلب عون الأمن من الطالب إظهار البطاقة التي تثبت أنّ هذا الأخير يدرس بالكلية التي قصدها، ولأنّ الضحية طالب بكلية أخرى لم يتحقق مبتغى عون الأمن وأمام إصرار الطالب على الدخول باعتبار أنّ الجامعة للجميع، وقعت الواقعة. أستاذة تعتدي على طالبة لأنها خطفت منها عشيقها... وحرب بين الطالبات عقب حفل غنائي وفي حادثة غريبة أخرى عرفتها إحدى الكليات قبل عدّة أسابيع من الآن بقيت تتداولها ألسنة الطلبة مدّة من الزمن، قامت أستاذة مراهقة متعاقدة بالاعتداء الجسدي على طالبة تدرس عندها أمام مرأى العديد من الطلبة، والسبب في هذه المعركة هو أنّ الأستاذة كانت مغرمة جدا بأحد الشباب وكان هذا الأخير يبادلها بعضا من هذا الشعور الذي لم يدم طويلا قبل أن يقرر قطع علاقته الغرامية مع الأستاذة والتوجه لبناء علاقة أخرى مع الطالبة المعتدى عليها، وهو ما عرفت تفاصيله بطلة القصة الغرامية الأولى وقصد الانتقام من خاطفة حبيب القلب قامت ضحية الحب بهذا الاعتداء الجسدي الذي اعتبره بعض الطلبة أنه قمة انحطاط المستوى. وفي إقامة للبنات اندلعت حرب حقيقية خلفت إصابة ثلاث طالبات على الأقل، بعد قفزهن من الطابق الثاني من شدّة الهلع الذي سكن قلوبهن بعد الهجوم الكاسح للجناح المخصص لإقامتهن من قبل مجموعة من الطالبات الأخريات اللواتي تسلّحن بمختلف العصي والقضبان لتحقيق نوازع الإنتقام، وهذا بسبب مناوشات وقعت بين الطرفين أثناء حفل غنائي نظمته إدارة الإقامة. عون أمن رفض الاختلاط على شاكلة "المعزة والعتروس" فكاد أن يلقى حتفه وفي حادثة أخرى عرفتها إحدى الإقامات الجامعية للبنات منذ أيام فقط، كاد عون أمن أن يلقى حتفه على يد مجموعة من الطلبة، وهذا بعد أن قام المعني بمنع طالب من التوغل أكثر إلى داخل الإقامة الجامعية التي تكفلت بإطعام المشاركين في ملتقى نظمته إحدى التنظيمات الطلابية، تفاديا للاختلاط، على أساس أنّ الإقامة مخصصة للطالبات، وأمام إصرار الطالب على التوغل أكثر في المنطقة المحرمة على الذكور تعرض هذا الأخير إلى صفعة من قبل عون الأمن، وهي القطرة التي أفاضت الكأس وجعلت الطالب المصفوع يستنفر زملاءه الذين قدموا مدججين بمختلف العصي والقضبان وانقضّوا على عون الأمن بالضرب المبرح على مختلف أنحاء جسمه، خاصة على مستوى الرأس والذراعين، ما تطلب نقله إلى المستشفى في حالة حرجة، فكاد أن يلقى حتفه لأنه رفض الاختلاط على شاكلة "المعزة والعتروس". إعتداء على مدير إقامة، وآخر على مسؤول مطعم، وحرب بعد مقابلة رياضية... العنف الجامعي لم يكن ضحاياه فقط أعوان الأمن والطلبة، إذ نجده امتد حتى للمسؤولين، وما حادثة الاعتداء على مدير إحدى الإقامات الجامعية للذكور قبل أسابيع فقط إلا دليلا على ذلك، والسبب انعدام الماء، حيث أنّ الطالب المعتدي وعندما لم يجد الماء في الحنفية أخذ يتحدث بكلام بذيء أمام مدير الإقامة، وبعد تدخل هذا الأخير للتخفيف من حدّة الغضب جوبه باعتداء جسدي عنيف ردّ عليه هو الآخر بطريقته الخاصة. أما بإقامة أخرى وقبل حوالي عشرة أيام اقتحم طالب مطعم الإقامة محاولا الاعتداء على عامل بهذا المطعم، إلا أن هذا الأخير وبمؤازرة زملائه قاموا بضرب الطالب ضربا مبرحا، وفي خضم ذلك اقتحمت مجموعة من الطلبة المطعم ثانية قصد الانتقام لزميلهم، فكادت الأمور أن تتحول إلى حرب حقيقية خاصة أنّ كل الوسائل والأسلحة البيضاء كانت متوفرة لولا تغلب منطق التعقل على منطق التهور. ولا نخرج من محيط الإقامات الجامعة الأكثر تسجيلا لأحداث العنف، حيث تحولت مقابلة كروية إلى ساحة معركة حامية الوطيس خلال الأيام القليلة الماضية أدّت إلى تسجيل جريحين أحدهما استفاد من عجز بثمانية أيام وآخر بعجز مدّته خمسة عشر يوما. كل هذه الأحداث وأخرى كثيرة لا يسع المقام لذكرها أصبحت خلال السنوات الأخيرة مشاهد يومية ملازمة للطالب الجامعي، في وسط ومحيط ينظر إليه عامة الناس أنه للنخبة وتكوين إطارات المستقبل، ولأن الأمر كذلك فقد ارتأينا أن ننقل بعض آراء أهل الاختصاص حول أسباب هذا التفشي الخطير للعنف في الوسط الجامعي وما هو السبيل الذي يمكن اتّباعه حتى تتقلص الظاهرة ويحد من سرعة انتشارها. الأساتذة والمختصّين...الاكتظاظ ومختلف الضغوطات النفسية خاصة منها الأفق المسدود الذي ينتظر الطالب وراء جزء من الظاهرة وحسب الأستاذ "حميد ابرير" بقسم الإعلام بجامعة باتنة، فإنّ أسباب الظاهرة تأخذ أبعادا قانونية وثقافية وأخلاقية، فالقوانين المعمول بها في الجامعة الجزائرية غير رادعة بالقدر الكافي ويتم التراجع في أغلب حالات العنف عن العقوبات المسلطة لدوافع مختلفة، فضلا عن التراجع الرهيب في مستوى تفكير الطالب الجامعي الذي يهمل الجانب التكويني الذي جاء من أجله للجامعة مقابل اهتمامه بأشياء لا علاقة لها بالتحصيل العلمي تشجعه أحيانا كثيرة على التورط في مثل هذه الأعمال، إلى جانب الغياب الكلي لدور الأسرة في التربية والتوجيه كقاعدة، يضاف إلى كل هذا التغيرات المتسارعة التي يعرفها المجتمع، وهي متغيرات غير متحكم فيها وغالبا ما تأتي غير متماشية مع قيمنا الأخلاقية والاجتماعية، والحل -حسب نفس المتحدث- يكمن إلى جانب العمل على معالجة أسباب الضغوطات المختلفة التي تتعرض لها مختلف فئات المجتمع الجامعي.. في صياغة ميثاق تشارك فيه كل أطراف الأسرة الجامعية بضوابط دقيقة تحدد مهام وواجبات كل منها. وفي نفس السياق، يرى "صليح رويشي" أحد المختصين في علم الاجتماع، أنّ مختلف الضغوطات النفسية التي يعيشها الطالب الجامعي وراء وقوع معظم الصدامات المؤدية إلى حدوث اشتباكات تتطور إلى اعتداءات جسدية في أشكال عنف مختلفة، وهي الضغوطات النفسية التي تأتي أساسا نتيجة الأفق المظلم الذي يرى الطالب أنه متجها إليه، خاصة عندما ينظر إلى تلك الأعداد الكبيرة من الطلبة المتخرجين في الدفعات التي سبقته دون عمل وفي أوضاع اجتماعية مزرية، وهو أكبر ضغط نفسي يقع فيه الطالب بما يؤدي إلى عدم تقبله لأي احتكاك أو سوء تفاهم قد يحدث بينه وبين غيره، ناهيك عن الضغوطات النفسية الناتجة عن العلاقات العاطفية خاصة أن هذه المرحلة من العمر حساسة جدا باعتبارها أوج فترة المراهقة يريد فيها بعض الطلبة أن يظهروا رجولتهم وتفوقهم الجسدي، خاصة عندما لا يتحقق التفوق العلمي، كذلك الضغوطات التي تكون بسبب التفاوت في المستوى المعيشي بين هذا الطالب وذاك، حيث يقول نفس المتحدث أن أعدادا هائلة من طلبة البلديات والدوائر البعيدة عن مقر الولاية باتنة وكذا من الولايات المجاورة تأتي إلى الجامعة بمبالغ لا تتعدى في كثير من الأحيان 300 و400 دج للأسبوع. أما الأستاذ بقسم علم الاجتماع، صلاح العمراوي، المختص في الديموغرافيا فقد أرجع بعض أسباب العنف في الوسط الجامعي إلى العدد الهائل من الطلبة الذي تجاوز 45 ألف طالب، وما نتج عنه من اكتظاظ في كل زاوية من زوايا الجامعة سواء منها في المعاهد أو الإقامات، ففي القسم الواحد عدد الطلبة أكثر من طاقة الاستيعاب، والشيء نفسه في الغرفة الواحدة بالإقامات الجامعية، ولا تختلف الطوابير أمام المطاعم عن كل ذلك ما يؤدي إلى الصدامات ثم إلى الاشتباكات وبعدها مظاهر العنف بشتى أنواعه، أما الطلبة فقد كان لهم رأي آخر في الموضوع، وهو طريقة وسياسة التوظيف بصفة عامة التي لا يراعى فيها المستوى، حيث أصبح من هب ودب يمكنه أن يصبح مسؤولا أو إداريا أو عون أمن أو حتى أستاذا في بعض الأحيان حسب رأي الطالبين بكلية الحقوق " ه. م" و"ك.ج"، إضافة إلى التدني الكبير للمستوى والوعي بصفة عامة من الطالب نفسه، مرورا ببعض الأساتذة والإداريين، وصولا إلى معظم أعوان الأمن حسب ما ذهبت إليه الطالبات "د.ت" و"ن.م" و"ع ل" بكلية الاقتصاد، ولأن الحال هو هكذا والمرض تزداد رقعته من سنة إلى أخرى، وإذا كان هذا رأي بعض المختصين في علم الاجتماع و الديموغرافيا، فما هو رأي أهل القانون في كل ذلك؟. الأصل هو محاولة احتواء العنف وعلاج المرض من أسبابه لا تقديم الإسعافات لأعراضه يرى أستاذ في كلية الحقوق بجامعة باتنة، مختص في علم الإجرام والعقاب، أنه وقصد احتواء الوضع قبل فوات الأوان يجب محاولة احتواء العنف وعلاج أسبابه،لا تقديم الإسعافات لأعراضه، وإذا حدث وأن تجرّد بعض أفراد المحيط الجامعي من أخلاق الجامعة فلا بد له من ردع فعّال عن طريق القنوات التي يسخّرها المشرع لذلك، لأنّ التسامح مع هؤلاء الشواذ يفتح لهم مجالا خصبا لممارسة شذوذهم وتشويه الوسط الجامعي وتوسيع دائرة العنف. وبالنظر إلى هذا الرأي المعبّر عن وجهة نظر رجل قانون، يستشف أنّ رقعة العنف في الوسط الجامعي سواء في جامعة باتنة أو في باقي جامعات الوطن، تسير نحو الاتساع من يوم إلى آخر، ومن سنة إلى أخرى، بالنظر إلى أنّ معظم المتسببين في مختلف أحداث العنف في الوسط الجامعي بجامعة باتنة باعتبار أننا أخذنا شواهد أحداث منها، لم يتم معاقبتهم واكتفى الأمر في أقصى العقوبات على توبيخهم وفي معظم الحالات المتبقية يتم التسامح معهم بإقامة الصلح بين الطرفين عن طريق "تاجماعت" أحيانا، والصلح الفردي أحيانا أخرى. للإشارة، فإن جامعة باتنة وبالنظر إلى بعض الجامعات الأخرى على المستوى الوطني فإنها لم تسجل انزلاقات خطيرة في هذا الشأن، كما حدث في إحدى الجامعات عندما قتل طالب أستاذه بأكثر من عشر طعنات خنجر، إلا أنها وبالنظر إلى الوضع الحالي والمعطيات الميدانية فإنّ ناقوس الخطر يجب أن يدق وعلى جميع المسؤولين المعنيين النظر إلى المسألة بالجدية المطلوبة كونها تستدعي التمعن فيها لأنها أصابت العصب الحساس للمجتمع الذي يرى في الجامعة منارة للعلم والتربية والأخلاق تنتج المثقفين والإطارات المعوّل عليهم لبناء جزائر التطور والاستقرار... جزائر الغد المشرق.