أحدث مقتل تسعة جنود تونسيين، ليلة الاثنين إلى الثلاثاء الماضي، شرخا في أوساط المعارضة التونسية، التي اختلف رأيها في منفذي العملية الإرهابية، بعضهم يتهم الجهادية التكفيرية والبعض يشير إلى أيدٍ خارجية تتآمر على "ثورة الياسمين". «لم يعد هناك مجال للحوار"، "العصيان المدني هو الحل الأوحد الآن"، هي بعض التعاليق التي دونها مثقفون ومناضلون تونسيون على صفحاتهم الخاصة، للتعبير عن استنكارهم للعملية الارهابية التي استهدفت دورية عسكرية في جبل الشعانبي عند الحدود الجزائرية، راح ضحيتها تسعة جنود وجرح آخرين، ما أدخل الشعب التونسي في صدمة قصوى وهم الذين شيعوا المغتال محمد البراهمي إلى مقبرة القلاز منذ أيام قليلة فقط، والتي على إثر اغتياله أمام بيته بالعاصمة التونسية، جددت المعارضة مطلبها برحيل حكومة العريض، هذا الأخير أكد في تصريحاته الإعلامية أنه لا يجب أن يربط تراجع الوضع الأمني في تونس بأداء الحكومة التابعة لحزب النهضة، إلا أن وزير الداخلية لطفي بن جدو، أثبت التضارب الذي توجد فيه الحكومة الحالية، حينما أعلن البارحة أن قائمة باسم مثقفين وإعلاميين وسياسيين بحوزة الجماعات الإرهابية، تنتظر تنفيذ عمليات في حقها، فاتحا بذلك الباب أمام حلقات إضافية من مسلسل الترهيب. ما زالت الأمور في تونس غير واضحة للجميع، أمام صمت المؤسسة العسكرية التونسية، التي اكتفت "برفع علم كبير في قمة جبل الشعانبي"، الكل يتراشق التأويلات ويتكلم عن مد إرهابي استمد "شرعيته" من اللقاء الذي حظيت به هذه الجماعة من قبل منصف المرزوقي عقب تعيينه على رأس المجلس التأسيسي، في سياق لقاءات التشاور والتحاور مع كل القوى الوطنية، ما أعطى جماعة الجهادية التكفيرية حجة في تكثيف أعمالهم لمزيد من الموالين والمتعاطفين. وجهة نظر رفضت أطراف أخرى ترجيحها بالقول أن الرهان على اجهاض التجربة التونسية، يدخل ضمن مسار تحطيم "أصنام الثورات العربية" الأخيرة بدء بمصر وليبيا ثم تونس، بعيدا عن نظرية المؤامرة، ارتفعت أصوات من "ميدان الباردو" حيث الاعتصامات متواصلة، لتقول إن اغتيال الجنود التسعة، هو دليل آخر على فشل الحكومة والمجلس في تسيير البلاد، وأن بقاء العريض وأتباعه، عار عليهم، وأنه من الواجب استقالة الجميع والاعتراف بالفشل الذريع أمام موجة العنف المتصاعدة. ويستند أصحاب هذا الرأي إلى تصريحات الحكومة "المخيبة" وعدم اقتناعهم بتصريحات عدنان منصور (متحدث باسم الرئاسة) الذي اكتفى بإعلان الحادثة والإشارة إلى "كمين نصبه مسلحون" دون تحديد انتمائهم، علما أن منطقة جبل الشعانبي تعد أعلى منطقة جبلية في تونس، وترتفع نحو 1500 متر فوق سطح البحر، وتقع قرب مدينة قصرين قرب الحدود الجزائرية، وكانت موضع حملة عسكرية مكثفة للبحث عن الجماعات المسلحة القريبة من القاعدة في الربيع الماضي، بعضهم قاتل في النزاع الدائر في مالي. الهجوم في الحساب الأمني الجزائري يفتح من جديد ملف سلامة التراب الوطني من سيول حركات الاحتجاج والتمرد التي تبنتها تنظيمات القاعدة في منطقة المغرب العربي، إذ لم تعد الحدود الجزائرية التونسية آمنة كما في السابق، والعملية الأخيرة في حق الجنود التسعة، ستقض مضجع حراس الجبهة الشرقية للجزائر.