سماء المحتفلين بعيد الفطر في دول "الربيع العربي" كانت ملبدة، وأفق الباحثين عن فسحة الأمل مغشاة بأخبار المواجهات الدامية في أغلب الأحيان، وتحول الفرد العربي في هذه الأقطار الى رقم في مزاد سياسي استعصى فهمه، واقترن بأجندات دولية ومصالح اقتصادية وتجارية يدفع ضريبتها المواطن البسيط في دول لم تدم فرحتها ب«الربيع" طويلا، وتدفع اليوم ثمن دخول معترك بورصة توجه اسهمها السامة بين العلماني والإسلامي. شارع فضل الصلاة في ساحات الاعتصام، لتصبح العبادة جزء من التعبير عن الرأي السياسي، ويتحول الدعاء إلى خطاب ترفعه الأكف الممدودة لسماء سابعة رجاء في عدالة على مقاس كل طرف. هل سيُسقط الشارع التونسي حكومة النهضة؟ سؤال يطرح نفسه أكثر فأكثر منذ اليوم الأول من عيد الفطر المبارك، الذي حل على التونسيين في عز حدادهم على فقدان الجنود الثمانية والمناضل محمد البراهمي. فاختلطت المشاعر في الأوساط الشعبية بين فرحة العيد الموجبة، وبين توجس وحذر يفرضه وضع متأزم لبلد لم يجن ثمار "حكومة إسلامية" منذ توليها الحكم سنتين كاملتين. ومع ذلك قرر المواطن التونسي أن يعطي للأطفال حقهم في البهجة، فنفخت البالونات بألوان الراية الوطنية، واشترى الاطفال بنقود العيد ألعابهم المفضلة، وبلباسهم الجديد تعالت أصواتهم الصغيرة في ساحات تونس العاصمة ومحافظاتها الداخلية، تنشر حيوية وغبطة عيش هنيء يصبو الكبار إليه منذ اندلاع "ثورة الياسمين". كانت هذه "حيلة" جميلة للتنفيس عن الروح، محطة استراحة للكبار بعيدا عن حركة المد والجزر الحاصلة بين قوى المعارضة وحكومة النهضة. خطاب منصف المرزوقي الرئيس المؤقت، والداعي فيه إلى توخي الحذر والفطنة، من مطبة السقوط في فخ الارهاب، وجولته بين صفوف الجيش التونسي المرابضة على الحدود الجنوبية والشرقية مع الجزائر، لم يحد من قلق الشعب. حتى إعلان علي العريض رئيس الحكومة، استعداده للتحاور مع القوى السياسية والمدنية، لم يقلل من توتر المعارضون. بل تحولت الساحات العامة إلى مواقع نزل إليها المعارضون ليؤكدوا إصرارهم على رغبتهم في رحيل الحكومة والمجلس التأسيسي. هذا الأخير علقت مهامه منذ الخميس المنصرم و«إلى أجل غير مسمى"، إلا أن القرار لم يقنع المعتصمين في ساحة الباردو، حيث رفعت الأعلام ووزعت المشروبات والاكل للحاضرين. وعلى موائد ضمت أعضاء مستقلين من المجلس التاسيسي، عبر الحضور عن توجسهم وعدم ثقتهم في "خطوة" الحوار، وهو ما عبر عنه أحمد نجيب الشابي، رئيس الهيئة التأسيسية للحزب الجمهوري المعارض، بالقول إنه "يخشى أن تأتي خطوة استجابة حركة النهضة للحوار متأخرة". وأضاف في تصريح لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية أمس الجمعة: "في هذه الحالة، فإن الأزمة التي تعيشها تونس مرشحة للتفاقم، لا قدر الله، والخروج عن السيطرة"، معززا بذلك الشعور العام للتونسيين الرافضين لفرضية تمديد آجال الحكومة الحالية، التي يقولون عنها فاقدة "لإرادة الحوار" ومكتفية من ناحية ثانية "بمجرد الدعوة للحوار"، على اساس أنه "إضاعة" للوقت. حالة من فقدان الثقة متفشية إذن في الشارع التونسي، تدفع ملاحظين دوليين إلى احتمال تكرار "السيناريو المصري" في تونس. بالنظر إلى نجاح أطراف علمانية في إسقاط حكومة إسلامية.. وهو ما تم الإعلان عنه من قبل مصطفى بن جعفر، رئيس المجلس التاسيسي والعضو في حزب التكتل، أعمال المجلس التشريعي، قصد فتح الباب لنحادثات بين المعارضة والحكومة. جدير بالذكر أن حل المجلس التاسيسي دفع البعض بتسميته ب "الانقلاب الداخلي" و«الأزمة غير المنتظرة" التي ستلعب لصالح المعارضة التونسية، التي وفقت في إرجاء خطوة مسودة الدستور الجديد وقانون الانتخابات الذي كان سيعلن عنه في الأشهر المقبلة، قصد تنظيم انتخابات نهاية العام الجاري. في المقابل لمح أحمد نجيب الشابي إلى رفض ما أسماه ب«الوسيط"، الذي قد تلعب دوره الجزائر على خلفية اجتماع وفد تونسي الأسبوع الماضي بمسؤولين حكوميين بالجزائر العاصمة، لتدارس التطورات الأمنية والسياسية الأخيرة. فكان رد الشابي: "لسنا في حاجة إلى وسيط لا داخلي ولا خارجي للحوار.. نحن بحاجة لقرار من حركة النهضة يستجيب لمطلب كل القوى السياسية والمدنية في تونس"، مقترحا "ضرورة الاستعاضة عنها (حكومة علي العريض) بحكومة كفاءات ترأسها شخصية مستقلة". ودّعت سوريا شهر رمضان 2013 برصيد ثقيل من القتلى والجرحى، حسب آخر الأرقام المعلن عنها من قبل المرصد السوري لحقوق الانسان، إذ سجل 4500 قتيل في الثلاثين يوما الماضية، جلهم في ساحة القتال. وأكد مدير المرصد، رامي عبد الرحمن، حسب وكالات أنباء دولية، 302 طفل من بين المدنيين القتلى، كما قتل في المواجهات المسلحة 485 مسلح أجنبي التحقوا بالمعارضة. أما عدد القتلى بين القوات الحكومية فقد بلغ 1010 قتيل، كما قتل 112 عنصر من قوات الدفاع الوطني الموالية للنظام، وتبقى 92 جثة لأشخاص غير معروفين. هذه الأرقام، حسب ذات المصدر، تؤكد أن في هذه الصائفة الضحايا من المسلحين، عكس السنة الماضية، حيث سجل شهر أوت 2012 قوائم طويلة من المدنيين العزل. وتفسير هذا التغيير، حسب مدير المرصد، هو النزوح الملفت للمدنيين إلى مناطق "أكثر امنا" أو"بعيدا من خطوط التماس"، واللجوء إلى مناطق تسيطر عليها إما قوات الحكومة أوالأكراد. بشار الأسد في المشهد السوري ظهر "منتصرا" وبصحة جيدة، متحديا "قاصفيه" ب 17 قذيفة هاون، ألقى بها "لواء تحرير الشام" الذي سارع إلى تاكيد عمليته وتبنيها، والإصرار على الاضرار الملحقة بموكب الرئيس السوري. في المقابل سارع وزير الإعلام إلى تكذيب الخبر، ووجهت الكاميرات إلى بشار الأسد يتقدم المصلين في صلاة العيد، ولا يُعرف إن كانت هذه الصور راهنة أم قديمة، فيما تؤكد المعارضة أن بشار قد يكون في خبر "كان"..؟ استقبلت ساحة التغيير بقلب مدينة العاصمة، طرابلس، آلاف المصلين الليبين بمناسبة عيد الفطر المبارك، تقاسموا لحظات فرحة المسلم بعد شهر رمضان، إلا أن قلوبهم ظلت معلقة بين دوي انفجار وتهديد جماعات مسلحة، وأخبار عن تدهور الوضع الاقتصادي بتوقف إنتاج النفط الثروة الأولى للبلد. حالة من عدم اليقين السياسي في ليبيا، لبسها المواطنون صبيحة الخميس الماضي بالمختلط بمذاق حلوى العيد، ومرارة دائمة لوضع غير مستقر وتهديد مستمر لحياتهم. إذ تفاقت أعمال العنف في الأشهر الاخيرة بليبيا، وزادت من أرق السكان الذين لم يعودوا مقتنعين هم أيضا بجدوة الحكومة في بسط سلطتها على الميليشيات المسلحة. وكذلك ظلت مدينة بنغازي، معقل شرارة الثورة في ليبيا، قبلة للاضطراب والمواجهات خاصة بعد اغتيال الناشط السياسي عبد السلام المسماري، أبرز المنتقدين لجماعة الإخوان المسلمين. ومازال الشارع يتجاذب أطراف الحديث عن استقالة رئيس الحكومة من منصبه الأسبوع الماضي، بعد إقراره بعدم تمتعه بما يكفي من السلطة لتأدية مهامه. في الوقت الذي استقبلت بعض العائلات الليبية خبر إطلاق سراح 21 من أبنائها المعتقلين في تونس، بعد قرار العفو الرئاسي الذي طال أزيد من 100 سجين. استفاق الشارع على خبر تأجيل رئيس محكمة استئناف طرابلس لجلسة محاكمة الثلاثي (البغدادي المحمودي، المبروك زهمول، عامر ترفاس)، المتهمين بالتحريض، والقيام بأعمال القتل وتحويل مبالغ مالية في حسابات خاصة كدعم لوجستي للنظام السابق بهدف إجهاض ثورة 17 فيفري. وعلى صعيدآخر أوقفت قوى الأمن شخصين كانا يعملان على تفخيخ جسر بالمتفجرات على طريق يصل بنغازي بطرابلس. ومن جهتها، حذرت وزارة الدفاع الليبية. في بيان نشرته وكالة الانباء الفرنسية، أيا كان من الاقتراب من المنشآت العسكرية، موضحة أنه سيتم التعامل معه بأنه خطر. اقتصاديا يترقب أن تدخل ليبيا مرحلة حرجة، بعد تقارير عن توقف تام لإنتاج خام السدر الليبي، إضافة إلى مواد أخرى بعد إضرابات في المرفأين الرئيسيين السدر وراس لانوف، اللذين تبلغ طاقة تصديرها 600 ألف برميل يوميا، فيما يصدر مرفأ الزويتينة 70 ألف برميل يوميا. والأسوأ في الأمر تراجع ملفت لصادرات النفط الليبية إلى نحو 425 ألف برميل يوميا كأدنى مستوى سجلته البلاد، إذ أعلن مسؤولون في قطاع النفط أنه "توقفت كل الحقول المنتجة لخام السدر عن الإنتاج"، شارحا توقف إنتاج الحقول كونها لأنها بلغت الحد الأقصى لطاقتها التخزينية في ظل توقف الصادرات لأكثر من أسبوع. ولم يمنع عيد الفطر عمال قواعد نفطية من مواصلة احتاجاهم، رغم تطمينات وزير النفط الليبي ووعوده، كما هو الحال في حقل الواحة، وحقل الفيل الذي أغلق هو الآخر منذ ماي المنصرم. الكل أجمع أن يوم العيد المصادف للخميس الفاتح شوال الموافق ل 8 أوت الجاري، كان بمثابة الاستراحة للمتظاهرين، خاصة المدافعين عن شرعية محمد مرسي في ميدان رابعة العدوية، حيث أدت الجموع صلاة العيد ورددوا بعد دعواتهم وخطبهم الساخنة، أهازيج ورقصوا على وقعها، ومنحوا الأطفال ألعابا وعرائس ڤراڤوز زرعت البسمة في الأرجاء. وحضرت نجلاء محمود، زوجة الرئيس محمد مرسي، وقاسمت الأطفال فرحتهم بملابسهم الجديدة. في المقابل واصل المعارضون لحزب العدالة وقفتهم في صفوف عبد الفتاح السيسي، وهتفوا بحياته وبحياة من يرونه الأفضل لاعتلاء كرسي الرئاسة رسميا..