لم يبق من الحرفيين التقليديين الذين كانوا يمثلون أهم عنصر في القصبة العريقة، إلا عدد قليل يتحدون الزمن ويحافظون على جزء هام من التراث الثقافي الجزائري. يبلغ عدد هؤلاء الحرفيين المحافظين على الصناعة التقليدية في المدينة العتيقة حوالي عشرة، وهم لا يقبلون مهما كان الأمر التخلي عن هذا التراث الذي يحفظونه منذ عشريات، حيث ورثوه عن أسلافهم. وتسببت مخلفات الزمن ومختلف التحولات التي عرفتها المدينة القديمة في اختفاء موروث الأجداد ومهارات الأحفاد. ولم يبق من حرفيي صناعة النحاس العاصمية التي كان يرتبط اسمهما بالقصبة سوى محل واحد حافظ عليه بفخر كبير صاحبه ميرة الهاشمي، الذي تحصل عديد المرات على جوائز على "الأصالة" و"الابتكار" التي تميز منتوجاته. وتأسف هذا الحرفي ذو السبعين سنة من العمر، والذي ورث المهنة عن عائلته، من العراقيل التي أدت إلى تأخير هذا النشاط، لاسيما ندرة المواد الأولية، ما يبرر الأسعار الباهظة للمنتوجات. وتأسف نفس المتحدث لكون صانعي النحاس يكتفون برسكلة الأشياء المصنوعة من قبل أوالعمل على بقايا النحاس، ما يقلص بشكل كبير كميات المنتوجات، معربا عن قلقه بشأن مستقبل هذه المهنة. وأحب الهاشمي، الذي كون العديد من الشبان المولعين بصناعة النحاس "مواصلة تعليم مهنته قصد الحفاظ عليها من الاختفاء"، خاصة أن لا أحد من أبنائه مستعد لحمل مشعل هذه العلامة العائلية. وقال بحسرة إن قانون السوق الشرس يكبح هذا الطموح المغذى بإحساس "ثورة" ضد "اللامبالاة" المؤسساتية التي تضر بالحرفيين. وعلى غرار الهاشمي في صناعة النحاس، محيوت خالد، هو آخر صانع خشب فني، حيث يبقى لوحده اليوم يحمل بصمة الأصالة في هذه الحرفة. والمحل التقليدي الوحيد المتخصص في صناعة الخبز الذي استطاع البقاء "شامخا"، هو مخبزة سليماني التي مازالت تجلب زبائن ما زالوا يحبون تناول الخبز الساخن المطهو على الغاز. وأعاد والد سليماني يوسف شراء المحل الذي يعود تاريخ إنشائه إلى سنة 1948 من أحد الأقدام السود، وحافظ عليه لأنه بقي مصدر رزقه إلى غاية أن تكفل به أحد إخوته وابنه يوسف. ومنذ سنوات كان طريق بن عاشر في القصبة الدنيا معروفا ببيع التوابل، التي تخصص فيها التجار، على غرار شوارع صغيرة أخرى تخصص كل واحد منها في نشاطات تقليدية. واليوم بقيت عائلة واحدة محافظة على هذه التجارة التي لا يكفي مدخولها لسد الحاجيات، حسبما أكد أحد الأبناء (زينو.م) الذي صرح أنه "لو كان له الخيار لاختار نشاط أكثر مردودية وأقل مخاطرة". ونفس الشيء بالنسبة لمهنة الحياكين (صناع الحايك).. هذا الزي الخاص بالمحروسة، حتى أصبحت النساء المستعملات هذا اللباس اليوم تثرن فضول "المارة". ووسط هذه المعاينة المرة، نجد شيئا يعيد الحياة قليلا لهذا الحي العتيق، وهو العودة التدريجية للسياح الأجانب نحو القصبة، الذي لوحظ خلال السنوات الأخيرة مثلما يؤكده زوج فرنسي وصل إلى الجزائر العاصمة عبر الباخرة.