كشفت الأحداث الأخيرة ببلدية الڤرارة، عشية عيد الفطر، هشاشة الأوضاع في الجنوب الجزائري، ومعها سياسة الحكومة في امتصاص غضب شبان هذه الولايات، الذين أصبحوا يعبرون عن سوء أحوالهم بالعنف. وفي غرداية يصبح الاختلاف المذهبي بين السكان السبب الوحيد والأنسب للمسؤولين المحليين لتبرير الانفلات الشعبي في الدوائر والبلديات. أفضت المشادات العنيفة بين شبان حي اولاد بابهون واولاد سيدي امحمد، إلى إصابة 25 شخصا بجروح متفاوتة. ولم تسلم الشرطة من الأذى، حيث سجلت إصابة خمسة من عناصرها. وفي وقت لم يكن السكان ينتظرون الحدث، والكل منشغل بتحضيرات العيد والتسوق ليلا وسط المدينة، تعرضت فتاة إلى معاكسة شاب من اولاد سيدي امحمد (مذهب مالكي)، سرعان ما أثار حفيظة أنصارها من أبناء حيها والموالين لهم، فتبادل الطرفان الشتم والضرب أمام غياب شبه تام لعناصر الشرطة التي لم تلتحق بالميدان إلا في وقت متأخر، ما أدى إلى انفلات الأوضاع وإتلاف محلات تجارية في المكان، بل ومحاولة إضرام النار بمحطة للوقود كادت تحدث كارثة. رغم أن السبب يبدو أخلاقيا بالدرجة الأولى، بالنظر إلى تعرض امراة إلى تحرش في مكان عمومي، إلا أن الڤرارة أعطت للحادثة تفسيرا آخر، بالنظر إلى انتماء الشاب المعتدي، ما عمق فرضية السلوك المتعمد والتحريضي من أجل غاية تتجاوز مجرد المعاكسة، وتلحق الأذى المعنوي بأنصار اولاد بابهون الإباضييين.. وهو التفسير الذي يرفضه بعض الملاحظين في الڤرارة وغرداية، مؤكدين أن توتر السكان في البلدية راجع إلى تدهور وضعهم الاجتماعي، وحالة الفراغ الذي يحياه الجميع في غياب مؤسسات تحتضن المواهب والطاقات والانشغالات، وأخرى تقدم تكوينا مهنيا يصلح للعمل. وبين هذا التفسير وذاك، تدخل مشادات الڤرارة في قائمة أحداث المنطقة منذ منتصف السبعينات إلى الثمانينيات فالألفين، دون أن تحظى بحلول جذرية وتفسيرات مقنعة تنير الرأي العام، وتقنعهم أن المنطقة آمنة من أي "انشقاق" محتمل قد يستغل لأغراض أخرى. كما يضع حدا لتلاعب الساسة بورقة "المؤامرة الخارجية" التي استعملتها في 2009 عند أحداث بريان، وراحت تروج لأخبار تورط جهات بحرينية في تأجيج نزعة "الانفصال". أحداث الڤرارة أثبتت أيضا التفكير الضيق للحكومة آنذاك عندما فوضت العشيرة لحل أزمة دولة، وبدل تحميل الوالي ورئيس الدائرة ورئيس البلدية ومسؤولي الأمن والتنمية والثقافة والرياضة.. مسؤولية إخلالهم بواجب الاهتمام بشؤون المواطن هناك، استعانت دولة بأكملها بأعيان البلدات، وجلبت مجلس شيوخ زمان للاستماع إلى مواعظ وخطب ورسائل لم يعد شبان اليوم يهضمون مغزاها.