لخص الوزير الأول عبد المالك سلال، الخميس الفارط، من جيجل التي قادته إليها زيارة عمل مقومات نجاح الجزائر في مجانبة "ثورات الربيع"، والتحكم في الداخل في "كوننا نعرف ثمن الاستقرار ونعرف ماذا يريد الشعب الجزائري ولم نتدخل في شؤون الغير ولم تنزع دولتنا لأسلوب الزعامة دوليا"، كاشفا في سياق مغاير أن "طاقمه الحكومي الحالي يحظى برضى الشعب والرئيس بوتفليقة"، مطالبا على صعيد اقتصادي بالكف عن اعتبار الجزائر تتمتع ببحبوحة مالية لأن أموالها موجهة لدروس الماضي". كانت زيارة الوزير الأول عبد المالك سلال، لجيجل، الزيارة التي أطلق فيها أكبر عدد من الرسائل السياسية القوية، مقارنة بالولايات السابقة، إذ لم يدع ملفا إلا ودخل فيه، خاصة ملفات الساعة من مصير حكومته مرورا بالدخول الاجتماعي وما يتصل به من ملفات السكن والبطالة والإضرابات المُعلن عنها وصولا إلى البحبوحة المالية. مباشرة بعد إنهاء رئيس المجلس الشعبي الولائي والوالي لمداخلتيهما أمام المجتمع المدني كآخر محطة في أجندة الزيارة التي قادت الوزير الأول إلى جيجل، فضّل عبد المالك سلال أن يشق بخطابه طريق السلم الاجتماعي، حيث لخص في أربع جمل واضحة لماذا تعيش الجزائر استقرارا داخليا، بينما العالم يغلي من حوله، إذ قال بصريح العبارة "إننا دعاة خير ونعرف ثمن الاستقرار ونعرف ماذا يريد الشعب، وهذا ما جعلنا نتحكم في الداخل". وفيما يبدو أنها عوامل تراها السلطة سببا في عدم تأليب الخارج على الجزائر ولم تدفعه للكيد لها، قال سلال "نحن لم نزايد على أحد ولم نتدخل في شؤون غيرنا ولم تنزع دولتنا للزعامة ولهذا لا أحد يعطينا دروسا". وفي أول رد فعل ضمني على ما يُتداول مؤخرا حول إمكانية تعديل حكومي خاصة بعد دخول الرئيس بوتفليقة من رحلته العلاجية بفرنسا، قال الوزير الأول عبد المالك سلال في سياق نجاح جهازه التنفيذي في كسب رهان الاستقرار "الحكومة تسير على برنامج واضح وسيرها يتم تحت مراقبة الرئيس الذي يُتابع عملنا، فالشعب راضٍ عنها والرئيس بوتفليقة أيضا". وأردف الوزير الأول قائلا "لقد سبق لي وقلت أمام البرلمان بأن العدو من ورائنا والبحر من أمامنا وكنت قطعت وعدا بألا نعود للوراء حتى تصل الباخرة إلى مكانها اللائق". وحيّد الوزير الأول بذلك كل الشكوك حول إمكانية إجراء تعديل حكومي، إذ قال في مناسبتين في معرض كلامه "إن الحكومة تعمل على تحقيق مضمون خطة عملها بكل حرية". وفي تحدٍ واضح لإعلانات الإضراب من مختلف النقابات، رد سلال حازما بالقول "لسنا متخوفين ولن يكون هناك أي إشكال في الدخول الاجتماعي المقبل في قطاعات التربية والتعليم العالي والتكوين"، مضيفا "إن الدخول المقبل سيستفيد فيه 3 ملايين من منحة الدخول المدرسي والمقدرة ب 3 آلاف دينار لكل محروم". وفي ملف السكن، قال سلال "إني آمر والي جيجل كما سبق وأمرت كافة ولاة الجمهورية بتوزيع عادل للسكنات وبشكل ديمقراطي، وقد قررت بمعية وزير السكن إشراك المواطنين في بناء مشاريع السكن الجديدة وفق النمط الذي يرغبون فيه مراعاة لخصوصية كل منطقة"، معلقا على هذه القرارات بالقول "أن هذا ما نعتبره ديمقراطية حقيقية.. فالديمقراطية ليست فقط وضع ورقة في الصندوق، فقد عرفنا جيدا ماذا أخرج لنا هذا النوع من الديمقراطية من الصندوق.. لقد أخرج لنا جهنم". ودائما عن الملف الاجتماعي وبالتحديد عن الدخول الاجتماعي واصل سلال حديثه بالقول "إن الجزائر تملك قوة جهنمية ولكن أبدا لن تستعملها ضد أولادها". كما أعلن سلال أنه أمر ولاة البلاد بالإسراع في تقسيم محلات الشباب من أجل المساهمة في امتصاص البطالة، وتوجه الشباب نحو العمل بدل اغراق الشوارع "بطابلات الشمة والدخان". وفي خرجة غير منتظرة، كشف الوزير الأول عبد المالك سلال عن عدد من الخبايا لدى تطرقه إلى الملف الاقتصادي، إذ وبعد استماعه لمواطن من القاعة في اجتماعه مع ممثلي المجتمع المدني، طالبه بإنشاء ميناء جديد بجيجل من أموال البحبوحة المالية، قال "بالاكو تغلطوا تقولوا البحبوحة.. ما كانش بزاف والرايس لا يسمح لنا بمس كل شيء" في إشارة واضحة إلى أن احتياطي الجزائر الذي دعت جهات كثيرة لاستثماره، يقف الرئيس ليحول بينه وبين مسه، وبرر سلال موقف بوتفليقة بقوله "في الماضي لم يكن للجزائر ما يمكنها من شراء باخرة واحدة من القمح، ولقد تعلمنا من الدروس الماضية كيف نقتصد، فالرئيس مصمم على عدم مس تلك الأموال"، موضحا أن ميزانية الدولة ستُصرف بشكل مدروس للغاية. كما أعلن الوزير الأول عن قرار اقتصادي آخر يتمثل في فتح الحكومة سحب دفاتر شروط استغلال الجيل الثالث للهاتف النقال، وهو القرار الذي ظل مجهول توقيت تنفيذه خاصة وأن الوزير موسى بن حمادي ربطه بضرورة أن يكون مرفوقا بتصفية ملف جيزي من خلال شرائها. كما جدّد الوزير الأول تأكيده على وجود لقاء للثلاثية في سبتمبر سيُخصص للملف الاقتصادي خاصة كيفية اعادة بناء نسيج اقتصادي منتج. وقد دعا سلال الشباب من خلال إحدى المواطنات التي طرحت عليه انشغال ارتفاع البطالة بجيجل، إلى التوجه نحو "أنساج" و«أونجام" لخلق مشاريعهم الخاصة بدل الوظيف العمومي "الذي أصبح متشبعا وغير قادر على خلق مناصب الشغل". قال الوزير الأول عبد المالك سلال إن جيجل نالت ما لا يقل عن 190 مليار دينار في الخماسي السابق، وأنها ستستفيد من غلاف تكميلي مهم لم يُعلن عن قيمته، إلا أن الوزير الأول حث السلطات الولائية بدءا بالوالي على الإسراع في ربط الولاية بالخط الحلم "الطريق الوطني 77" الذي يجعلها قريبة من الطريق السيار شرق - غرب بعد أن تعمل السلطات أيضا على جعل ميناء جن جن أكبر ميناء تجاري في المتوسط. وأبدى سلال عدم رضاه على قطاع الفلاحة في جيجل "الذي ينبغي أن يعود لمستواه السابق"، فمستقبل جيجل مضمون "لو عملتم بصرامة مع وجود إمكانيات سياحية كبيرة وتجارية بفتح ميناء جن جن وفلاحية باستغلال طاقاتها الانتاجية".