يستضيف رواق عائشة حداد، بشارع ديدوش مراد في العاصمة، مجموعة فوتوغرافية تروي بين زوايا لوحاتها قصصا معبرة تربط بين الماضي والحاضر، للفنان المخرج المصري وائل جزولي، وسيدوم هذا المعرض إلى غاية ال13 من الشهر الجاري. وائل جزولي، شاب مصري متعدد المواهب، رغم صغر سنه إلا أنه حقق الكثير، من مواليد 1990 بالقاهرة، متحصل على عدة شهادات في مجالات عديدة مثل التجارة، الإعلام الآلي.. إلا أن مجال التصوير يستهويه أكثر من أي شيء آخر، إذ عمل كمصور صحفي في عدة جرائد مصرية ووكالات إخبارية دولية، نشرت أعماله في عدة صحف دولية وأشرف كمدرب على عدة ورشات تصوير صحفي. أقام معرض صور في الولاياتالمتحدةالأمريكية عن "الثورة المصرية"، ويعتبر هذا معرضه الثاني الذي استوحاه من فيلمه الوثائقي "إركي".. العمل الفني الذي يتناول القضية النوبية المصرية، والذي شارك به مؤخرا في مهرجان وهران للفيلم العربي. المعرض الذي يتكون من حوالي 35 صورة فوتوغرافية ينقل زائره في رحلة تاريخية عمرها حوالي 7000 سنة، يروي خلالها صاحب المعرض أهم الأحداث التي واجهت سكان بلاد النوبة وقصة ترحيلهم من جنتهم الخضراء، منتقلا بمستمعيه من محطة إلى أخرى حسب تسلسل اللوحات المعروضة. المعرض الذي يحمل اسم "إركي" (الكلمة النوبية التي تعني "البلد القديم"، وهو المكان الذي يطالب النوبيون بالعودة إليه. وقد تعمد "وائل جزولي" استخدام ورقة قديمة تحت الصورة تحمل تفاصيل حول المنطقة)، هو عبارة عن مجموعة من الصور المعبرة التي تجسد وجوها لسكان نوبيين، شيوخ، شبان، نساء وأطفال.. صور وبورتريهات جمعت مناظر طبيعية خلابة، مناطق سكنية، وقرى قليلة نجت من التهجير لبعدها عن "السد العالي" غرب منطقة "أسوان". الصور التقطت في أوقات مختلفة من شروق الشمس إلى غروبها، مبينة سحر المنطقة التي تجذب أعدادا هائلة من طيور "الوارهاوي" التي اتخذت من البحيرة الكبيرة مملكة لها. إحدى الصور في المعرض تبين معجزة تعامد الشمس على تمثال رمسيس يومي 22 أكتوبر و22 فيفري، يرافقها "وائل" بقصة نقل منظمة اليونيسكو لمعبد "أبو سمبل" ب60 مترا عن الأرض خوفا من غرقه نسبة إلى ارتفاع مستوى المياه. يبدأ "وائل" برواية قصة بناء السد العالي الذي أدى إلى إغراق 48 قرية ودفن حضارة بلغ عمرها 7000 سنة. يصور قصة الحضارة النوبية بكل جوارحه منطلقا من سنة 1902، وكيفية ترحيل سكان بلاد النوبة من جنتهم الخضراء إلى أرض بعيدة عن النيل بعشرات الكيلومترات كلم. أرض جديدة يطلق عليها اسم "وادي الشيطان" كونها منطقة صحراوية جرداء لا تتوفر على أي خدمة من خدمات الحياة، الأمر الذي دفع بعض الأفراد من الجيل الثاني إلى النزوح إلى القاهرة هروبا من المنطقة العاقر التي تم وضعهم فيها، وبحثا عن حياة أفضل لأولادهم. وحسب صاحب معرض "إركي" مازال النوبيون محافظين على رباطهم مع بلاد النوبة، حيث يعودون لزيارة موطنهم الأصلي في كل مناسبة.."سنبقى دائما متمسكين بهويتنا ولن نقطع صلتنا بأرضنا". المجموعة الفوتوغرافية التي لزمت الشاب الموهوب عاما كاملا لجمعها كانت شاهدا على حضارة بأكملها، تصور البيوت النوبية التي يتزين كل منها بنخلة وسط الحوش الواسع، أشهر الأواني الفخارية التي تشتهر بها المنطقة مثل "الشالوب" و«الأولاويا" المصنوعة من سعف النخيل، والتي تعلق في سقف البيت أوتستخدم لحفظ المأكولات، وكذا الطبق النوبي الذي يستخدم للزينة أولحفظ وتخزين الطعام.. للخروج من القالب التاريخي للقضية النوبية المصرية، اتجه نجم المعرض للجانب التقليدي للسكان النوبيين مصورا "الكنداكا" أوالملكة النوبية، مبينا قيمة المرأة عند النوبيين "نحن نساوي بين المرأة والرجل"، في صور لنساء بملابس تقليدية يتزين بحلي ذهبية وفضية تقليدية. «عيون طيبة وسمحة"، هكذا وصف وائل الشيوخ الثلاثة في الصور المعلقة، رجال بنظرات بريئة، رزينة ومحنكة تعلوها ابتسامة هادئة، يتميزون بعماماتهم المختلفة. وقد برر "وائل" الاختلافات قائلا:«كلما كانت العمامة كبيرة تمثل كبر سن الرجل". كما استرسل الفنان بحديثه عن الشعب النوبي وحسن ضيافته، مؤكدا "شعبنا كان منزوع السلاح، مستوى الجريمة كان صفرا، احترام الكبار كان القانون الأول، وطالما حمينا الحدود الجنوبية وكنا المسؤولين عن التبادل التجاري مع إفريقيا عبر الحدود، والآن برحيل النوبيين عن هذه المناطق انعدمت كل هذه الميزات". في نهاية الدورة السياحية التي يقودها "وائل جزولي" بين لوحاته، يؤكد أن المعرض له غاية واحدة فقط هي التعريف بتراث النوبيين والحفاظ على قضيتهم.