شهد التاريخ البشري قصص نجاحات تلهم كثيرين، ولعل أكثر هذه القصص تأثيرا تلك التي تتعلق بأشخاص عانوا من صعوبات لكنهم تحدوها ووقفوا أمام كل المعوقات التي واجهوها، لأنهم يؤمنون بأنهم يستطيعون تحقيق أفضل الإنجازات، وهذا ما أثبتته قصص لبعض هؤلاء الأشخاص الذين تركوا أثرا كبيرا على الحياة رغم إعاقاتهم المختلفة. هو رجل ألماني كان من عباقرة الموسيقى والفن، أصيبت يده اليمنى بالشلل في بعض الأصابع، ثم أصابه ذهان الهوس (وهو مرض خطير). حصل على لقب بروفيسور في العزف، كان مؤلفا موسيقيا، وله مؤلفات موسيقية تصنف من الإبداعات. ولد روبير شومان لعائلة ألمانية ميسورة. أظهر ميلاً إلى الأدب والفلسفة والشعر، وكان من أهم المطّلعين على الأدب الألماني خصوصاً، والمتابعين للنتاج المعاصر في هذا السياق. تابع في البداية دروساً في المحاماة قبل أن يحسم خياره بين هذه المهنة والموسيقى، بعدما حضر حفلة ل "شيطان" الكمان، باغانيني. بدأ شومان دراسة البيانو صغيراً، ومثّل اختياره لأستاذ الموسيقى الحدث الأبرز، سلباً وإيجاباً، في حياته. إذ أغرِم شومان بابنة أستاذه فريدريش، المؤلفة وعازفة البيانو الجميلة كلارا فيك (1819 - 1896)، التي تزوجها عام 1840، بعدما ذاق الأمرّين من والدها، الذي رفض علاقتهما رفضاً قاطعاً. عاش روبرت وكلارا قصة الحب الأشهر في عالم الموسيقى، حتى باتت من أشهر قصص الحب في العالم، حتى الأسطورية منها. بعد عذاب دام سنوات، اقترن الحبيبان، وعاشا في نعيم ما لبث أن تحوّل إلى جحيم بعد مرض روبرت، وإلى حسرة فراق طويل، عاشته الملهمة الدائمة، كلارا لمدة أربعين سنة! كان روبرت شومان يرى أنّ كلارا هي نصفه الثاني. هذه الفكرة المتربّصة بعقله، نلاحظها عنده في مجالات أخرى وبأشكال مختلفة. هذا المؤلف الذي كان يمارس النقد الموسيقي أيضاً، أسّس مجلة متخصّصة وكتب جميع محتوياتها لمدة عشر سنوات بأسماء مستعارة. كذلك، كان يوقّع بعض أعماله بأسماء شخصيات خرافية، كان يعتقد (جدّياً) بأنها نسخٌ عنه. هذه التراكمات أضيفت إليها إصابته بمرض السيفلس، فسبّبَت له حالة جنون وهذيان في السنوات الثلاث الأخيرة من حياته. وقبل سنتَيْن من رحيله، رمى نفسه في نهر الرين، حيث انتشله عمال سفن ونجا بأعجوبة. بعد محاولة الانتحار غير الواعية هذه، ساءت حالة شومان الصحية والنفسية والعقلية، فبات معزولاً، يعيش وحيداً في مصحٍّ خاص. وفي أيامه الأخيرة، فقدَ التواصل مع محيطه، حتى مع نصفه الثاني، كلارا، لكن ليس مع الأموات. إذ يُروى أنه كان يمضي ساعات يتلقّى إشارات، يقول إنها تأتيه من كبار الموسيقيّين، أبرزهم صديقه مندلسون (1809 - 1847) وكذلك من بيتهوفن وغيره. تمثل مؤلفات شومان الحالتين النفسيتين المتناقضتين للموسيقى الرومانسية. إحداهما عاطفية، نابضة، وعاصفة، والأخرى هادئة وتأملية. من بين أعماله المهمة على البيانو: السيمفونية أتيودي؛ فانتازيا من السلم الموسيقي الكبير)؛ حفل موسيقى من السلم الموسيقي الصغير. وقام شومان أيضًا بتأليف عدد من المقطوعات القصيرة، كثير منها في شكل مجموعات. وقد نُشرت مختارات من أعماله الموسيقية للصغار ومجموعة من المقطوعات الموسيقية لطلبة البيانو عام 1848م. ألّف شومان أربع سيمفونيات، وموسيقى الحجرة وموسيقى كورالية، والمسرحية الغنائية غير الناجحة جينوفيفا، وأعمالاً أخرى. في عام 1840م، وهو العام نفسه الذي تزوج فيه، كتب شومان أكثر من 100 أغنية. كان لشومان تأثير قوي على مؤلفين مختلفين في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، كما أثر في العديد من المؤلفين الموسيقيين الفرنسيين والروس. وفي عام 1833م، أسهم شومان في إصدار الصحيفة الموسيقية الرائدة، وأشرف على تحريرها من عام 1835م إلى 1844م وكتب العديد من المقالات بها حتى عام 1853م. هذه المقالات كان لها أثرها الكبير في جلب الشهرة المبكرة لبعض المؤلفين الموسيقيين مثل: الألماني برامز، والفرنسي هكتور برليوز، والبولندي فردريك شوبان.