تواصلت العروض المقدمة على خشبة المسرح ضمن فعاليات المهرجان الدولي للمسرح ببجاية، حيث عرضت المسرحية التونسية "ترى ما رأيت" للمخرج أنور الشعافي وإنتاج مركز الفنون الدرامية والركحية بمدنين. يتناول العرض عبر نص شعري ملقى للشاعر كمال بوعجيلة كان كتبه مطلع التسعينيات من القرن الماضي، إثر أزمة صحية ألزمته المستشفى ودفعته إلى تناول أسئلة الحياة والموت. ويتداخل مع الأداء وتتجسد في إيحاءات حركية وإسقاطات بصرية من مشاهد سينمائية أنجزها مفتاح بوكريع، لتتفاعل مع الأداء الحركي والجسدي الراقص للممثلين المطوع لخدمة الكلمة، حيث أدوه برشاقة وإيحاء. وكان الممثلون؛ جلال عبيد، وليد خضراوي، نورس بن شعبان، حمزة بن عون، مكرم المنسي، جهاد الفورتي، وأسماء بن حمزة، على سوية واحدة بالعمل، يتحركون وحدة واحدة، وإن كان لكل واحد منهم شخصية معينة، إلا أنها تشعرك بتداخل الحاضر مع الغائب والغائب مع الحاضر. ليضيف كل هذا التكوين للحكاية المقدمة عبر الشعر تشكيلا مسرحيا مبدعا، في محاولة لإيجاد وإبداع لغة مسرحيّة جديدة تتجاوز مكان وزمان العرض إلى مشاهد من أماكن وأزمنة أخرى. هذه التقنيات الفنية اعتمدها المخرج للغوص في دلالات الشعور بالألم النفسي والاغتراب، في زمن تنتهك فيه أفكار المثقف وتغتال فيه الكلمة الحرة المعبرة فتصاب الذات الواعية بالشلل وهي في صميم بحثها عن الأمل في الانعتاق من قيود الاستبداد. تناولت قصة العرض الهجرة للضفة الأخرى.. شاعر ضاق به الزمان بتونس فيركب البحر مع آخرين ضاق بهم المكان في هجرة غير مشروعة "حراڤة".. يتحطم مركبهم ويتوه بهم أياما ليجد نفسه داخل مستشفى في المكان الذي انطلق منه لكن غير الزمان.. فقد تغير، ويصبح عالم المستشفى هو عالم هذا التغير، ليتداخل الحلم باليقظة والافتراضي بالواقع وتسرد الألم الشخصي بالألم العام لوطن حزين ضاق بأبنائه. "ترى ما رأيت" مسرحيّة مشغولة بطريقة مسرحية معاصرة تنشد الإختلاف وتستند إلى جماليات مستحدثة في اللحظة التي لابد من التساؤل عنها وفي شأنها، التساؤل عن الشكل والمضمون؟ يُذكر أن أنور الشعافي يشتغل على التجريب منذ بداياته، قبل عشرين سنة. وكان قد أسس جمعية مسرح التجريب في مدنين، ومهرجان المسرح التجريبي. كما قدم المسرحي الجزائري فضيل عسول، عرضا مونودراميا جميلا وساحرا سماه "زلاميط" تجاوب معه الجمهور بكل أحاسيسه وشغفه بخشبة المسرح، وضحك مع سرده لحكاياته ومغامراته التي تتواصل بداية من قصة جده وكلبه الغريب، إلى معلمه في المدرسة الذي درّسه العلوم الطبيعية وعلمه استعمال الكبريت للضحك، وصديقه الكاتب الذي تعلم منه بدلا أن يعلمه. وعبر هذه "الكاريكاترات" البشرية المعاد إحياؤها على الخشبة يسرد فضيل عسول قصص الجزائرين بين الفشل واليأس والحلم، بين الرغبة في العيش وانكسارات الوطن، مع استعارة كلام من كوميديين كبار أمثال فلاڤ وڤاد المالح. وقد أشرك "عسول" الجمهور في ارتجالاته ومنولوجاته، ليتواصل كل من غصت بهم قاعة مسرح دار الثقافة مع تجسيداته وحواره وحركاته وتعابير وجهه على المسرح، ومع نقده القاسي والواضح للواقع الجزائري بطريقة ساخرة. مونودراما "زلاميط" قام بإنتاجها وإخراجها فضيل عسول، بمساعدة مسرح بجاية وجمعية الفنان.