تصاحب كل عرض لمسلسل تليفزيوني تاريخي على شاشات تلفزتنا العربية موجة من المعارضات والخلافات والنقاشات، عبر صفحات النقد والصحافة، وهنا لا بد أن نتكلم عن اختلاف في التناول بين الدراما التاريخية: إعادة تجسيد قصص وشخصيات التاريخ والأدب القديمين، سرد الأحداث بأكبر قدر من الدقة، والدراما التأريخية: وفيها قراءات ومقاربات عديدة مختلفة لأي حدث تاريخي أو شخصية تاريخية، ففي الدراما التأريخية هناك قدر كبير من الرؤية الشخصية للأحداث، ومن التقييم الذاتي للشخصيات التاريخية وتقوم بانتقاء لحظة محددة من التاريخ تخضعها لشروط الفن الدرامي بالتعديل والتغيير في بعض الأحداث بما يخدم فكرتها الأساسية، وهناك ما أطلق عليه مصطلح "الفانتازيا التاريخية"، وهو اتجاه سبق أن أنتج في السينما الصينية واليابانية، وفي السينما العالمية، وقد صعد فجأة في الإنتاج الدرامي العربي في ظل تشجيع بعض المحطات، تم تكريس مثل هذا النوع الذي يحمل ادعاءات كبيرة، بدءا من مسلسل "غضب الصحراء" الذي كتبه هاني السعدي وأخرجه هيثم حقي ومن ثم في أعمال نجدت أنزور، لتختفي بسرعة تماماً من دائرة الاهتمام. ولعل فشل الفانتازيا التاريخية في مسلسلات نجدت أنزور يعود إلى تناول التاريخ ضمن معالجات أقل ما يقال عنها إنها معالجات ساذجة ولا ترتقي إلى مستوى الحادثة التاريخية في التعامل مع الصورة واقتراب هذه الصورة المقدمة من "الكارت البوستال" والإبهار القادم من تجارب الاشهار الدعائي. لتأتي الصورة في معزل عن علاقتها بالمضامين الفكرية التي يفترض أن تحملها وتعبر عنها لتأتي الادعاءات الكبيرة بكل هذه السذاجة والتبسيط، ولا يشعر المشاهد من خلال شخصيات الأحداث أنه عايش تلك الأحداث. وينطبق هذا على الجغرافيا المعلّقة في اللامكان والزمن اللاتاريخي والأزياء والديكور في تعبيرها عن الحدث المروي وحيث التكرار والتشابه وقد استهلك الخيال حد اليباس، بدون البحث عن أفكار وطروحات وتقنيات جديدة.