أدّت الاحتجاجات الشعبيّة التي تعيشها عدّة مناطق سورية منذ قرابة شهرين، إلى انقسام الوسط الفني إلى معسكرين متناقضين. يرى الأول أن عجلة الإنتاج التلفزيوني تسير بشكل طبيعي وكل ما يُروّج مجرّد دعاية إعلامية مغرضة، ويبدي تخوّفا من مقاطعة عربية للأعمال السورية، بينما يعتقد الثاني أن الأحداث ستفتح هامش الحرية مستقبلا. المخرجون السوريّون في مواجهة رمضان وتسارع الأحداث بعيدا عن مسلسل الثورات العربيّة، الذي تعيش سوريا إحدى حلقاته، تدور كاميرات المخرجين السوريّين لتصوير مسلسلاتهم الرمضانيّة، التي تجاوز عددها في هذا الموسم ثلاثين عملا، يتنوّع بين التاريخي والكوميدي والإجتماعي والشامي والبدوي. في مجال الأعمال التاريخية، أنهى المخرج حاتم علي تصوير حلقات مسلسل ''الفاروق''، بينما اضطرّ زهير قنوع لتأجيل ''العشق الإلهي'' الذي يتناول حياة الزاهدة رابعة العدوية، ليُعرض في رمضان .2012 وفي مجال الكوميديا، يُنتظر أن يعود كل من، ياسر العظمة بجزء جديد من ''مرايا''، وأيمن زيدان ب''يوميات جميل وهناء''. كما يُخرج عامر فهد الجزء الثامن من سلسلة ''بقعة ضوء''، ويستكمل الليث حجّو تصوير مسلسله الجديد ''الخربة''. وفي مجال الأعمال الإجتماعية، أجّل نجدت إسماعيل أنزور تصوير مسلسل ''في حضرة الغياب'' الذي يروي سيرة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، بينما يتمّ تصوير ''ولادة من الخاصرة'' للمخرجة رشا شربتجي، و''جلسات نسائية'' للمثنى صبح، و''السراب'' لمروان بركات، و''العشق الحرام'' لتامر إسحاق، و''الغفران'' لحاتم علي. أما في الأعمال الشاميّة، فيُواصل المخرج علاء الدين كوكش تصوير مسلسل ''رجال العز''، وبدأ بسام الملا تصوير مسلسل ''الزعيم''، ويقدّم المخرج سيف سبيعي ''طالع الفضة''، بينما أنهى المخرج تامر إسحاق تصوير مسلسل ''الدّبور''. ورغم هذا العدد الكبير من الأعمال التي يتمّ تحضيرها لرمضان المقبل، فإنّ بعض المنتجين يبدون تخوّفهم من مواجهة مشاكل في تسويقها بسبب الأحداث الحاليّة، والتي وجدت الساحة الفنيّة نفسها في عين عاصفتها، كما قسّمت الفنانين السوريين إلى ''معسكرين''، أحدهما يُدافع بضراوة عن نظام الرئيس بشّار الأسد، والآخر يُدين ممارساته، وإن على استحياء، وهو ما جعله يتعرّض لحملة من دعوات للمقاطعة واتّهامات بالعمالة والخيانة وصلت إلى درجة الدعوة إلى سحب الجنسيّة السوريّة منهم. الممثّل والمخرج السوري جهاد سعد وتيرة الإنتاج عادية ولا تصدّقوا ''الجزيرة'' و''العربية'' قال الممثّل والمخرج السوري جهاد سعد، في اتصال هاتفي مع ''الخبر''، إن ''ما تناقلته بعض وسائل الإعلام من أخبار حول الوضع الرّاهن في سوريا، لا يعكس أبدا الوضع الحقيقي هناك''. موضّحا أن ''هذه الوسائل الإعلامية، وفي مقدّمتها قناتي''الجزيرة والعربية'' اللتان تعملان وفق خطة جهنّمية، هدفها تضخيم الأمور وتسويق صورة قاتمة عن الشعب السوري، الذي يعي جيّدا أن هناك مؤامرة خارجية تستهدف سوريا وترمي إلى تخريب الأوضاع بها''. وأضاف جهاد سعد أن ''الأوضاع في سوريا حاليا جيّدة وعلى أحسن ما يرام، باستثناء بعض الاضطرابات الطفيفة، التي مسّت أماكن تعدّ على أصابع اليد الواحدة''، معقّبا: ''صحيح أن الشعب السوري يطالب بالإصلاح، ولكن ليس بالشكل الذي يصل إلى الغير''. وعن مدى تأثير هذه الاضطرابات على راهن المشهد الفني السوري، أكد المتحدث أن ''عجلة الإنتاج تسير وفق خطى ثابتة، كما أنها قطعت أشواطا كبيرة من حيث الإنجاز، بدليل أنه ثمّة أزيد من عشرة مسلسلات تُصوّر، في الوقت الحاضر، دون مشاكل أو عراقيل تُذكر''. مشيرا إلى أن كافة الأعمال التي شارك فيها تتمّ بصفة عادية، بعيدا عن أيّ ضغوط أو عقبات. الممثّلة أمل عرفة ''نحن نعمل بشكل طبيعي'' نفت الممثّلة السوريّة أمل عرفة، وجود أيّ تأثير للأحداث الجارية على الإنتاج التلفزيوني، قائلة في تصريح ل''الخبر'': ''إنّ ما يحدث حاليّا لم ولن يؤثّر في عملنا''. قبل أن تضيف: ''لا تصدّقوا ما ينقله الإعلام الكاذب والمغرض. نحن نعمل بشكل طبيعي، وأولادنا يذهبون إلى المدارس. ما يحدث أزمة، ولن تزيدنا إلاّ قوّة وتماسكا''. وأكّدت أمل عرفة بأنّ تصوير الأعمال الرمضانيّة يسير بوتيرة عادية، مشيرة إلى أنّها تشارك حاليا في مسلسلين هما الجزء الثامن من السلسلة الكوميدية ''بقعة ضوء'' ومسلسل ''الزعيم''، الذي يخرجه الأخوان بسّام ومأمون الملاّ. وعن رأيها فيما إذا كان الوضع الذي يعيشه بلدها سيُلحق خسائر ماديّة بسوق الدّراما السوريّة، قالت عرفة: ''لست مخوّلة للحديث في هذا الموضوع، لأنّ المنتجين هم من يملكون الإجابة الشافية حول هذا التساؤل''. المخرج والمنتج نجدت إسماعيل أنزور ''الفضائيات العربية تفرض حصارا على الدّراما السورية'' اعترف المخرج والمنتج السوري، نجدت إسماعيل أنزور في تصريح ل''الخبر''، بأنّ الإنتاج الدرامي تأثّر بالاضطرابات والتظاهرات الشعبيّة التي تشهدها بلاده منذ قرابة شهرين، معتبرا أن ذلك أمرا طبيعيا ''فالدراما السوريّة جزءٌ من المجتمع، ومن الطبيعيّ أن تتأثّر بكلّ ما يحدث فيه، وهنا تأتي مهمّتها في نقله بصدق على الشاشة''. قال نجدت أنزور، في تصريح ل''الخبر''، إن العقبة الأساسيّة التي تواجه الدّراما السورية حاليا هي التسويق، حيث أكّد أن ''تصوير الأعمال الرمضانية يسير بوتيرة شبه طبيعيّة، لكن تسويقها سيكون صعبا في ظلّ الوضع الراهن، وهو ما سيُلحق خسائر بسوق الدّراما''، متّهما الفضائيّات العربيّة بفرض حصار على الإنتاج الدرامي السوري ''يُضاف إلى الحصار السياسي والإعلامي الغربي والعربي المفروض على البلاد''. وأضاف المتحدّث: ''إذا استمرّ الوضع بهذا الشكل، فإن ذلك لا يُبشّر بخير''، قبل أن يُردف قائلا: ''ما يهمّنا هوانتهاء هذه الأزمة وعودة الاستقرار إلى سوريا، فالبلد أهمّ من المسلسلات الدراميّة''. لكن أنزور بدا متفائلا بوضع الدّراما السوريّة، قائلا إنّها ستستفيد من هذه الأحداث، لتطوّر نفسها وتخرج من دائرة المواضيع المكرّرة. ونفى المخرج السوري أن يكون لتوقّف تصوير مسلسله ''في حضرة الغياب''، الذي يتناول حياة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، علاقة بالوضع الراهن، مؤكّدا بأنّه توقّف لأسباب إنتاجية، بالنظر إلى ضخامة العمل، مضيفا أنه يواصل تصوير مسلسل إجتماعي يُعالج مشاكل الشباب بعنوان ''شيفون''. وعن الانتقادات الموجّهة للفنانين السوريين، بالانحياز إلى السلطة بدل الشعب، ردّ نجدت أنزور: ''السّلطة في سوريا هي الشّعب، والشّعب هو السّلطة. والجميع يقف خلف قائده الشاب، ويدعم إصلاحاته''. معقّبا: ''الإصلاحات ستتحقّق بالأمان والحوار البنّاء، وليس بالفوضى''. المخرج السينمائي السوري سمير ذكرى ''الثورة ستمنح الدّراما والسينما جرأة أكبر'' أكّد المخرج السينمائي سمير ذكرى، بأن الأحداث التي تعيشها سوريا، حاليّا، ستعطي دفعا جديدا للإنتاج السينمائي والتلفزيوني، الذي قال إنّه سيكون ''أفضل وأكثر صدقا'' في المرحلة المقبلة. وأضاف المخرج السوري، في تصريح ل''الخبر''، بأن الاحتجاجات الشعبية ستُوسّع هامش الحرية وتمنح المشتغلين في هذا القطاع مزيدا من الجرأة، قائلا إنّ ''الشهداء فتحوا الأفق واسعا أمام إبداعنا، وأرجعوا الشجاعة لعقولنا وقلوبنا، بعد أن سيطر عليها الرّقيب طويلا''. وقلّل المتحدّث من مخاوف بعض المنتجين من كساد الدّراما السورية، مؤكّدا بأن هذه الأخيرة تشهد طلبا متزايدا من قبل الفضائيات العربية، بعد أن أثبتت نفسها. وعبّر ذكرى، الذي ينتمي إلى التيار الملتزم في السينما السوريّة، عن إدانته لتهديد عدد من شركات الإنتاج بمقاطعة الفنانين الذين عبّروا عن رأيهم فيما يحدث، معتبرا ذلك سلوكا ''غير مؤّدب'' و''غير ديمقراطي''. وفسّر المتحدّث مواقف تلك الشركات بارتباطها بالنظام، داعيا الفنانين إلى إقامة تعاونيات خاصة على غرار تلك الموجودة في هوليود، ''من أجل الاستقلالية عن السلطة وضمان قدر أكبر من الحريّة''. وأبدى سمير ذكرى تعاطفه مع الممثّلين السوريّين، قائلا ''إنّهم لا يملكون حتى حريّة الصّمت''، داعيا إلى عدم إحراجهم أو إدانتهم ''لأنّهم ليسوا نجوما في السياسة، بل نجوم في الفن''، لكنه أضاف بأن ''الفنان الحقيقي يتبنّى مواقف نبيلة وشريفة''. المخرجة السينمائيّة هالة العبد الله ''معظم شركات الإنتاج الفنّي مرتبط بضبّاط في الجيش'' اتّهمت المخرجة السينمائية السورية المقيمة بباريس، هالة العبد الله، شركات الإنتاج الفنّي في بلادها بالتواطؤ مع نظام الرئيس بشّار الأسد، مضيفة بأن معظمها مرتبط بضبّاط في الجيش السوري، وأن مسؤولين نافذين ورجال أعمال يستخدمون المسلسلات التلفزيونية كأداة لتبييض الأموال. أكّدت هالة عبد الله، في اتّصال هاتفي مع ''الخبر''، أنّ المنتجين والمخرجين والممثّلين السوريين المستفيدين من الوضع القائم، متخوّفون من حدوث تغيير في سوريا، لأنّ ذلك سيضرّ بمصالحهم، مضيفة بأن ذلك ما يفسِّر وقوفهم إلى جانب ''القتلة''. وأشارت عبد الله، في هذا السياق، إلى الحملة التي قادتها 22 شركة إنتاج بقيادة المخرج والمنتج نجدت إسماعيل أنزور، ضدّ الفنانين الموقّعين على بيان يدين قتل المدنيّين، واصفة دعوة هذا الأخير إلى معاقبة هؤلاء الفنّانين، واعتبارهم خونة ب''السلوك الفاشيّ''. وشدّدت المتحدّثة على ضرورة عدم وضع جميع الفنّانين في سلّة واحدة، ''فبيان التّنديد حمل توقيع أكثر من 70 سينمائيّا، وهناك الكثيرون من الشرفاء الذين لم يجدوا فرصة للتعبير عن آرائهم، بينما يأخذ الأشخاص الذين يظهرون كثيرا على التلفزيون أكثر من حجمهم الطبيعي''. وعبّرت المخرجة السوريّة عن وقوفها إلى جانب مطالب السوريّين، مندّدة بما أسمته عنف السلطة ضدّ المحتجّين ''الذي نزلوا إلى الشارع للمطالبة بالحرية والكرامة''.