تعد ظاهرة العنف في الملاعب الجزائرية، المشهد الأكثر حضورا خلال كل موسم رياضي، تعكس صوره أحداث الشغب التي تُسجل في كل مرة بمياديننا، حيث تعدت مدرجات الملاعب لتشمل محيطها الخارجي، ما يوحي أن وضع الكرة الجزائرية تجاوز الخطوط الحمراء وأخذ منحى سلبيا رسمته عدة عوامل مشتركة تتقدمها لامبالاة الجهات المسؤولة التي عجزت إلى حد الساعة عن تحويل أقوالها إلى أفعال ملموسة للحد من الظاهرة، وصولا إلى غياب الروح الرياضة وثقافتي تقبل الهزيمة والفوز سواء لدى المناصرين أو اللاعبين وحتى المسيرين. إن لم تكن الكرة الجزائرية عامة السباقة في انتهاجها عالم الاحتراف وتكوين لاعبين بإمكانهم بلوغ العالمية انطلاقا من ملاعبيها، فإنها تعد الأولى من حيث اختراع أدوات العنف في الملاعب ومدرجاتها، فبعد أن كثرت الاعتداءات بين الأنصار التي غالبا ما يستعملون فيها السكاكين أو الحجارة وغيرها من الوسائل الأخرى، تم تسجيل، الجمعة المنصرم، حادثة جد خطيرة تعتبر الأولى من نوعها ليس فقط على المستوى المحلي وإنما على الصعيد الدولي، عقب نهاية داربي الهضاب الذي جمع فريقي وفاق سطيف ومولودية العلمة بملعب الثامن ماي بسطيف، أين أقدم مجموعة من أنصار الفريق المحلي على الاعتداء ضربا على مناصر الفريق الزائر أثناء مغادرته مدرجات الملعب، قبل أن يقوموا برشه بقارورة مادة حمض الملح الخطير على وجهه، فقد على إثرها بصره، حيث تم تحويله على جناح السرعة إلى مستشفى بني مسوس. هذه الحادثة سبقتها قبل أيام قلائل خلت واقعة أخرى ببلدية قرارة بولاية غرداية أين تسببت أحداث الشغب التي بدأت فوق مدرجات الملعب الذي احتضن مقابلة الداربي المحلي بين فريقي الأهلي وترجي قرارة، لتمتد فيما بعد إلى وسط المدينة، في إصابة المئات من المناصرين وتخريب العشرات من المحلات ومقرات الهيئات العمومية، ما يدل على المنحى السلبي الخطير الذي أخذته أوضاع كرة القدم ببلادنا، التي هي في الحقيقة استمرارية للحال والوضع السياسي بالجزائر الذي يميزه فقدان الثقة بين الحاكم والمحكوم، المشهد الذي تتكرر صوره في ملاعبنا، أين انعدمت الثقة بين المناصر واللاعبين لغياب الروح الرياضية التي استطاعت تحويل متعة الفرجة التي تصنعها مباريات كرة القدم إلى وسيلة لتحقيق أهداف معينة تترجم في أحداث شغب أو ما شبه ذلك يقف من ورائها مناصرون بسطاء راحوا ضحية الفساد الذي طال كرة القدم في الجزائر، مؤخرا. في سياق آخر، تطرح الحادثة الخطيرة التي تم تسجيلها الجمعة المنقضي بسطيف، من جديد، قضية فشل الجهات المسؤولة بدءا من الوزارة الوصية وصولا إلى الفيدرالية الجزائرية لكرة القدم وحتى جمعيات الأنصار في مجابهة البعد السلبي الذي اتخذته ظاهرة العنف في الملاعب الوطنية، وعليها البحث عن سبل ناجعة للحد من الظاهرة التي لا تزال تحصد الكثير من الأرواح وبحصيلة أثقل من موسم رياضي إلى آخر. كما أن الحلول السطحية المعتمدة من هذه الجهات كالمتعلقة بتنظيم ملتقيات حول الظاهرة قصد الاستفادة من تجربة الدول المتقدمة في محاربتها للظاهرة، هي في الحقيقة هدر للوقت وكذا المال العام، مادام هناك غياب تام للإرادة في تجسيد الحلول الممكنة على أرض الواقع، والخطوة التي تبقى إجبارية على مسؤولي الكرة الجزائرية أكثر من أي وقت مضى، بغية إخراج الكرة الجزائرية من النفق المظلم نحو الاحترافية الجدية، تتمثل في التنسيق بين جميع الأطراف الفعالة وتدعيم ذلك بالإرادة والوسائل اللازمة للحد أو التقليل من حدة درجة الظاهرة وفي أقرب الآجال.