في الوقت الذي يفترض فيه أن تكون الملاعب فضاء للمتعة والفرجة وسمو الروح الرياضية، أضحى المستطيل الأخضر مكانا للعدوانية وكل أشكال العنف التي تحولت إلى ظاهرة تستدعي عناية واهتماما خاصا قبل خروجها عن إطار التحكم...ولأن الوضع أصبح ينذر بكارثة حقيقية في حال عدم مواجهته بحلول ناجعة، ارتأت ''المساء'' التقرب من بعض المختصين والمدربين من اجل استقراء آرائهم عن أسباب تنامي الظاهرة والحلول التي يرونها مناسبة لاجتثاثها من ملاعبنا. رشيد مخلوفي: الفوضى وضغوط الحياة هي السبب اعتبر رشيد مخلوفي مدرب الفريق الوطني السابق، أن ما تعيشه الملاعب الجزائرية من موجات عنف هو نتاج للظروف التي يعيشها المناصر خارج الملعب. وقال اللاعب السابق لفريق جبهة التحرير الوطني، أن دخول المناصر المدرجات بطريقة غير منتظمة، إضافة إلى تعرضه لضغوط الحياة وكذلك اجتهاده لاقتناء تذاكر الدّخول، يساهم بشكل كبير في تنامي ظاهرة العنف في مدرجات ملاعبنا، ولكنه حمل بعض المسيرين واللاعبين الفاقدين لأبجديات الاحترافية، مسؤولية ذلك أيضا، من منطلق أن تصرفاتهم فوق أرضية الميدان تساهم بشكل مباشر وكبير في تنامي ظاهرة العنف. بلميهوب : الاستفادة من تجارب غيرنا حتمية ... وهو الواقع الذي جعل مدير مركب محمد بوضياف، نور الدين بلميهوب، يطالب بضرورة الاستفادة من تجارب الآخرين وسبل تصديهم لهذه الظاهرة، على غرار المملكة المتحدة التي تمكنت بفضل تضافر جهود الجميع في القضاء على ظاهرة ''الهوليغانز''، من خلال استصدار ترسانة من القوانين الصارمة كان من أهمها وضع ''الأنصار المشاغبين'' ضمن قائمة خاصة ويمنعون على أساسها من دخول الملاعب. وقال أن محاربة العنف ''قضية الجميع'' ولا تقع على جهة دون أخرى، داعيا الاتحادية الجزائرية والرابطة الوطنية المحترفة إلى اتخاذ ''الإجراءات الصارمة والحازمة''. من اجل حصر نطاقها وعدم توسع رقعتها. البطلة بنيدة مراح : لابد أن نفتح نقاشا جادا واعترفت بنيدة مراح، البطلة الأولمبية في مسافة 1500 متر، بأن العنف أصبح ظاهرة لصيقة بملاعبنا، وعادت إلى تجربتها في مثل هذه الوضعيات عندما كانت تجري تدريباتها بملعب 5 جويلية ولكنها كثيرا ما كانت تغادر المكان بمجرد وصول المناصرين إلى مدرجاته خوفا من الاعتداء عليها. وأمام هذا الواقع الذي أصبح ينذر بخطر داهم، قالت مراح انه يتعين على كل الجهات ''فتح نقاش جاد لمعالجة الظاهرة من جذورها''. مشيرة الى أن الشباب في ظل مشاكلهم اليومية يراهنون على فريقهم المفضل للهروب من هذه المتاعب من خلال مشاهدتهم أداء يثلج قلوبهم. عبد الحكيم سرار: غياب ثقافة الانهزام من أسباب العنف أما عبد الحكيم سرار المدير العام لشركة النسر الأسود لوفاق سطيف، فقد ارجع اسباب استفحال الظاهرة إلى عدم تحلي المناصرين بالروح الرياضية الكافية التي تجعلهم لا يقعون في فخ العنف. وأضاف أن غياب الروح الرياضية لدى أنصار النوادي الجزائرية وافتقادهم لثقافة تقبل الهزيمة في عقر الديار، زاد في تنامي مشاهد العنف في مدرجات ملاعبنا، وقال ''أنصار وفاق سطيف أو شبيبة القبائل أو مولودية الجزائر أو جمعية الشلف، يجب أن يهيئوا أنفسهم لخسارة فرقهم فوق ميادينها وأن يتعلموا أن كرة القدم هي الروح الرياضية قبل أي شيء آخر، وان مباريات كرة القدم فيها على الدوام فريق منتصر وآخر خاسر". عبد الكريم مدوار: كلنا مسؤولون ومن جهته، أكد عبد الكريم مدوار رئيس جمعية الشلف، أن ظاهرة العنف في الملاعب ليست وليدة اليوم، بل هي قديمة في مجتمعنا، كما أنها باتت ظاهرة عالمية وليست مقتصرة على الجزائر فقط، وانظروا إلى ما حدث في مصر وقبلها في تونس ومؤخرا بالمغرب... وأوضح قائلا: '' مثلما صرحت في مناسبات عديدة غياب مراكز تكوين بالمقاييس الدولية وقلة الميادين في الأحياء، من بين الأسباب التي تساهم في استفحال ظاهرة العنف بالملاعب". وتابع متأسفا:'' هناك بعض الأطراف تسعى لتوعية الرأي العام للحد من هذه الظاهرة الخطيرة، لكنهم لن يصلوا إلى هدفهم، لأنهم يعملون بمفردهم، والخطأ الكبير هو أن بعض رؤساء النوادي يسعون لتمثيل منطقتهم فقط، وأعتقد أن الجميع يساهم في العنف ابتداء من الحكام إلى اللاعبين إلى رؤساء الأندية''. كريم تاميمونت: تصريحات قبل المباراة سبب العدوان الرياضي ورأى كريم تامينونت، رئيس الاتحادية الجزائرية للرماية، أن التصريحات التي يدلي بها مسيرو الفرق أو اللاعبون قبل المباراة، قد تدفع الأنصار للجوء إلى العنف... كأن يعد المدرب أو بعض اللاعبين جمهورهم بالفوز لكن أثناء المباراة يظهر الأداء السيء وبالتالي الخسارة مما يدفع المشجعين إلى السب والشتم والرشق بالحجارة والزجاجات والقارورات وغيرها من التصرفات الطائشة. وراح تاميمونت يدعو الجميع إلى الحد من هذه الظاهرة وقال: '' علينا التصدي الجماعي لكل ما يعرقل مسار النهوض بالحركة الرياضية بالتشاور مع الشباب من أجل الاطلاع على انشغالاتهم والأخذ برأيهم ومقترحاتهم من جهة، ومن اجل إشراكهم في مكافحة العنف، باعتبار أن لجان الأنصار يمكنها أن تلعب دورا لا يستهان به في هذا الشأن، خاصة دور الإعلام في التربية والتوعية''. وأضاف: '' المؤسسات الإعلامية بجميع أنواعها لها دور تحسيسي هام ولا يكون مناسباتيا... كما أن للمنشآت الرياضية دور فعال في استقطاب الشباب غير المهيكل ضمن جمعيات معينة والاعتناء به وتوجيهه توجيها سليما إزاء حياته اليومية، مع خلق فضاءات للتعلم والتسلية". عثمان لعزيزي: الشغب الرياضي نتاج الأزمة الحقيقية التي يعيشها الشباب الجزائري أما عثمان لعزيزي، حكم دولي في الملاكمة، فقد ارجع سبب ظاهرة العنف التي استفحلت مؤخرا بملاعبنا بدرجة خطير، إلى الواقع الموجع الذي يعيشه معظم الشباب الجزائري، حيث قال: '' ظاهرة الشغب الرياضي نتاج الأزمة الحقيقية التي يعيشها الشباب الجزائري، فلو كان لهؤلاء مخارج للتعبير عنها لما وجهت أصابع الاتهام لشباب ذنبهم الوحيد لم يجدوا من يستمع إليهم''. لعزيزي تأسف لما حدث في مباراة مولودية سعيدة واتحاد العاصمة حيث قال: '' تلقيت خبر تلك الأحداث بأسف شديد، ولم أكن أتصور في يوم ما أن تصل الأمور إلى ما وصلته في هذه المباراة، خاصة بعد تعرض العديد من لاعبي الاتحاد لإصابات بليغة، وأخشى مستقبلا أن تتطور الأمور إلى أكثر من هذا، حينها لن ينفع أي حل للحد من الظاهرة". وتابع: '' ألح على الجهات الوصية اتخاذ قرارات شجاعة لتسليط أقصى العقوبات على المتسببين في الظاهرة، فالجمهور حسب اعتقادي مدفوع لإشعال فتيل الظاهرة، لكن من يقف وراء إضرام النار فهذا من اختصاص الاتحادية والرابطة وحتى الوزارة". فريد هرقمة: توجد أطراف تحرض على العنف في الملاعب أما المدرب فريد هرقمة، فقد اتهم بعض أشباه الأنصار بالمساهمة في إشعال نار العنف في مدرجات الملاعب الجزائرية، وقال: ''أنا جديد في مجال كرة القدم، وأول ما اكتشفته هو تواجد بعض الأنصار في المدرجات خصيصا من أجل تحريض الجمهور على التخريب في المدرجات ورشق أرضية الميدان بالمقذوفات، وهذا لزعزعة استقرار الفرق، وليس هذا هو السبب الوحيد، فحتى وضعية الملاعب التي تجرى فيها المباريات لا تساعد اللاعبين على الأداء الجيد، وتكون بعدها ردة فعل سلبية من طرف الأنصار ". عمر غريب : لنتحد جميعا ضد العنف قال عمر غريب، منسق فرع كرة القدم بمولودية الجزائر، أنه لا يمكن فصل ظاهرة العنف في الملاعب عن المحيط الاجتماعي '' فالشباب الذي يمارس أعمال العنف في مدرجات الملاعب الجزائرية ينحدرون من الأحياء الشعبية الفقيرة، التي تعاني التهميش والإقصاء من السلطات المعنية، والملعب هو الوسيلة الوحيدة التي يعبر فيها الشباب عن عدم رضاه من الوضعية المزرية التي يعيشها يوميا بأشكال عديدة من العنف تطال الأفراد والممتلكات العامة والخاصة''. وأضاف: '' لا يمكن أن نقضي على ظاهرة العنف في الملاعب بين عشية وضحاها، وللوصول إلى الهدف المنشود يجب تضافر جهود جميع الفاعلين في محيط كرة القدم الجزائرية''.