أجل استمتعت بترجمة عبد السلام عزيزي، لكتاب المناضل والباحث محمد تقية "الثورة الجزائرية، المصدر، الرمز، المآل" عن منشورات القصبة، والكتاب في الحقيقة صدر لأول مرة في الثمانينيات عن ديوان المنشورات الجامعية بالفرنسية وفي شكل رديئ تحت عنوان L'Algerie en guerre .. ثم تعرض الكتاب إلى الحجز بطرق سرية تذكرنا بأساليب جمهوريات الظلام والشمولية، وقد يعود السبب، إلى إيديولوجية الباحث، فهو كان شيوعيا ولم يشفع له، أنه كان من بين مجاهدي المنطقة الرابعة، وفي الأصل الكتاب، هو أطروحة دكتوراه عام 1976، العمل يتصف بالتميز من حيث الجدة على صعيد المقاربة، إنه ينخرط ضمن التيار الجديد في الكتابة التاريخية الذي يسعى ليس فقط من خلال تلك السردية المبتكرة فقط إلى ذكر الأحداث ومعاينتها، بل إلى تأويلها على أكثر من صعيد، ومن ثمة تقدم الذاكرة كدلالة اجتماعية وسياسية وتاريخية ضمن منظور يأخذ فيه الرمزي كل أبعاده.. العمل من حيث التحليل والتنظير غير مسبوق، خاصة المرجعية النقدية التي وظفها المؤرخ والباحث محمد تقية (1927 1988) بذكاء مدهش، يتناول محمد تقية في الجزء الأول من الكتاب مقاربة لعملية اللجوء إلى الكفاح المسلح، متعرضا للحركة الوطنية بالتحليل بدءا من المقاومة في الريف من 1830 إلى الحرب الأولى ونشوء حركة الفتيان ونجم شمال إفريقيا وفيدرالية المنتخبين وجمعية العلماء المسلمين ويتابع سير الحركة الوطنية على صعيديها السياسي والعسكري وذلك إلى غاية انتقال لجنة التنسيق والتنفيذ إلى الخارج، متعرضا كذلك إلى تطور الوضع من 1957 إلى 1959 والأساليب العسكرية المتبعة لجبهة التحرير وجيش التحرير الوطني، وفي الجزء الثالث من الكتاب يحلل بنية الأزمات المختلفة التي مرت بها حرب التحرير وفاعليها وذلك إلى غاية الاستقلال. إن إعادة طبع كتاب ثمين مثل هذا من قبل منشورات القصبة، خاصة صدوره باللغتين، الفرنسية والعربية يعتبر إسهاما حقيقيا في إثراء النقاش الذي لا زال ساريا وقائما حول حرب التحرير الوطنية لكن كذلك إسهاما في عملية إعادة بناء الوعي الوطني، خاصة لدى الناشئة من المتعلمين والمثقفين.. ويجب الاعتراف أن التقصير تجاه المسألة التاريخية يعتبر فاضحا ومخجلا رغم الاجتهادات الفردية التي أصبح يقوم بها بعض الفاعلين والشهود.. فإن ما ينتج في فرنسا، خاصة خلال السنة المتعلقة بذكرى 50 سنة على الاستقلال، لا يضاهي إذا ما قارناه بالأعمال التي اُنتجت بالمناسبة في الجزائر.. لم تكن ثمة خطة، ولا جهد جماعي ولا استراتيجية تساهم في صناعتها مختلف القوى الفكرية والثقافية، وذلك رغم توفر المال، الذي للأسف تم تبديده دون معنى، بل وبجهالة ونذالة أخلاقية.. إن من حقنا على جيلنا ليس فقط أن نعرّفه على تاريخه، بل أن نفتح أمامه الأبواب ليكتشف أيضا أولئك الباحثين النقديين الذين قمنا بتهميشهم لزمن طويل، ومن بينهم محمد تقية..