علي هارون مناضل سابق بالولاية السابعة لجبهة التحرير، وأحد المناضلين الذين انخرطوا في الصراع على السلطة عشية الاستقلال، وناشط في حزب الثورة الاشتراكية الذي أسسه الراحل محمد بوضياف، ووزير سابق لحقوق الإنسان في حكومة ما بعد التعددية الحزبية، وهو إلى جانب كل هذا أحد الذين جابهوا انتصار جبهة الانقاذ في تشريعيات 91 وكان من الفاعلين في إيقاف المسار الانتخابي الذي ترتبت عليه ما سميت في الأدبيات الإعلامية والسياسية الجزائرية بالمأساة الوطنية.. ومنذ اندلاع الحرب الأهلية خلال عشرية التسعينيات وكان ثمنها حوالي 200 ألف ضحية لم تتوقف الحرب السجالية داخل وخارج الساحة الإعلامية السياسية الجزائرية بين الأطراف المتصارعة حول شرعية وشرعانية إيقاف المسار الانتخابي والمسؤوليات السياسية والأخلاقية المترتبة عن ذلك، لقد انتقلت الحرب من على أرض الواقع إلى عالم الميديا ولم يكن المنخرطون فيها جزائريين وحسب بل أوروبيين وأساسا فرنسيين وذلك خاصة بعد الإثارة الشهيرة لذلك السؤال الذي قض مضجع حكام الجزائر ونخبتها السياسية "من يقتل من في الجزائر؟" ومن بين الكتابات التي كان لها صداها في تلك الفترة، يمكن ذكر شهادات ضابط الصف سوايدية والكولونيل حبيب سمراوي التي وجدت كل الرعاية الكاملة من قبل الميديا ودور النشر التي خاضت معركة شرسة لتحميل المؤسسة العسكرية والأمنية مسؤولية المجازر والاغتيالات التي حدثت خاصة عام 1997 في الجزائر، وبدا حينها المسؤولون على إيقاف المسار الانتخابي في موقع دفاعي ومرتبك، وأدركوا يومها أن الحرب الجديدة التي أصبحوا مستهدفين منها هي حرب من طراز آخر، حرب تتعلق أساسا بالذاكرة الحية والتاريخ، ومن هنا راحت الكتابات المضادة تتشكل في مرحلة أولى على صعيد إعلامي وفي مرحلة ثانية على صعيد عالم النشر، ويمكن إدراج مذكرات الجنرال خالد نزار، والكتاب الجماعي الموثق حول قضية إيقاف المسار الانتخابي ضمن هذا السياق.. ويأتي الكتاب الأخير للمحامي والعضو السابق في المجلس الأعلى للدولة ليؤكد طابع هذه الحرب المتعلقة بالذاكرة ورمزيتها من حيث إعادة كتابة التاريخ الجاري والتأسيس على قاعدته الحقيقة المتنازع عليها بين الأطراف المتصارعة، عنون المحامي علي هارون كتابه الجديد الصادر عن منشورات القصبة ب Le Rempart أو الذرع الواقي بحيث تناول من خلاله الأسس التي قام عليها المجلس الأعلى للدولة شارحا وجهة نظره حول طبيعة ودلالة نتائج الانتخابات الملغاة واستقالة الرئيس الشاذلي بن جديد وبيان 14 جانفي المدشن لفترة جديدة وعصيبة مليئة بالصخب والعنف والدم، والخطوات الأولى التي تبناها هذا المجلس والمعارضة التي أعلن عنها الثلاثي، جبهة التحرير التي كان يقودها عبد الحميد مهري والجبهة الإسلامية للإنقاذ وجبهة القوى الإشتراكية بزعامة التاريخي آيت أحمد.. ويتعرض المحامي علي هارون كذلك إلى اندلاع حرب الإرهاب مبينا انتشاره وسرعة توسع رقعته وقاعدته الإيديولوجية والخلفيات التي اتكأ عليها بدءا من تجربة جماعة مصطفى بويعلي الذي أسس في الثمانينيات الحركة الإسلامية المسلحة ومحللا الخطوات التي اتخذها فريق المجلس الأعلى للدولة على صعيد الحفاظ على النظام والدولة التي أصبحت في حالة تهديد شامل وكذا طبيعة المعركة الإيديولوجية التي خاضها المعارضون لإيقاف المسار الإنتخابي والإستراتيجية التي تبناها المجلس على أكثر من صعيد، سواء ما تعلق بحملة التحسيس للرأي العام الغربي والدول الأوروبية أو ما تعلق بالتأقلم مع ظروف الحرب الجديدة ذات الطابع الجذري والعنيف والأساليب التي تم اتخاذها في عملية تفكيك كل القنابل ذات الطابع التدميري، ومنها أسلوب الحوار الوطني والبحث العسير عن لحظة تدشينية للوفاق الوطني حتى يكون حصنا أمام نشاطات جماعة سانت ايجيديو وتمهيدا لإعادة بناء الشرعية الجديدة التي انبثقت مع رئاسيات 1995.. كتاب الأستاذ علي هارون يسعى ضمن هذه الحرب التي يمكن وصفها بحرب الذاكرات إلى صياغة شرعية جديدة تتعلق بكسب معركة المستقبل، وبالتالي إلحاق الهزيمة بالمشروع الإسلاموي الذي لازال على قيد الحياة، ولا زال يسعى بطرقه إلى تحقيق ثأره وإن اجتماعيا وثقافيا من خصومه السياسيين والإيديولوجيين وذلك تمهيدا لامتلاك التاريخ أي المستقبل عبر التحقيق لسيادته... وما يلاحظ اليوم أنه بالرغم من انهزام جماعات الإسلام المسلح على الأرض وطي صفحات العشرية التسعينية بشكل إرادوي تحت غطاء مسمى المصالحة الوطنية، إلا أن الجزائر بدل الانخراط في الحداثة السياسية، تحولت إلى جزائر محافظة تقليدية قريبة من السلفية الفكرية والأخلاقية وبعيدة عن العصرنة الثقافية والفكرية.. كتاب علي هارون، مثله مثل الكتابات الأخيرة لعدد من الفاعلين يشكل خطوة نحو القطيعة مع التاريخ البائس والخطير للشفوية ومرحلة أخرى من صراع الأفكار والحقائق بدل صراع الضغائن والوحشيات..