اختار أركان النظام وزيرا أول من خارج الأغلبية البرلمانية، ومن خارج كل الأحزاب التي لها تمثيل بالبرلمان. اختار شخصا لا يُعرف له انتماء حزبي ولا سياسي، وبذلك فهذا الاختيار أفرغ الانتخابات التشريعية من محتواها والإصلاحات السياسية من معناها، الذي ينطوي على تغيير السياسات والوجوه. عناصر كثيرة ميزت طريقة تعيين عبد المالك سلال وزيرا أول، تسترعي التوقف عندها. من بينها أن العرف السياسي والبروتوكولي الجاري العمل به منذ استحداث منصب رئيس حكومة، بعد أحداث 1988، هو أن رئيس الدولة درج على استقبال رئيس حكومته بمقر الرئاسة ليتسلم منه الاستقالة. وفي العادة يقدم المستقيل تصريحا مقتضبا للصحافة. وفي العرف أيضا يظهر رئيس الحكومة الجديد بمعية الرئيس وهو يستقبله ليسلمه مهامه الجديدة، ثم يقدم الوافد الجديد تصريحا يبثه التلفزيون. لكن هذه الجزئيات غابت عن الحدث السياسي الذي ترقبه قطاع من الجزائريين، منذ أربعة أشهر. وبصرف النظر عن التأخر غير المبرر في تغيير الحكومة، لا يتضمن بيان الرئاسة الذي أعلن تنحية أويحيى واستخلافه بسلال، متى قدم الأمين العام للأرندي استقالته من منصبه الحكومي. فالمعروف أن تشريعيات 10 ماي الماضي خلفت واقعا سياسيا جديدا، يتمثل في أغلبية كبيرة للأفالان، متبوعا بالأرندي، مع تراجع لافت للإسلاميين. وكان يفترض، وفق عرف دستوري آخر، احتراما لإرادة الناخبين، أن تستقيل الحكومة بعد الانتخابات. ثم جاءت فرصة أخرى تبرر التغيير الحكومي، عندما تم تنصيب المجلس الشعبي الوطني الجديد. فهل يحتمل أن يكون أويحيى قدم استقالة حكومته في ذلك الحين، وامتنع الرئيس بوتفليقة عن الإعلان عنها؟ وإذا كان ذلك صحيحا، هل يعكس طول المدة التي استغرقها الكشف عن الاستقالة، خلافا بين أركان النظام حول الشخص الذي يخلف أويحيى؟ ثم لماذا ترك الرئيس أويحيى وحكومته ينزلان إلى البرلمان بمناسبة افتتاح دورة الخريف، في نفس اليوم الذي قرر فيه الإعلان عن استقالتهما وتعيين سلال وزيرا أول؟! لم تقدم الاستقالة إلا يوم الإثنين، هذا يعني، حسب قراءة محللين، عدم اتفاق أركان النظام (الرئاسة وأجهزة الأمن) طيلة الفترة الماضية على الشخص الذي يؤدي مهام تنسيق أعمال الحكومة، وحول تشكيلة الطاقم الجديد. وتوجد جزئية هامة وردت في بيان الرئاسة. فهو يتحدث عن إنهاء مهام أويحيى أولا ثم استقالته، وبذلك تصرف بوتفليقة كمن يضع العربة قبل الحمار! بينما يفترض أن تأتي الاستقالة أولا ثم الإعلان عن إنهاء المهام. فهل صياغة البيان بهذه الطريقة تحمل مدلولا معينا؟ هل بوتفليقة أراد أن يثبت بأن أويحيى لا يستقيل بمحض إرادته وإنما هو من ينحيه من المنصب؟ واللافت في كل القضية، أن اختيار أركان النظام وقع على رجل لا انتماء حزبي ولا سياسي له. فسلال ليس من الأغلبية ولا الأقلية التي أفرزتها انتخابات 10 ماي. والأصل مثلما كان يتوقعه الجميع، داخل الجزائر وحتى خارجها، أن تترجم الإصلاحات التي تعهد بها بوتفليقة إلى مبادرة جديدة. والجديد الذي كان منتظرا هو تعيين وزير أول من الأغلبية، أو على الأقل واحد من الأحزاب التي آلت إليها نتائج الانتخابات. ويرى الكثيرون أن سلال شخص غير محسوب على الرئيس، على الرغم من أنه قاد حملته الانتخابية في 2004 وفي .2009 فبوتفليقة وجد سلال وزيرا للداخلية عندما وصل إلى الحكم قبل 13 سنة. معنى ذلك أن تعيينه وزيرا أول لم يكن من محض اختياره لوحده. الشخصيات المحسوبة على الرئيس معروفة، وأبرزها شكيب خليل وحميد طمار وعبد العزيز بلخادم، أما سلال فهو موظف دولة قذف به التوافق داخل سرايا النظام إلى السياسة. هو ابن النظام بامتياز، وتحديدا هو مقرّب من النواة التي تتحكم في القرار. ومادام الأمر كذلك، فمخطط الحكومة الذي ينتظر أن يقدمه سلال أمام البرلمان، سيكون غير حائز للعمق الحزبي. سيكون امتدادا لسياسة ''مواصلة تطبيق برنامج فخامة رئيس الجمهورية''، في انتظار مضمون تعديل الدستور الذي يقال إنه سيغير شكل النظام من رئاسي إلى برلماني. وتذهب قراءة أعطيت للحدث، إلى أن تعيين سلال وزيرا أول يحمل ملامح رئيس الجمهورية المقبل. فوزير الموارد المائية السابق يرضي من دون شك جهة محددة في سرايا السلطة، وهي الجهة التي قررت من يرأس الجزائر منذ الاستقلال، وهي من ستقرر من سيخلف بوتفليقة، كما قررت من يخلف أويحيى.