تعيش الفضاءات الفنية التشكيلية الجزائرية نشاطا مميزا وحركة واضحة عبر العديد من المعارض التي تحتضنها صالات العرض الفنية الخاصة، والتي تتوزع على صالات القصور والبيوت التاريخية، وفي إطار هذه النشاطات يستمر معرض جماعي شارك فيه سبعة فنانين تشكيليبن جزائريين "مريم آيت الحارة، وأحلام كودورغلي، وشافع فطيمة، ودويبي سعاد، وحموش نور الدين، وحب الهيبو، وبلعيد محمد" بقصر الرياس "الحصن23" بالجزائر العاصمة إلى غاية نهاية الشهر الجاري، ويشارك فيه فنانون جزائريون تخرج معظمهم من مدرسة الفنون الجميلة. التنصيبية مفهوم فني يخص أحد تيارات الفن المعاصر، حيث يقوم "مجموعة من الفنانين بتنظيم مكان أو فضاء أو غرفة من خلال رسمها أو تزيينها أو إضافة مواد جاهزة بوضعها أو تعلقيها في الفراغ، ويستطيع المشاهد دخول المكان والتجول فيه كما لو كان جزءا منه". تقترح هذه المشاركات تأملا في مواضيع مثل الذاكرة وتفاصيل الحياة ومكانة المرأة في المجتمع أو فن الطبخ أو الرموز والتراث الخاص بالجزائريين. وهي أعمال مشكلة من فن استعادة المواد تدعو الزائر للدخول في عالم الرسم والصورة والفيديو. المعرض الذي يحمل عنوان "ستة وواحد سبعة" يجمع سبعة فنانين يمزجون في أعمالهم مختلف الأشكال الفنية لتطوير مفاهيم عبر فضاء قصر الرياس الذي يعود تاريخه للقرن الثامن عشر. والمتجول عبر القاعات السبع يشاهد بوضوح تلقائية التعبير الفني المشكلة مع حرية في التجريب والحداثة، لخلق فضاء إبداعي فني من أشياء وأدوات حميمية تخص رؤية كل فنان. فالأعمال الفنية المشكلة في كل قاعة هي رؤية مبدعها الجمالية للتواصل مع المتلقي للعمل الفني. فيلفت الانتباه التركيب الفني (رسالة في زجاجة بالبحر) للفنانة مريم آيت الحارة. دويبي سعاد أصغر أعضاء المجموعة -مواليد 1982 بالجزائر العاصمة - تقترح تفكيرا حول مكانة المرأة في المجتمع عبر مجموعة من الدمى المصنوعة من القماش والتي طبعت عليها مقاطع من أغانٍ أو نصوص أدبية أثرت فيها، لتكون الدمى هي الأداة الفنية التي استخدمتها لإبراز المفاهيم الإنسانية الضائعة ولتعكس واقع الجزائري الحالي في كل تحولاته. وتستخدم الفنانة "أحلام كودورغلي" مواد الإبداع الموسيقي من اسطوانات وآلات سماع وعزف وكلمات أغان لتشكل عالما من الحلم القديم والشغف العتيق الآتي من التشكيل والموسيقى. أما الفنانة شافع فاطمة، وهي من مواليد 1973 بالجزائر العاصمة، فتخاطب ذكريات السنوات الأليمة التي عاشتها الجزائر وتحاول تكريم "النساء المجهولات" اللائي اغتلن على يد الإرهابيين بين 1993 و2003 بمنطقة المتيجة (50 كلم من العاصمة). فتشكل صورا وملصقات تحمل أسماء ثلاث وثمانين امرأة من ضحايا الإرهاب وتستفيد فنيا من "يد فاطمة" الرمز الحاضر في المجتمعات للتحصن من الحسد. ومن جهتهما أبرز الفنان هاب المدعو البومة تنوع الطبخ الجزائري من خلال "الكسكسي"، وركز الفنان بلعيد حسين عمله عبر تشكيل من "التوابل أو الأدوية". ومن قاعة إلى أخرى نتبع آثار الخطى التي تأخدنا لعمل الفنان نور الدين حموش بعنوان "وين رانا رايحين" الذي يستخدم الأحذية كآثار خطوات المشي ويفعمها بالألوان والرموز والدلالات المعبرّة عن التراث الأمازيغي والجزائري والتي من خلالها يجسد رؤيته للواقع وحلمه بالمستقبل ويعبّر عن رسوماته من خلال الكلمة المكتوبة مستخدما الخط العربي، وباتباعه لروح الاستلهام والحس الفني. نور الدين حموش مولع بهذا التراث ويرى أنّ من واجب كل فنان تقديم بصمته الخاصة حفاظا على التراث، خاصة الروحي منه. وولعه بالرموز والعلامات الأمازيغية، المستمد منذ طفولته والذي نمى شيئا فشيئا بداخله، من المنطقة التي ينحدر منها "أزفون"، وتلمس جمالها وهي تزيّن الأواني وأثاث البيت ليتغلغل أكثر في الثقافة الأمازيغية إلى درجة إصداره كتابا يضم خمسين رمزا أمازيغيا قام بوضع تعريفات شعرية لها.