طبعا لم أكن في وقت الثورة حتى أشهد على الثوار والبياعين، ولم أكن رأيت النور حتى أشهد على معركة الجزائر، ولم أكن من أبناء القصبة حتى أنصف أو لا أنصف زهرة ظريف أو ياسف سعدي، وأقول هذا كله مع التحفظ باعتباري ولد البياع.. لكن ثمة حقيقة أعرفها لأني جربتها وجربت صاحبها وهو البطل المشكوك في بطولته من طرف رفاقه وبعض إخوته في السلاح، ياسف سعدي، وستقولون لي ما هي هذه الحقيقة التي تدّعيها يا ولد البياع، فأقول لكم، اصبروا علي قليلا لأروي لكم هذه الحكاية، أي حكايتي مع ياسف سعدي.. في العام 2004، كنت مسؤولا في جريدة الجزائر نيوز، قسم التحرير، وحدث أن قام صحفي ممن كانوا تحت إشرافي بحوار مع ياسف سعدي، وهذا الصحفي اسمه جلال بوعاتي وهو اليوم محرر بجريدة الخبر، وفيما قال سعدي لجلال بوعاتي، إن الجنرال خالد نزار تأخر كثيرا في الالتحاق بالثورة، وضمنيا اتهم الجنرال خالد نزار بالعمالة للجيش الفرنسي، وعندما تم نشر الحوار، ثار الجنرال خالد نزار غاضبا فأسمع عن طريق التليفون ياسف سعدي كلاما قاسيا ومرعبا وطلب منه أن يعتذر وإلا شرّبه المرار، وعندئذ راح ياسف سعدي يلوح بتهديداته ضد الصحفي جلال بوعاتي الذي ارتعب واشتد به القلق.. واتصل ياسف سعدي ببعض المسؤولين آنذاك من الرئاسة والدياراس لنقوم بتكذيب الحوار وما قاله ياسف سعدي عن الجنرال خالد نزار، لكننا رفضنا أن نكذب أنفسنا لأن الحوار الذي كان بحوزتنا وقمنا بنشره صحيح مائة بالمائة، ولما اقتنع ياسف سعدي أن طرق التهديد لم تؤت ثمارها لان واستكان واعتذر، وتوسل لنا من أجل أن ننشر في بعض الفقرات ممضاة باسمه، مقدما فيها اعتذاراته للجنرال خالد نزار، واصفا إياه بالمجاهد الكبير والصنديد.. والأغرب من كل ذلك عرض علينا أية مساعدة نريدها أو نطلبها منه في الجريدة، لكننا لم نطلب منه شيئا.. وأنا ولد البياع شعرت بالحزن إزاء مثل هذا التصرف الذي لا يليق ببطل من أبطال معركة الجزائر.. وبعد أكثر من عام اتصلت بياسف سعدي ليدلي بشهادته عن معركة الجزائر بمناسبة خمسينيتها، وما أن كلمته في التليفون حتى انتفض صارخا وهو يهددني أن يطلق الرصاص علي بالبندقية لأنني سمحت بنشر الحوار الذي بهدله مع الجنرال خالد نزار، واشتدت بي الحيرة من هذا المتقلب المزاج الذي ارتعدت فرائسه أمام غضب الجنرال خالد نزار... وقلت يومها بيني وبين نفسي، أيعقل أن يتحول بطل معركة الجزائر إلى أرنب وشيخ خواف؟! والجواب عرفته أخيرا عندما قام هذا الرجل الثمانيني باتهام رفيقته في الكفاح بالوشاية والخيانة... ما أتعس أن ينتهي الرجل في أرذل العمر إلى مثل هذا الانحدار...