تحدثت الروائية هاجر قويدري في حوار مع "الجزائر نيوز"، عن تجربتها الروائية وإحرازها الجوائز الأدبية كجائزة علي معاشي سنة 2008 وعن روايتها الجديدة التي عبرت بها الحدود وقدمتها للعالم ‘'نورس باشا'' وصدرت عام 2012. حيث أرجعت اللجنة الفوز إلى تميز نصّها الروائي ‘'نورس باشا'' بالخصوصية الجزائرية المحضة ورأت أنه يتطرق إلى فترة مهمة من تاريخ الجزائر، بقيت مهمشة نصيا أو أدبيا ولم تُروَ من قبل ويتعلق الأمر بالعهد العثماني. وتناولت هذه الرواية فترة هامة من تاريخنا وهي الفترة العثمانية المعروفة بشحّ الكتابات التي تناولتها، وعملت هاجر على اكتشاف خبايا هذه المرحلة والغوص في عوالمها العتيقة ونقلها للقارئ بحلة إبداعية، عبر استنطاق المكان "القصبة" والتركيز على العمق الذي يحتويه من تفاصيل وخيال ودلالات، وذلك عبر سرد بطلة الرواية التي تجسد دور امرأة جزائرية نزحت من المدية إلى القصبة بعد أن قست عليها الحياة وفشلت في زيجاتها الثلاث.. والرواية عبرها تمثل تلك الفترة وتحكي عن تلك الحقبة التاريخية.وهاجر قويدري، بالإضافة إلى كونها روائية وإعلامية، هي أكاديمية تدرس بالمدرسة العليا للصحافة حائزة على الماجستير وهي تحضّر للدكتوراه في التحرير الإلكتروني وإدارة مضامينه، ابتدأت الكتابة في مجال الشعر، وهي في الحقل الإعلامي منذ العام 2000 بدءا بالصحافة المكتوبة ثمّ العمل الإذاعي من خلال حصتها "ممرات إلى عالم الأنترنت" والعمل التلفزيوني الذي دام سبع سنوات لتتخلى عنه فيما بعد حتى تتفرغ للعمل الأكاديمي، لديها تجربة أيضا في كتابة سيناريو الأفلام الوثائقية منها الفيلم الوثائقي عن الولي الصالح "سيدي بومدين" بالإضافة إلى الأعمال الوثائقية الخاصة بالذكرى الخمسين لعيد الاستقلال حيث سلطت الضوء على عدد من الشخصيات الثورية والمدن الجزائرية ومنها منطقة تيزي وزو. روايتك نورس باشا تعود زمنيا إلى عام 1800 في الجزائر، هل كانت تحدوك الرغبة بكتابة رواية تاريخية أو محاولة استعادة حقبة ما روائيا، أم للسحر الذي يولده في النفوس استعادة زمن بعيد عن الذاكرة؟ بالنسبة للاختيارات التاريخية في الرواية جاءت بناء على رؤية عميقة لما هو موجود في الروايات الجزائرية، وبالتالي الخيار اعتمد على طرحين: الأول، الفترة الاستعمارية الفرنسية حجبت ما قبلها، نحن الجزائريون بصفة عامة لا نعرف ما قبل الفترة الكولونيالية، لا نعرف العادات والتقاليد بالمدينة القديمة، بل مجرد آراء لمؤرخين يقولون إن الوجود العثماني هو استعمار سابق للاستعمار الفرنسي. السبب الثاني هو، الفترة العثمانية محصورة في ثقافتنا في أنواع معينة من الأكل التركي وفي السطوح أعالي البنايات وفي "البوقالات" وبعض الثياب المزركشة. من هذا رغبت أن أخوض في الفترة من شقيها: السياسي والاجتماعي والتفاصيل المجتمعية. انطلاقا من هذا الأمر بدأت البحث في الفترة العثمانية. والرواية تناولت الحقبة التاريخية من 1798 إلى 1805. الجزائر في ذاك العهد كانت تعج بكثير من الأعراق من أتراك ومالطيين وجنويين ورياس البحر، والحقيقة أن الفكرة أتت أثناء إعدادي لروبرتاج تلفزيوني بعنوان مستشفى مصطفى باشا. وهي الشخصية السياسية الموجودة في نورس باشا. في "نورس باشا" تنتقلين إلى واقع افتراضي مع أسماء وعادات وتتحدثين عن أماكن إقامة تتغير مظهرة غرابتها وغرابة محيطها. هل هذه رؤيتك لتناول العاصمة إبداعيا؟ المكان أصعب شيء في الرواية أن تنتقل من زمن إلى زمن، وأدواتك لا يكفيها الخيال، عليك أن تبحث عن كتب وشواهد ومراجع، فبالتالي هذه الفترة من الزمن تفتح الخيال عبر فتحتين: فتحة الوجدان، وجدان الشخصيات، لأن الوجدان هو المكان الوحيد للخيال، الثانية هي الأحداث هنا عليك أن تطعمها بكم هائل من الحقائق التاريخية ولكني مع الوقت ومع البحث استمرت كتابة روايتي 3 سنوات. عرفت أنه لا يهم على الإطلاق التواريخ، تلك علينا أن نفهمها ونطلع عليها من أجل صنع المناخ العام لا غير، الرواية لا تحتاج إلى تواريخ كثيرة على العكس لا تحتاج إليها إطلاقا بل تبحث في الوجدان. ومن هنا لم تحتو روايتي على شخصيات تاريخية كثيرة بل احتوت على المكان الحقيقي وعلى المناخ العام ولم تضم حكايات تاريخية محددة. الزمن لديك حقيقيا وخرافيا، كيف عملت على تأسيس زمن روايتك الخاص؟ الزمن حقيقي وكل شيء حقيقي. حاولت جمع كل ما يثبت أن الزمن حقيقي، لذا اشتغلت كثيرا على أسماء الأماكن والناس والشخصيات، على أسماء الطرق والمنازل وكل هذه التفاصيل من أجل كذبة السرد. من العنوان إلى متن الرواية يحضر النورس، في أحد مقاطعها تقولين "فتحت النافذة بشوق، لاحت بعض النوارس في الأفق، فاستنشقت الهواء الذي راقصته بأجنحتها وهرعت إلى شجرة الياسمين كي أسقيها"، هل النوارس هنا تورية لرغبة النهوض والانطلاق لدى الراوية ولدى البطلة "الضاوية"؟ عندما ينهي القارئ رواية "نورس باشا" يرى أن النورس ليس شخصية في الرواية بل استعارة أردت أن أقول بها إن النورس هو القصبة وهو الباشا وهو الجوهرة الغالية في تاريخ الجزائر، تحلق عاليا. وهي موجودة بطرق خفية، هنا كمقاطع في الرواية يكثر فيها التركيز على النورس كاستعارة لفظية لأن النورس عندما يحيط بمدينة الجزائر فهو يعني الحرية والبطلة الضاوية تبحث عن الحرية. بحثت عنها لدى البشوات وكان الخذلان. فبالتالي النورس الطائر كان يأتيها حسب التعبير الذي ذكرته. الضاوية شخصية مركّبة وامرأة عانت كثيرا في حياتها وتزوجت صغيرة، أما العقونة رفيقتها فاغتُصبت وأنجبت طفلا. وفي هذا السياق، أحييت شخصيات كانت في ذاك الزمن من عناصر المجتمع المحبوبة مثل الأبكم والدرويش. عندما تكتبين رواية هل يكون هناك هم لطرح فكر أو موضوع، أم لمتعة السرد والبناء الخيالي؟ أعتقد أنه في هذه المرحلة لا يعنيني كثيرا طرح فكر ما أو مفاهيم معينة لأن هذا تقدر عليه الكتب الفكرية وأنا شخصيا أكره الروايات التي تحتوي على كم فكري لأني أشعر بها كما استعراض العضلات فبالتالي أرفض أن أجمع مقولات لمشاهير وأضعها في رواية وأقول إنني أبحث في الأفق الإنساني، على العكس الأفق الإنساني بالنسبة لي هو السرد الذي يتطلع إلى تشكيل وجدان وعاطفة إنسانية. لكن هناك أمور تقرأ لا ننتبه إليها، ولكن يمكن قراءتها على حسب سياق تشكيلها، لذا الهدف الأول هو تحقيق متعة القارئ. فيما بعد، إذا كان القارئ يملك خلفيات فكرية فسيفسر ذلك على هواه. من البداية الشعرية إلى الرواية، كيف تنظرين إلى هذا التحول؟ أنا أملك ذائقة عربية تميل للشعر، وبالتالي كانت البداية بالشعر ولكن سرعان ما انتقلت إلى الرواية، وذلك لإحساسي بعدم كفاية القصيدة لما أريد قوله. أنا لم أتوقف عن الشعر، هو حالة فجائية بالنسبة لي، أما الرواية فهي مسار حقيقي وأصيل أريد النجاح فيه مهما يكن. أعمالك الروائية حصلت على أكثر من جائزة، إلى أي درجة تساعد الجوائز المبدع في تحقيق طموحاته وخصوصا طباعة كتبه؟ الجائزة ليست أكثر من دعامة إعلامية تستفيد منها إعلانيا، لأن الساحة مليئة بالأصوات الإبداعية وغير الإبداعية. أحيانا أتمنى لو أن الزمن ليس زمن جوائز ولكن لا يمكن على الأقل الآن أن نكتفي بالجهد الخاص. ماذا أفعل لوحدي. الحلقة الإبداعية الآن تغيرت، لنكن صريحين، الناشرون أهم من الكتاب في الوقت الحالي، وبالتالي علي أن أبحث عن محفزات لهؤلاء الناشرين والجائزة هي المحفز، لكني أعتز كثيرا بجائزة الطيب صالح في السودان واعتبرها الخطوة الأولى في المجال الإبداعي. هل ترين أن الكتابة الجديدة في الجزائر والتي عانت لفترة من الإقصاء، استطاعت أن تكسر التهميش؟ الكتابة الجديدة لحد الآن لم تقدر أن تكسر هذا التهميش، لأن كتاب الأجيال السابقة يعتقدون أن الكتابة تقتصر عليهم وعلى زوجاتهم. من المؤرق أو الموجع أن يصرح كاتب معروف أن الجهد الإبداعي يقتصر في أربعة أسماء لا غير؟ لماذا هذا الجحود، هل يتابعون عبر القراءة؟ هل يعرفون كم نتعب ونتوجع ونبذل جهدا حتى نكتب أشياء ربما لم يفكروا فيها هم أبدا.. الكاتب الجزائري الأول كاتب ديكتاتوري يرى نفسه في المرأة فقط ولا يتطلع إلى ما بعد إنتاجاته. هل تقصدين كاتبا محددا بكلامك؟ من المؤسف أن أتحدث عن أمين الزاوي الذي يكتب عن الديكتاتوريات العربية ويحتفي بالربيع العربي وهو يمارس ديكتاتورية أدبية على جيلنا. إلى أي درجة يمكن أن يساعد اشتغال الروائي بالصحافة في عمله الإبداعي؟ الصحافة لا تساعد الروائي هي فقط طعم أولي للكتابة، هي توأمة لكنها كاذبة لأننا نعتقد في البداية أن سيلان القلم الصحفي سيساعد الروائي ولا يحدث هذا، على الأقل معي، لذا مع الوقت فهمت أن الكتابة تحتاج إلى التفرغ والمساحة الخاصة. تحتاج إلى القليل من الرفاهية. من الأشياء الجميلة التي لابد أن تحيط بك وطبعا أقصد شمعة أو وردة حتى لا أتهم بالتطلع إلى أمور أخرى، وهذا لا يمكن إطلاقا الحصول عليه مع الصحافة التي تجلب الضغط لا غير. كان هناك خيار في مرحلة عمرية معينة واخترت ترك الصحافة الميدانية والتفرغ للكتابة. في الجزائر أهم منصب تحصلين من خلاله على مساحة وقتية جميلة هي الجامعة وهذه هي حيلتي إلى حد الآن. من من الكتاب تحبينهم ويغرونك على متابعة كتبهم؟ القراءة أمر مهم كثيرا في حياتي، وأنا من الأشخاص الذين ينبهرون بسرعة ثم ينطفئون. وبالتالي من الصعب أن أحدد شخصية أدبية تكون تأثيراتها مستمرة. في كل حالة يسقط ولعي على شخصية معينة. قد يتبدل ذلك بصورة مستمرة، لطالما أحببت إيزابيلا الليندي وكتاب أمريكا اللاتينية وانطفأ ذلك. في هذه المرحلة أقرأ روايات للتركية "اليف شفق"، وهذا بالموازاة مع اشتغالي على تحضير رسالة الدكتوراه في الإعلام، كما أقوم بترجمة كتب تاريخية مثل "السينما وحرب التحرير" لسيبتسيان دوني الذي صدر عن دار سيديا، وآخر عن المحامي بيير فيدال ناكي ومساهمته في القضايا الجزائرية، حتى أقدم لنفسي كافة الأذواق الإبداعية. كروائية كيف تنظرين لترشح الروائي ياسمينة خضرا نفسه للرئاسيات في الجزائر الشاعر لا يمكن أن يكون رئيس دولة لاعتبارات نرجسية، والروائي لا يستطيع أن يكون كذلك رئيسا لأنه ديكتاتور بالفطرة. فالشاعر يتعامل مع محيطه بلا منطق.. والروائي ينحاز دائما لمنطقه الذي لا يكون في الغالب منسجما مع المنطق الجماعي. مقطع من رواية: رواية نورس باشا لهاجر قويدري، وهي الرواية الفائزة بجائزة الطيب صالح للرواية 2012، والرواية الأكثر مبيعاً في معرض الجزائر للعام نفسه. ومن أجواء الرواية: وقفت إلى جانب أمي، كان المكان غارقاً في رائحة البهائم التي يبدو أنها الصّاحي الوحيد، اقتربت مني دجاجة ونقرت خفيّ الموحل، نهرتها لكنها عادت مرة أخرى، كنت أفكر في زهور، لقد تركتها نائمة، لا شك أنها تبكي الآن، شعرت بدوار مباغت وأنا أنصت للقطرات المتلاحقة من كل جهة.. دمعي ودمي ودقات هذا القلب المقبوض ... - هيا تقدما ... دخلنا الباب بانحناء قصري، إنه بطول انكماش خائف، كأنما يتوجّب على الداخل أن يقدم التحية للعتبة أولاً، تقدمت نحونا عجوز مسنة، رحبت بنا بصدق وألحت على ضرورة شرب القهوة؛ حتى يتمكن الجبار من تجهيز أدوات علاجه.