في أمسية عمها الحنين لوجوه مسرحية جزائرية، شكلت دعامة رئيسية للمسرح الجزائري وقدمت له الكثير، أراد منظمو أمسية "صدى الأقلام" أن تكون وقفتهم هذه المرة عربون وفاء وإخلاص لقامتين مسرحيتين ثقيلتين، نظرا لتزامن أربعينية إحداهما مع ذكرى وفاة الآخر، أربعينية الفنان والمسرحي والمخرج "محمد بن قطاف" وذكرى استشهاد الفنان الملتزم وصاحب الرسالة "عز الدين مجوبي". عم القاعة جو من الخشوع والوقار المنسجم مع نبرات الحزن لمنشط الأمسية "فتح نور إبراهيم"، الذي أكد بأن هذه الوقفة هي أبسط ما يستحقه الرجلان وهي ذكرى وفاء يفرضه واجب الذاكرة لمسرحيين حاضرين غائبين، تقاطعت مسيرتما عبر مراحل متعددة من نضالهما الثقافي، فلقد مارسا المسرح في الإذاعة وخرجا معا في "فرقة القلعة" رفقة الممثلة "صونيا"، والمسرح الوطني شاهد على أنهم مروا من هنا، وبتأثر كبير وجه الكلمة للمثل المسرحي "عبد الحميد رابية " الذي حاول بما أتيح له من قدرة ووقت أن يقدم بإيجاز المسار التاريخي للمسرحي "عز الدين مجوبي" الذي تعبد طويلا في هذا المعبد المسرحي على حد تعبير رابية، فقد خدم الشباب وكان له حضور وقيمة وشخصية مميزة ومزدوج اللغتين ومؤمن برسالة ومتمكن من فنيات المسرح وله صوت مدوي وخاص، مرن في أداء أدواره وهو ينتقل من دور لآخر، يعرف كيف ومتى يلفت الجمهور ويشدهم بريتم يتماشى وكل القضايا والمسائل التي عالجها إقتصاديا وإجتماعيا وثقافيا وإنسانيا.. منذ ستينيات القرن الماضي بمسرحيات "الحافلة تسير"، "غابوا الأفكار"، "عالم البعوش " و«رانا جيناك"، بشخصية بسيطة ومعقدة في آنو حاول فك عقدتها ببسطها وتشريحها على خشبة المسرح وأمام الجمهور، فهو ثوري تقدمي ومتجاوب مع جمهوره منفتح على الحوار مع الآخر، نادى باللا مركزية المسرح، وقد أرسله علولة لتأطير الشباب، وقد كان لتمكنه إنجازاته أن نصّب على رأس المسرح وأشهر بأنه لم يأت للجلوس وراء المكتب بل جاء للعمل الجماعي ونال العديد من الجوائز أحسن إخراج سنة 1986، أحسن عمل رجالي بتونس 1976 وغيرها، قبل ان تخطفه يد الموت الغادرة سنة 1995 أمام مسرح لطالما احتضنه. أما الدكتور "حسن تليلاني" فقد قدم بإيجاز أيضا مسار أستاذ المسرح كما أسماه "محمد بن قطاف" الشخص البسيط والمتواضع والمتفاني في عمله وأخلاقه والمتعدد المواهب والإنجازات، حاول "تليلاني" أن يلقي الضوء عليها من خلال شرفات كمحاولة منه للإحاطة بكل التمثلات الفنية التي تميز بها "بن قطاف" المخرج والممثل والكاتب والمسير الماهر والمقتبس الذي حاكى الأدب العالمي بمسرحياته وألبسها ثوبا جزائريا. فهو يعتبر بأن الأمة تعرف بفنانيها ومبدعيها أكثر من سياسييها، الذين ينتهون بمجرد انتهاء وظيفتهم، بينما يستغرق الفنان وبعمق في الزمان والمكان والذاكرة..، لقد كان "بن قطاف" جزائريا مخضرما بأتم معنى الكلمة وإنسان يتميز بثقافة عالمية مكنته من اقتباس أعمال عالمية بلمسة إبداعية، كمسرحية "قالوا العرب قالوا" المقتبسة عن الماغوط ومسرحية "الشهداء يعودون هذا الأسبوع" المقتبسة عن "الطاهر وطار" ومسرحية "عالم البعوش" رفقة "مجوبي" والمقتبسة عن "الجريمة والعقاب" لدوستويفسكي، فبن قطاف، فتح أبواب المسارح وأسس لصدى اللأقلام وفتح المجال بين الفنان والناقد في فضاء واحد، وهو صاحب فكرة البطاقة البيضاء، إذ فتح المجال أمام مسارح جهوية وردم الهوة بين الشمال والجنوب، فالكبار لا يخشون الموت بل يخشون النسيان كما قال المتدخلون. قالوا عن "بن قطاف" و"مجوبي" عبد الحميد رابية "ممثل مسرحي" قال رابية، بأن مجوبي وجد نفسه صدفة في المسرح ومع ذلك قدم له الكثير رغم كل العراقيل التي لفت تطلعات ذلك الجيل، وقد دعى أيضا الشباب إلى حمل المشعل، كما لم يخف إعجابه بالطاقات الحالية التي تخفي الكثير وهي حلقة وصل بين جيلين، لكن على القائمين بالثقافة أن يهتموا بالفعل الثقافي أكثر من أجل إستيعاب هذه الطاقات وتخفيف الخناق على النقد البناء على حد تعبيره. فتح نور إبراهيم "مكلف بالإعلام على مستوى المسرح الوطني الجزائري" أعرب فتح النور، عن حزنه لخسارة المسرح الوطني لمعلمه "بن قطاف" والذي أصبح شاغرا، داعيا المسيرين والفنانين إلى التحلي بروح المتواضع والمسؤولية والإيمان بالرسالة كما كان سابقيهم، كما دعى إلى تخليد بن قطاف من خلال تسمية مسرح أو قطب ثقافي يحمل إسمه. حسن تليلاني "جامعي متخصص في المسرح" أكد الأستاذ، إن اقتباس بن قطاف لأعمال مسرحية كان بنظرة متجاوزة ومتطورة، فهي ليست مجرد إجترار أو إعادة استرجاع، بل إضافة وإبداع، إنطلاقا من العنوان الذي كان يلبسه دائما كلمات تتجاوب واهتمامات المواطن الجزائري البسيط، فهو يعتبر من رواد الإقتباس المسرحي في الجزائر بامتياز.