هل كان علي بن فليس الغريم التاريخي لبوتفليقة يملك المعلومة الدقيقة أن رجل المصالحة الوطنية سيتقدم إلى عهدة رابعة، أم أن من أشاروا عليه وسربوا إليه معلومة أن بوتفليقة لن يترشح وبالتالي أنه لن يكون للنظام مرشحه قد خدعوه؟! في 2004 عندما قرر علي بن فليس التقدم إلى الرئاسيات، ودخل في معركة غير مسبوقة ضد بوتفليقة المدعوم من الجنرال توفيق، راهن الكثير من المراقبين أن أصيل باتنة لن يتخلى عنه الجنرال العتيد آنذاك، الراحل محمد العماري.. وهذا ما جعل العديد من الشخصيات السياسية والكوادر ينظمون إلى علي بن فليس، إلا أن الصراع في نهاية المطاف حُسم لصالح بوتفليقة، وكان لذلك تأثيره العميق على الأنصار والمقربين من علي بن فليس، ومن ضمنهم الضباط السامون الذين كانوا في الخدمة، وكذلك الضباط السامين المتقاعدين الذين أجهروا بمناوئتهم للمترشح بوتفليقة، ومن بين هؤلاء الجنرال العتيد خالد نزار الذي بقيت تربطه علاقات وطيدة مع الرجل العتيد للاستعلامات.. ومنذ ذلك الحين تحولت رئاسيات 2004 إلى نوع من الساندروم ليعلن بن فليس وأنصاره الذين لم يساورهم أي شك في أن بن فليس سيكون رئيسا دون منازع.. ولقد دفع الجنرال الراحل محمد العماري الذي استمات من أجل أن يكون بن فليس رئيسا إلى آخر لحظة الثمن باهظا، بحيث اضطر لتقديم استقالته، خاضعا في الوقت ذاته لقاعدة الإنضباط الذي يمليها نظام المؤسسة العسكرية، ولم يكن انتصار بوتفليقة في العهدة الثانية إلا تعبيد الطريق أمام حلف مقدس بين المؤسسة الأمنية والرئيس عبد العزيز بوتفليقة لبسط سلطة ونفوذ بوتفليقة وكانت نتائجه واضحة على الأرض، بحيث توطد حكم بوتفليقة الذي أصبح الرجل القوي والفعلي وتمكن أن يصبح أبا روحيا وملهما لميلاد عصبة جديدة التفت حوله وراحت تنفذ إلى مفاصل الدولة العميقة منافسة سلطة الدياراس.. وهذا ما كان من حين إلى آخر يخلق بعض الصدامات التي عرف بوتفليقة كيف يقوم باحتوائها لصالح العصبة أو الزمرة التي أصبح نفوذها يتعاظم في المجال الإقتصادي والسياسي، وظلت هذه الزمرة ملتزمة بخريطة الطريق التي أملاها بوتفليقة من خلال الإستراتيجية التي بدأت تتضح معالمها منذ انتصار على هيئة الأركان التي كان يمثلها الجنرال الراحل محمد العماري ولذا عندما أبدى بوتفليقة رغبة بعد سنوات ليترشح إلى عهدة ثالثة وجد تجاوبا من حليفه الجنرال توفيق، بحيث تم تعديل الدستور إلى عهدات مفتوحة وهذا ما شكل ضمانا لنمو سطوة الزمرة الموالية للرئيس بوتفليقة... وكان الإختبار الحقيقي لهذه الزمرة والتي سميت نواتها ومحيطها بالبوتفليقيين. هو هذا النزاع حول السلطة الحقيقية على إثر مرض الرئيس وانتهى ميزان القوة لصالح البوتفليقيين الذين رفضوا أن يكون تحت رحمة سلطة الرجل العتيد للمؤسسة الأمنية، بحيث فرضوا عليه خطة لم تكن في الحسبان وتمثلت هذه الخطة بمباغتته في عقر داره، بحيث جردوه من كل مقربيه الأقوياء وانهوا صلاحيات الاستعلامات في إدارة اللعبة الإعلامية والسياسية واكتشف الجنرال مدين أنه غير قادر على تجاوز سلطة البوتفليقيين الذين نجحوا في الإستحواذ على مفاصل الدولة العميقة وعلى الحكم الفعلي ولو في الظرف الراهن وذلك من خلال فرض الأمر الواقع، ولقد نجحوا كذلك في "سرقة" بعض الرجال الذين كانوا محسوبين على جناح الجنرال توفيق، ومنهم زعيم الأرندي السابق ورئيس حكومة بوتفليقة أحمد أويحيى الذي قبل بإبعاد بوتفليقة له من على رأس الحكومة ويكون هذا الأخير قد فهم أن لا جدوى من المعاندة والدخول في مواجهة علنية ضد البوتفليقيين، بل أن يغير خندقه، من الخلاف الذي يبدو أنه أصبح ضعيفا إلى الخندق الجديد المنتصر في المعركة، ويقول بعض المطلعين على خبايا السرايا، إن هذا الأمر غير مفاجئ من طرف أحمد أويحيى، لأنه سبق له أن انتقل من خندق الزرواليين إلى خندق بوتفليقة باعتباره كان يعد نفسه دائما جنديا منضبطا في النظام.. بن فليس في قلب الإعصار يقول علي بن فليس إن السنوات العشر التي قضاها بعيدا عن الأضواء، لم تكن انعزالا ولا تسليما بالأمر الواقع ويضيف لمقربيه أنه ظل يشتغل ويلتقي بأنصاره ومدعميه على مستوى التراب الوطني، وأنه لم يصب بساندروم بوتفليقة ولا بساندروم رئاسيات 2004، ويؤكد في تصريح له أنه لم يكن يوما رجل عصبة داخل النظام.. ومن هنا يقول لي أحد المقربين منه، ظل على وفائه المطلق له "إن علي عندما قرر الدخول إلى المعترك الرئاسي، لم يكن اتكاليا ومعتمدا على ضوء المؤسسة العسكرية، لأن نظرته قد تغيرت كثيرا، وأصبح يعتقد أن المجتمع قد تغير كثيرا وأن المحيط الإقليمي عرف تطورات عميقة، لذا فهو يؤمن بدور تاريخي باعتباره ابن عائلة شهداء، ومطلع على خبايا النظام وتطوراته ومآزقه، وهذا الدور التاريخي يتمثل في تصميمه دخول معركة الرئاسيات ليس كسائح، وليس كموظف سياسي يؤتمر بالأوامر، بل كسياسي يعتقد أن وقت التغيير قد حان، وأن وقت المعركة الحاسمة قد أزف، معتمدا في ذلك على الحس السليم للمجتمع وللأجيال الجديدة المؤمنة بضرورة التغيير". وإذا ما صدقنا محدثنا القريب من علي بن فليس، أن هذا الأخير الذي صرح لمقربيه بأنه "لم يفاجأ بقرار حاشية الرئيس على دخول هذا الأخير معركة الرئاسيات"، مضيفا "أنه مقتنع أن الرئيس بوتفليقة هو خارج اللعبة وأن الحاشية "هي من قامت بهذا "الفورسينغ" الذي لن يستطيع من تغير مجرى الأحداث، وغير قادر على إجهاض مشروع التغيير الذي تنتظره الجزائر الجديدة التي سئمت من هذا الإنحطاط الذي نزلت إليه الجزائر والذي فتح الباب للمافيا المالية والسياسية أن تتصرف بمصير الشعب الجزائري" ويقول محدثنا "إن علي بن فليس يراهن على الذهاب بعيدا في معركته الرئاسية ضد حاشية الرئيس والذين يختفون من ورائه.. وأنه سيتحداهم بمناظرة مع الرئيس بوتفليقة". ويفيد مصدر آخر، أن علي بن فليس يراهن في معركته الأشد خطورة في حياته السياسية على المجتمع وعلى كل الفئات العريضة المتذمرة على الشخصيات ذات الصدقية التي قد ترمي بثقلها لصالحه في اللحظة الحاسمة، بحيث سرب لنا أن شخصيات مهمة هي قيد تحضير بيان تعلن فيه عن رفضها لعهدة رابعة عن طريق الوكالة.. وقد تكون ما بين هذه الشخصيات الرئيس الجزائري الأسبق ليامين زروال الذي سبق أن رفض طلبات للتقدم للرئاسيات لكن ذلك لا يمنع بالإعلان عن موقفه لصالح تيار علي بن فليس... كما يراهن هؤلاء أن معركة بن فليس سوف لن تتوقف خلال الحملة الإنتخابية، بل حتى بعدها في حالة ما زورت الإنتخابات ولم يظهر الرئيس بوتفليقة في الميدان.. حمروش وبن فليس وفرصة التاريخ برغم أن مولود حمروش رئيس الحكومة الأسبق في عهد الشاذلي قد أثار بعض الأمل عند أنصاره، وفسرت خرجته على أساس أنها تدل على اتفاق ضمني مع أصحاب القرار لأن يلعب دورا في حالة عدم ترشح بوتفليقة، بل ذهب البعض من حاشيته إلى التبشير أنه الورقة الحقيقية التي ستلعب، بحيث سربوا معلومات تفيد باقتراب إعلانه الترشح للرئاسيات، إلا أن الصمت المطبق الذي عاد إليه حمروش بعد بيانه، وإعلان سلال عن ترشح بوتفليقة فتح الباب على سيناريوهين، السيناريو الأول، أن كل تأخر من طرف حمروش هو في خدمة علي بن فليس، إذا ما تمكن هذا الأخير أن يكون أشد ضراوة وشراسة على الصعيد السياسي وأنه سيتمتع بتعاطف متعاظم إذا ما تمكن أن يقترح نفسه كبديل خلال الحملة الإنتخابية وهو بهذا سيتمكن من طي صفحة انتهت صلاحيتها وهي صفحة "أصحاب القرار" التي لم يتخلص حمروش منها، ومن تلك الثقافة القاتلة التي شلت قدرات المجتمع والطبقة السياسية في أن تلعب دورها التاريخي والسياسي الحقيقي. أما في حالة تقدم حمروش للرئاسيات، فإن ذلك يعني تعقيد المسألة أمام حزب العهدة الرابعة وأن الرئاسيات لا يمكن أن تكون تحت قوة الأشياء إلا مفتوحة وشفافة.. ويقول العارفون بحمروش إن هذا الأخير من الصعب أن يجازف نظرا لأنه لم يتمكن من تحضير نفسه على الأرض لمثل هذا الموعد الخطير والتاريخي، في حين تمكن علي بن فليس أن يعد نفسه لمثل هذا اليوم، وهو بذلك يتفوق على رجل الإصلاحات من جهة، ومن جهة ثانية يصبح الرجل المرغوب سياسيا من كل العائلات السياسية الأخرى ومن بينهم الإسلاميون.. وإذا ما صدقنا هؤلاء فإن حزب العهدة الرابعة سيجد نفسه أمام تحديات حقيقية على طريقه نحو قصر المرادية..