استفاق سكان شارع "موريس أودان"، وسط العاصمة الجزائرية، صباح أمس، على وقع الاحتجاج الذي دعت له مجموعة من الشباب الرافض لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رابعة، تتقدمهم الطبيبة أميرة بوراوي والكاتب مصطفى بن فوضيل وعدد كبير من الصحفيين والحقوقيين، الذين كانوا جميعا عرضة للتوقيفات العشوائية التي شنّتها مصالح الأمن التي كانت تحاصر المكان منذ الساعات الأولى للصباح، وتعتقل المتظاهرين رغم سلميتهم. لم ينجح الطوق الأمني القوي الذي ضربه رجال الشرطة على كل محيط الجامعة المركزية "بن يوسف بن خدة" والشوارع المؤدية نحوها، في ثني المئات من المتظاهرين للوصول إلى ساحة موريس أودان، للالتحاق بالوقفة الاحتجاجية التي دعت لها مجموعة من الناشطين المعارضين لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رابعة، وعلى بعد خطوة من الجامعة التي تحمل اسم المرحوم بن يوسف بن خدة، الذي كان على رأس الحكومة المؤقتة أثناء استقلال الجزائر، لكنه اختار الانسحاب مبكرا من سيناريوهات التكالب الخفي على الكرسي، ومات محترما ببيته سنة 2003 بعد أن أمضى سنوات طويلة في النضال وكان أول اعتقال له سنة 1943 بتهمة الدعاية ضد التجنيد عقب رصد علاقته واتصاله الدائم بمناضلي نجم شمال افريقيا، لكنه رغم هذه الشرعية التاريخية القوية والمتجذرة فضّل بعد الاستقلال الاستمرار في عمله كصيدلي، بعيدا عن خبايا النظام بكل وجوهه.. لم يكن الدفع هذه المرة قادما من الجامعة المركزية التي تحمل اسم بن خدة، كما كانت في العقود السابقة، فرغم كل ذلك الضجيج الهادر بمحيطها كانت تبدو هادئة ومستكينة إلى قدر مختلف، قدر غير ذلك الذي عهدته في طلبتها وأساتذتها الذين كانوا حلقة أساسية في كل حدث. عشية إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ترشحه لرئاسيات 17 أفريل المقبل، على لسان الوزير الأول عبد المالك سلال، التزمت الطبقة السياسية الصمت، إلا بعض الأصوات التي اكتفت بالتنديد من خلف مكاتبها، في حين خرجت شابة جزائرية بمنطقة بوزريعة، بعد ساعات من الإعلان، تحمل لافتة وترتدي قميصا أبيضا كتب عليهما "لا للعهدة الرابعة"، وبعد وقت قصير تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي خاصة "الفايسبوك" صورتها، من هي هذه الشابة؟ هل هي سياسية؟ هل هي نقابية؟ هل هي ...؟ لاحقا عرفنا أن "أميرة بوراوي" لا تنتمي إلى جميع هذه الدوائر، وإنما هي طبيبة متخصصة في أمراض النساء والتوليد، تنتمي بقوة إلى الشعب -كما قالت- الشعب البسيط الذي تحتك يوميا بآلامه وأوجاعه في مستشفيات لا يحصل فيها حتى على سرير، وأصلا لكي يدخلها هو بحاجة إلى "معريفة" ليخرج منها بعد ذلك معتلا أكثر، نعم هذه هي السيدة التي خرجت كما قالت "من أجل دولة القانون ووضع أفضل للشعب". كانت الطبيبة أميرة بوراوي، صباح أمس، من أوائل الواصلين إلى ساحة "أودان" بالقميص الأبيض ذاته، المكتوب عليه "لا للعهدة الرابعة"، لكنها هذه المرة لم تكن وحدها أو رفقة شخص أو اثنين ربما لم نتمكن في المرة السابقة من رؤيتهم أو التعرف عليهم، هذه المرة كانت محاطة بكل الشباب الذين احترموا دعوتها ومن معها للتظاهر السلمي من أجل التغيير، فعجّت الساحة على الرغم من الطوق الأمني المضروب عليها بقوة بوجوه شابة مفعمة بالحياة. في الصفوف الأولى كان عدد كبير من الصحفيين الشباب يتقدمهم الكاتب والصحفي مصطفى بن فوضيل وهو يحمل لافتة كتب عليها "احشم شويا... 15 سنة بركات".. هذا الشعار المنسوخ من هتاف الشعب الجزائري في صائفة 1962 "7 سنين بركات" بعد سنوات الثورة ومخاض استقلال الجزائر العسير لبناء دولة لم تعرف طريقها، لكنه مضروب في 2 من الناحية الزمنية.. كان الجميع يردّد عبارات منددة بالعهدة الرابعة، وسرعان ما انطلقت حملة الاعتقالات التي شنّتها قوات الأمن فكانت الدكتورة أميرة -وهي تحتضن العلم الجزائري- والكاتب مصطفى بن فوضيل من أوائل الموقوفين لتتواصل عملية الاعتقالات، على مدار أكثر من ساعتين، حيث طالت عددا كبيرا من المواطنين والصحفيين الذين نذكر منهم فيصل بخوش، عبد النور بوخمخم، مهدي بسيكري، يوسف بعلوج، مصطفى كيساسي، الرسام الكاريكاتوري أمين لابتر، الصحفي علاوة حاجي الذي اقتيد إلى عربة الشرطة على وقع زغاريد السيدات ردا على هتافه باسم الجزائر، كما تم اعتقال عدد من الصحفيات كحياة سرتاح وزهية منصر.. وبعض الوجوه الحقوقية يتقدمها، صالح دبوز، رئيس المكتب الوطني للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان. كما تم اعتقال السيدة نتاش والدة أحد المفقودين التي تعوّدنا على وجودها في كل مناسبة حاملة لصورة ابنها المفقود منذ 1996. هذا وأكدت مصادر ل "الجزائر نيوز" أن عدد الأشخاص الذين تم اعتقالهم، أمس، بلغ ال 100، -قبل أن يطلق سراح الجميع قرابة منتصف النهار- وبالنظر إلى الطريقة التي كان أعوان الشرطة يوقفون بها المتظاهرين، يبدو ل"الجزائر نيوز" أن الرقم يتجاوز المذكور، حيث حاولت الشرطة تفريق المتظاهرين ومنعهم من التجمهر بدون استعمال القوة، لكنها مع ذلك اعتقلت حتى المواطنين الذين كانوا يدلون بتصريحاتهم لمختلف وسائل الاعلام. وجوه... "الشيات" والمال الفاسد على الرغم من أن الجهات التي دعت للاحتجاج كانت قد قامت بتحذير كل الأطراف السياسية من استغلال هذا الاحتجاج السلمي المدني لصالحها أو الانضمام إليه بأي شكل من الأشكال، إلا أن المترشح لرئاسيات 2014 المقبلة، لوط بوناطيرو، نزل أمس، إلى ساحة موريس أودان، لكنه اكتفى بالتأكيد على رغبته في مؤازرة هؤلاء الشباب الذين يرغبون في التغيير السلمي، مؤكدا ل "الجزائر نيوز" أن "الاحتجاج السلمي هو حق مكفول لكل مواطن"، مدينا الاعتقالات التي شنّتها مصالح الأمن ضد الشباب المحتج سلميا. إلى جانب الظهور القصير، لبوناطيرو، ظهر بين الحشود، يوم أمس، ومنذ الساعات الأولى للتجمع، المجاهد والإطار السابق بوزارة العدل، بن يوسف ملوك، الذي قال ل "الجزائر نيوز" إنه لا بد من "ذهاب كل النظام بفكره ورجاله"، مؤكدا أن "الأمل في التغيير سيكون بالكفاءات وبهؤلاء الشباب، وليس في أي من المترشحين، لأن الجميع صناعة واحدة وهم يتوارثون التفكير نفسه منذ 1962، لذلك يجب أن نسأل أنفسنا ماذا فعل هؤلاء لما كانوا في المناصب والحكومات"، مؤكدا أن "الأوان قد حان للتغيير لبناء دولة القانون التي لا صوت فيها إلا للقانون ولا شأن فيها إلا للمواطن"، مضيفا أنه حضر اليوم ليساند "هذا الجيل لبناء مستقبله". بدوره الصحفي "أرزقي أيت العربي" الذين كان حاضرا، ثمّن في تصريح ل "الجزائر نيوز" الاحتجاج السلمي الذي عرفته ساحة أودان، أمس، قائلا إن: "هذه المبادرة في حد ذاتها مهمة لأنها تبيّن عن وجود وعي لدى الشباب"، خصوصا حسب ايت العربي أن "الطبقة السياسية في الجزائر فقدت كل مصداقيتها، وأصبحت بلا معنى وتستغل حتى ضد مبادئها، وهذا ما يجعل من الاحتجاج السلمي اليوم من قبل شباب مثل الطبيبة بوراوي، صوتا قويا منبعثا من عمق المجتمع لا يمكن لأي شخص المزايدة عليه أو توظيفه لحسابات أو صراعات معينة، وهذا مؤشر قوي على جميع المستويات". إلى جانب المحتجين والوجوه التي جاءت لدعمهم، شهدت ساحة "أودان"، أمس، مرور أحد البرلمانيين الذي جاء للحديث مع المتظاهرين وإقناعهم بالعدول عما يفعلونه لكنه فوجئ بمجموعة من الشباب وسيدات في سن متقدمة من العمر بينهم مجاهدة كن مارات بالشارع يصرخون في وجهه "يا الشيات، يا الشيات.."، وانتفضت المجاهدة في وجهه "يا الشيات الدزاير غالية ما تسواش غير 30 مليون اللي بعت روحك بيها". فيما جاء شخص يحمل صورة الرئيس بوتفليقة فتقدم منه شيخ كان يشاهد ما يحدث وأخرج من جيبه ورقة نقدية بقيمة 1000 دينار وقال له: "خذ وخليهم يدبروا راسهم"، إلى هنا كانت الصورة مضحكة، وبعد لحظة تحولت إلى مبكية وتعبر بقسوة عن انتشار ثقافة المال الفاسد، عندما تقدم شخص آخر كان رفقة حامل الصورة من الشيخ وأخرج عددا كبيرا من الأوراق النقدية وراح يحاول رميها في وجه الشيخ؟ هكذا كانت الساحة التي تحمل اسم المناضل اليساري "موريس أودان" بقلب العاصمة، أمس، أين يقع الصرح العلمي الذي يحمل اسم "بن يوسف بن خدة"، والمركز الثقافي الذي يحمل اسم "مصطفى كاتب"، الذي كان يقف على بابه وسط كل هذه الأحداث، مهرّجان يوزّعان بطاقات مسرحية على المارة دون أن يتوقفا حتى للحظة والانشغال أو النظر لما يدور حولهما! زهور شنوف عبرت مبادرة كرامة الصحفي عن تنديدها لما وصفته ب "العنف الأعمى والاعتقال والضرب من طرف قوات الأمن بسبب المشاركة في وقفة احتجاجية سلمية"، وأدانت في بيان لها تحصلت "الجزائر نيوز" على نسخة منه "التعرض للصحفيين بالعنف مهما كان نوعه"، معتبرا في نفس السياق "ما حصل كبير ويهدد الحريات والحق في التعبير السلمي"، مؤكدا بخصوص نتائج التدخل الأمني كذلك أنه "مساس بالصحفيين ومصادرة للرأي وتأكيد لتراجع رهيب في مجال الحريات"، وطالبت المبادرة ب "الإفراج الفوري عن كل الموقوفين وتدعوا جميع الصحفيين إلى التجند والوقوف ضد كل محاولات المساس بحرية التعبير"، داعية في الأخير الإعلاميين إلى"مواصلة العمل والتنسيق مع كل القوى الحية والمخلصة داخل الأسرة الإعلامية من أجل استرجاع هيبة الصحفي وحمايته من كل أشكال التعسف"، وللإشارة فقد حددت مبادرة كرامة الصحفي عدد الصحفيين الموقوفين من طرف قوات الأمن في الوقفة الاحتجاجية المنظمة أمس مقابل الجامعة المركزية أنهم لا يقلون عن 12 صحفيا. إسلام كعبش ندّد المترشح الحر للرئاسيات المقبلة علي بن فليس بشدة في تصريح مكتوب تحصلت "الجزائر نيوز"- على نسخة منه، بما وصفه ب "الخروقات" حيال الحق في "التعبير الحر"، التي سجلت اليوم خلال المظاهرات التي عرفتها العاصمة ومختلف الجهات الأخرى"، معتبرا في نفس الاتجاه بأنه من حق المواطن الجزائري "التعبير عن رأيه دون التعرض لأي مضايقات أو اعتداءات"، لأن -حسبه- ذلك من بين "الحقوق الفردية والجماعية التي تشكل فحوى مشروع التجديد الوطني"، والذي يعد مجتمع الحريات "أحد دعائمه والذي سيقترح على الإرادة السيّدة للشعب الجزائري بمناسبة الإستحقاق الرئاسي المقبل". إسلام. ك باشرت مصالح الدرك الوطني، أمس، حملة تفتيش على مستوى الحواجز الأمنية المتواجدة بالطرق المؤدية إلى كل من ولايتي البليدةوالجزائر العاصمة. حسب ما أكده شهود عيان، فإن حملة التفتيش في الحواجز الأمنية التي باشرتها مصالح الأمن استهدفت الطلبة والطالبات، بحيث شملت عملية التفتيش هذه حافلات النقل المتجهة نحو البليدة والعاصمة، على طول الحواجز الامنية الربطة بين هذه الولايات وولاية المدية. وتتزامن هذه الحملة مع الاحتجاج الذي نظم أمس، أمام مقر الجامعة المركزية للرافضين للعهدة الرابعة لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، الذين استجابوا لدعوة الناشطين في الفايسبوك الذين قرروا الخروج الى الشارع احتجاجا على قرار الرئيس للترشح في الانتخابات الرئاسية المقررة يوم 17 أفريل المقبل. س. ب نحن هنا حتى نقول إننا ضد العهدة الرابعة، ضد كل المافيا السياسية والمالية التي لا بد أن ترحل، أنا شخصيا ضد هذا النظام الذي يعتمد على "البوليس" السياسي الذي أتى ببوتفليقة للحكم، والعسكر الذين يعتمدون عليه كذلك. اليوم لم يكن هنالك "بلطجية" الذين يقومون بدورهم المنوط بهم كما في المرات السابقة، هو النظام الذي اختار هذه الطريقة في التعامل، هذا واضح من استراتيجيته التي تمنع الجميع من التعبير عن رسائلهم السياسية التي يريدون تمريرها. أنا ما أقوله هو إن الوقفة اليوم "عفوية"، ليس بإمكانهم إخرج حكاية "اليد الأجنبية" و«الخارجية"، أصحاب الفكرة ما هم إلا مواطنون شرفاء، أنقياء ولا ينتمون لأي تيار سياسي معين. والله هذا ما يخيفني كثيرا خاصة مع ترشيح شخص بوتفليقة، هذا النظام مستعد لفعل كل شيء من أجل البقاء، وإنتاج العنف وسيلته الوحيدة من أجل إثبات نفسه وجلب أنظار الغرب. أما الإنتخابات في الجزائر ففي كل مرة يفاجئوننا برئيس يجلبونه لنا، كما نفعل مع الأطفال عندما نهدي لهم "شوكولاطة" داخل علبة، هؤلاء احتقروا الشعب الجزائري وحطموا المجتمع المدني، ومنذ 1962 وهم يستنسخون الفوضى ويبقى مكانهم الوحيد للبقاء.. هو العنف.